ليس جديراً إدانة هؤلاء الطلبة بشأن لجوئهم إلى مركز فرنسي للامتحان والبحث عن فرصة للهجرة، بموجب عقدة الاستعمار أو بزعم استدراجهم إلى هذا المشهد المخيب عشية ذكرى اندلاع ثورة التحرير ضد الفرنسي المحتل، وليس جديراً اعتبار ذلك إخفاقاً للغة العربية أو اصطفافاً لصالح الفرنسية، فلو فتحت سفارات بريطانية أو ماليزية أو قطرية أو ألمانية أبوابها فسيكون المشهد نفسه وربما أكثر، فالحديث الشريف يقول "اُطلبوا العلم ولو في الصين". وإذا كان هؤلاء الطلبة قد تدافعوا بعزم طلباً للعلم، فإن هناك من الساسة ومنظري الفشل والمسؤولين صناع الإخفاقات، من يتدافع بكل تذلل على باب السفارات والسفارة الفرنسية، وإذا كان لوم هؤلاء الطلبة على رغبتهم في الهروب من البلد، فإن هناك من يُهَرب البلد وأموال البلد الى باريس لشراء الشقق والفيلات والفنادق.
إذا كان في غزو الطلبة للمركز الثقافي الفرنسي تعبير عن رغبة في الهروب من البلد إدانة، فهي إدانة للسلطة في الجزائر، ودليل على الإخفاق في توفير جامعات تليق وسبل العيش الكريم وآفاق المستقبل، وثم فإن ما لم يفقهه ساسة الجزائر أن مفهوم الوطن تغير كلياً لدى جيل تجاوز "شعوذات" إكليروس السلطة، فلهذا الجيل مفهوم آخر للوطن يرتبط بالمشاركة في المستقبل أكثر منه أغنية على طلل، وإذا كانت التراتيل البالية للساسة وكهنة الحكم يحملون الوطن في جيوبهم ويرسمونه عند حدود الجغرافيا، فإن هذا الجيل يحمل الوطن في قلبه ويرسمه بلا حدود.
في ذلك الأحد كان يفترض أن يكون جموع هؤلاء الطلبة في الاستماع لقادة الأحزاب السياسية الذين شرعوا في الحملة الدعائية للانتخابات البلدية المقبلة، لكنهم فضلوا الإنصات إلى ذواتهم التي تطمع في أن تنافس أقرانهم من طلبة العالم طموحاً، وتلك قطيعة وانفلات عقد بين الطلبة والمؤسسة السياسية في شقيها الرسمي أو الحزبي. فالساسة يفتشون في جيوب الماضي عن مقاعد لأحزابهم في بلد لا تعبر فيه الانتخابات عن أي واقع وحقيقة، وليست سوى مسرحية سمجة، والطلبة يبحثون عن مستقبل غاب عن عقل الساسة.