في وثيقة منشورة على موقع وزارة الخارجية الروسية، في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2016، وموقّعة من قبل الرئيس فلاديمير بوتين، تشرح الوزارة "مفهوم السياسة الخارجية للدولة". في البند التاسع (من أصل 108 بنود)، تذكر الوثيقة أن "القوة الناعمة، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الجهود المبذولة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية".
وبالفعل، بدأت روسيا العمل على استثمار قوّتها الناعمة في الإعلام والتكنولوجيا والفنون: من الرسوم المتحركة إلى المعارض الفنية. فعرفت على سبيل المثال كيف تجعل من مسلسل التحريك "ماشا والدب" واحداً من أكثر المسلسلات الموجّهة للأطفال شهرة وانتشاراً حول العالم.
لكنّ وجهاً آخر لهذه القوّة الناعمة كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" في تحقيق مفصّل نشرته مساء أول من أمس الأحد بعنوان "الأوليغارشية، كراعية للفن الأميركي، تقدّم صورة أكثر نعومة عن روسيا Oligarchs, as U.S. Arts Patrons, Present a Softer Image of Russia". إذ منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، برزت أسماء روسية كثيرة في عالم تمويل المشاريع الفنية، وكانت المنظمات الثقافية الغربية هي المستفيد الأكبر: من "كارنيغي هول"، و"متحف ميتروبوليتان للفنون"، إلى "معهد شيكاغو للفنون"، و"أكاديمية بروكلين للموسيقى"، و"مركز لينكولن"... تلقّت كل هذه المساحات الثقافية والفنية تمويلاً سخياً من أثرياء موسكو.
يغوص التحقيق في الاستثمارات الروسية داخل المشهد الثقافي الأميركي، من خلال تمويل رجال أعمال روس لعدد من المتاحف والمعارض بشكل مستمرّ وبمبالغ كبيرة. ورغم غياب أي دليل حسيّ على أن تبرعات هؤلاء الأثرياء "قد تم توجيهها أو تنسيقها من قبل موسكو، إلا أنهم جميعاً يتمتعون بعلاقات ممتازة بالكرملين، واستثماراتهم هذه تصب في جهود الرئيس فلاديمير بوتين المتوسعة، لاستخدام القوة الناعمة كأداة للسياسة الخارجية".
اقــرأ أيضاً
ويسرد كاتب التحقيق غراهام بولي، أسماء أبرز الأثرياء الروس الذين يضخون ملايينهم في المشهد الفني والثقافي الأميركي. فيبدأ بفلاديمير أو. بوتانين، الملياردير الروسي الذي أصبح عضواً في مجلس إدارة "متحف غوغنهايم" في نيويورك منذ عام 2002. كما أنه تبرّع بـ6.45 ملايين دولار إلى مركز كينيدي في واشنطن. وقد استخدمت بعض من هذه الأموال لإنشاء "الصالة الروسية Russian Lounge"، في المركز.
أما في عام 2011، فتبرّع ثريّ روسي آخر هو ليونيد ميخلسون، عبر مؤسسته الثقافية VAC، بمبلغ مالي لمعرض في "المتحف الجديد" في مانهاتن، مخصص للفن الروسي المعاصر. وفي 2013 بات جزءاً من إدارة المتحف حتى عام 2018. كما أن المؤسسة التي يملكها ساهمت في تمويل معرض عام 2017 عن الفن السوفييتي في معهد شيكاغو للفنون. علماً أن شركة ميخلسون "نوفاتيك" وهي أكبر مورّد غير حكومي للغاز الطبيعي الروسي، تخضع لعقوبات أميركية محدودة منذ عام 2014.
