دفعت الأزمة المالية التي تمر بها الجزائر، الحكومة إلى مراجعة حساباتها وتعديل خطتها الخماسية 2015-2019 والتي رصدت له أكثر من 260 مليار دولار، وذلك لامتصاص الضربات التي خلفها تراجع إيرادات البلاد من النفط.
حيث صادقت الحكومة الجزائرية الأسبوع الماضي، على "نموذجٍ اقتصاديٍ جديد" يُطبق حتى عام 2020، يرتكز على إصلاح النظام الضريبي لتحقيق مزيد من الإيرادات المالية عن طريق توسيع التحصيل الضريبي وتقليص الاعتماد على صادرات الطاقة من خلال تشجيع الاستثمارات.
وحسب البيان الصادر عن الحكومة، فإن البرنامج الاقتصادي الجديد، يستند إلى سياسة تسيير للميزانية تم تجديدها.
وتعتمد على تحسين عائدات الضرائب، بما يمكنها مع بداية عام 2019، من تغطية النفقات.
وتراهن الحكومة من خلال تطبيق "النموذج الاقتصادي الجديد" تحقيق نسبة نمو تعادل 3.5% نهاية العام الجاري، و4% العام المقبل 2017، على أن ترتفع النسبة في باقي السنوات.
ولتحقيق هذه النسبة جاء "النموذج الاقتصادي الجديد" الذي وضعته الحكومة ليركز على جبهتين، الأولى "الاستثمار خارج قطاع المحروقات لتنويع الإنتاج المحلي الموجه للسوق المحلية والتصدير"، أما الجبهة الثانية فهي "إعادة النظر في السياسة التي تعتمد عليها الحكومة في إعداد الموازنات العامة"، من خلال اعتماد سياسة أقل إنفاقا وتكلفة وأكثر عدالة من خلال إحداث توازنات في الاقتطاعات السنوية الموجهة لمختلف القطاعات.
ويعتبر هذا التحرك جزءا من سلسلة الحلول التي وعدت بها السلطات لتنويع اقتصاد الجزائر، وفك ارتباط تمويله بإيرادات الغاز والنفط التي تشكل 95% من إيرادات البلاد.
إلا أن السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه هو: هل النموذج الاقتصادي الذي طرحته الحكومة هو الجواب الأمثل والحل السحري لمواجهة الأزمة المالية؟
حسب المراقبين، يصعب الجواب على هذا السؤال في ظل نقص المعلومات الدقيقة والأرقام وحتى عدم تحديد الأهداف بدقة من هذا المخطط الاقتصادي الجديد.
ويرجع الخبير الاقتصادي ونائب رئيس المجلس الجزائري الاقتصادي والاجتماعي مصطفى ميكيداش، هذا الغموض إلى "مشكل في الاتصال المؤسساتي لدى الحكومة". إذ لا يمكن حسب المتحدث ذاته، أن نطرح تعديلا لأي مخطط اقتصادي "دون إعطاء نسب النمو متوقعة سنويا ولا الأرقام المتوقعة في مجال التحصيل الضريبي العادي".
ويتوقع ميكيداش أن "تحمل الموازنة العامة للسنة القادمة بعض الأرقام".
وحول أكبر العقبات التي تواجه ترجمة النموذج الاقتصادي الجديد في وقت يعرف الاقتصاد الجزائري انكماشا حادا، يجيب نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" أن "العقبة الأولى هي العجز الذي تعرفه الخزينة العامة وصندوق ضبط الإيرادات (صندوق سيادي تتوجه إليه الحكومة لسد العجز المسجل في الخزينة العامة).
ومن المتوقع أن يبلغ العجز على مستوى الخزينة العامة 30 مليار دولار خلال العام الجاري 2016، وهي قيمة ما يتوفر عليه صندوق ضبط الإيرادات، وعليه كيف يمكن تغطية العجز المسجل سنوات 2017 و2018 و2019 إذا بقيت أسعار النفط تحت عتبة 50 دولار، وفق ميكيداش.
ويرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، أن الحكومة طرحت نموذجا جديدا لتحسين نسبة النمو الاقتصادي وليس نموذجا اقتصاديا جديدا، فالنموذج الاقتصادي الجديد هو "اتفاق جديد يضمن تطورا اقتصاديا واجتماعيا لا يمكن أن يَحدُث بنظرة قديمة أو بتعديل المسار في وسط الطريق".
وعليه يقول نور الدين لـ "العربي الجديد"، إننا أمام "كشف عن نوايا فقط"، لا يمكنها أن تجيب عن متطلبات المرحلة الحالية ولا المرحلة القادمة.
وعن نسب النمو المتوقعة والتي تراهن الحكومة على إحداثها لحماية الاقتصاد من الانهيار المالي، يقول نور الدين، إنه "يمكن تحقيق نسب نمو كبيرة لكن قد يترتب عن ذلك تدمير ما تبقى من النسيج الاقتصادي".
وأضاف قائلا: "قبل سنوات كانت الحكومة الجزائرية تتحدث عن نسبة نمو برقمين أي فوق 10%، ورغم البحبوحة المالية التي تمتعت بها الجزائر لم نستطع تعدي عتبة 5%، فكيف يمكن اليوم تحقيق نسبة نمو فوق 4% ونسب العجز ترتفع في الخزينة العامة وفي الميزان التجاري".
ويعتقد نور الدين، أن النموذج الاقتصادي يتطلب نظرة استشرافية، باعتبار أنّ تحسين النظام الضريبي مثلا يحتاج إلى وقت طويل، حيث إن 50% من الضرائب العادية المباشرة تأتي من الرسوم الجمركية والرسم على القيمة المضافة المحصّلة من الصادرات والواردات، "لذا يحب إعادة النظر ما دام هناك هامش للمناورة".
وعرفت الجزائر في النصف الأول من العام الجاري مؤشرات حمراء تُنبئ بنهاية سنة صعبة، في مقدمتها تواصل انهيار قيمة الدينار أمام الدولار وتسجيل الميزان التجاري للبلاد عجزا تاريخيا بلغ 10.83 مليار دولار، مقابل 8.51 مليارات دولار. خلال الفترة نفسها من السنة الماضية، أي بنسبة ارتفاع بلغت 27.2%، وفق ما كشفت عنه بيانات حديثة للجمارك الجزائرية، بعدما تراجعت الصادرات بشكل ملموس، حيث صدّرت الجزائر ما قيمته 12.86 مليار دولار جلها محروقات، وهو رقم يقل كثيراً عما صدرته البلاد في نفس الفترة من السنة الماضية رغم الأزمة المالية، حيث صدرت الجزائر قرابة 19 مليار دولار، أي أن المداخيل تراجعت بنحو 33%، وهو ما يمثل 6.25 مليارات.