في كاليفورنيا أخذت التبرعات الروسية شكلاً مختلفاً. إذ اختار المليونير فيكتور فيكسلبيرغ ضخ الأموال في "قلعة روس" عام 2010، وهي حديقة تاريخية كانت مستوطنة روسية في القرن التاسع عشر. وقام القائمون على القلعة بصيانتها وتحسينها، وبات العلم الروسي يرتفع فيها. تحاول هذه الحديقة إعادة خلق نمط الحياة الروسي في القرن التاسع عشر، وتتيح للزوار التجول في السوق، وزيارة كنيسة أرثوذكسية روسية، وإلى جانبها طاحونة هوائية مثل تلك التي كان يستخدمها المستوطنون. أما اللافتات فمكتوبة باللغتين الإنكليزية والروسية.
لكن هبات فيكتور فيكسلبيرغ السخية توقفت العام الماضي، بعدما طلبت وزارة العدل الأميركية من القائمين على الحديقة وقف التعاون معه. إذ شملت العقوبات الأميركية شركته "رينوفا غروب" العاملة في قطاعات مختلفة مثل الألومنيوم، والنفط، والاتصالات. وكانت الولايات المتحدة قد اتهمت الشركة الروسية العملاقة بلعب "دور رئيسي في دفع أنشطة روسيا الخبيثة، مثل احتلال شبه جزيرة القرم، والحرب في شرق أوكرانيا، ودعم الرئيس بشار الأسد في سورية، محاولة لتخريب الديمقراطيات الغربية...".
اقــرأ أيضاً
دور السفير انتهى عام 2017، عندما ورد اسمه كمتورط في ملف التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، فغادر واشنطن عائداً إلى موسكو.
وفي حديث عن دور كيسلياك في واشنطن، يقول السفير الأميركي في روسيا (2012 ـ 2014) مايكل مكفول، لـ"نيويورك تايمز" إنّ كيسلياك أخبره كيف استخدم "الثقافة الروسية كأداة للتعمق أكثر في نسيج المجتمع الأميركي". مقارناً بين العمل الثقافي الأميركي في روسيا الذي لا يشمل المنح المالية، والعمل الثقافي الروسي في الولايات المتحدة الذي يتمحور حول مِنح الأثرياء.
لكن كيسلياك لم يكن السفير الروسي الوحيد المهتم في المشهد الثقافي الأميركي، بل إن السفير الروسي الحالي في واشنطن أناتولي أنطونوف عبّر أكثر من مرة عن إعجابه بقلعة روس مكرراً جملةً شهيرة التصقت به "بعض المباني في واشنطن تحمل مشاعر معادية لروسيا، هنا في قلعة روس الهواء مختلف، حتى الناس مختلفون".
وبالفعل، بدأت روسيا العمل على استثمار قوّتها الناعمة في الإعلام والتكنولوجيا والفنون: من الرسوم المتحركة إلى المعارض الفنية. فعرفت على سبيل المثال كيف تجعل من مسلسل التحريك "ماشا والدب" واحداً من أكثر المسلسلات الموجّهة للأطفال شهرة وانتشاراً حول العالم.
لكنّ وجهاً آخر لهذه القوّة الناعمة كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" في تحقيق مفصّل نشرته مساء أول من أمس الأحد بعنوان "الأوليغارشية، كراعية للفن الأميركي، تقدّم صورة أكثر نعومة عن روسيا Oligarchs, as U.S. Arts Patrons, Present a Softer Image of Russia". إذ منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، برزت أسماء روسية كثيرة في عالم تمويل المشاريع الفنية، وكانت المنظمات الثقافية الغربية هي المستفيد الأكبر: من "كارنيغي هول"، و"متحف ميتروبوليتان للفنون"، إلى "معهد شيكاغو للفنون"، و"أكاديمية بروكلين للموسيقى"، و"مركز لينكولن"... تلقّت كل هذه المساحات الثقافية والفنية تمويلاً سخياً من أثرياء موسكو.
يغوص التحقيق في الاستثمارات الروسية داخل المشهد الثقافي الأميركي، من خلال تمويل رجال أعمال روس لعدد من المتاحف والمعارض بشكل مستمرّ وبمبالغ كبيرة. ورغم غياب أي دليل حسيّ على أن تبرعات هؤلاء الأثرياء "قد تم توجيهها أو تنسيقها من قبل موسكو، إلا أنهم جميعاً يتمتعون بعلاقات ممتازة بالكرملين، واستثماراتهم هذه تصب في جهود الرئيس فلاديمير بوتين المتوسعة، لاستخدام القوة الناعمة كأداة للسياسة الخارجية".
أما في عام 2011، فتبرّع ثريّ روسي آخر هو ليونيد ميخلسون، عبر مؤسسته الثقافية VAC، بمبلغ مالي لمعرض في "المتحف الجديد" في مانهاتن، مخصص للفن الروسي المعاصر. وفي 2013 بات جزءاً من إدارة المتحف حتى عام 2018. كما أن المؤسسة التي يملكها ساهمت في تمويل معرض عام 2017 عن الفن السوفييتي في معهد شيكاغو للفنون. علماً أن شركة ميخلسون "نوفاتيك" وهي أكبر مورّد غير حكومي للغاز الطبيعي الروسي، تخضع لعقوبات أميركية محدودة منذ عام 2014.
في كاليفورنيا أخذت التبرعات الروسية شكلاً مختلفاً. إذ اختار المليونير فيكتور فيكسلبيرغ ضخ الأموال في "قلعة روس" عام 2010، وهي حديقة تاريخية كانت مستوطنة روسية في القرن التاسع عشر. وقام القائمون على القلعة بصيانتها وتحسينها، وبات العلم الروسي يرتفع فيها. تحاول هذه الحديقة إعادة خلق نمط الحياة الروسي في القرن التاسع عشر، وتتيح للزوار التجول في السوق، وزيارة كنيسة أرثوذكسية روسية، وإلى جانبها طاحونة هوائية مثل تلك التي كان يستخدمها المستوطنون. أما اللافتات فمكتوبة باللغتين الإنكليزية والروسية.
لكن هبات فيكتور فيكسلبيرغ السخية توقفت العام الماضي، بعدما طلبت وزارة العدل الأميركية من القائمين على الحديقة وقف التعاون معه. إذ شملت العقوبات الأميركية شركته "رينوفا غروب" العاملة في قطاعات مختلفة مثل الألومنيوم، والنفط، والاتصالات. وكانت الولايات المتحدة قد اتهمت الشركة الروسية العملاقة بلعب "دور رئيسي في دفع أنشطة روسيا الخبيثة، مثل احتلال شبه جزيرة القرم، والحرب في شرق أوكرانيا، ودعم الرئيس بشار الأسد في سورية، محاولة لتخريب الديمقراطيات الغربية...".
والحديث عن قلعة روس، يأخذنا إلى دور سياسي روسي أكبر. إذ إنّ الراعي الأساسي لتمويل الحديقة من قبل فيكتور فيكسلبيرغ كان السفير الروسي السابق في الولايات المتحدة سيرغي كيسلياك (2008 ــ 2017). وقد لعب أيضاً دوراً بارزاً في تأمين "هدايا سخية" روسية كثيرة إلى مراكز أميركية، مثل مركز كينيدي. إلى جانب إقناعه سيدة الأعمال الأميركية سوازان كارمل بإنشاء "معهد الثقافة والتاريخ الروسي" في الجامعة الأميركية في واشنطن عام 2015.
دور السفير انتهى عام 2017، عندما ورد اسمه كمتورط في ملف التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، فغادر واشنطن عائداً إلى موسكو.
وفي حديث عن دور كيسلياك في واشنطن، يقول السفير الأميركي في روسيا (2012 ـ 2014) مايكل مكفول، لـ"نيويورك تايمز" إنّ كيسلياك أخبره كيف استخدم "الثقافة الروسية كأداة للتعمق أكثر في نسيج المجتمع الأميركي". مقارناً بين العمل الثقافي الأميركي في روسيا الذي لا يشمل المنح المالية، والعمل الثقافي الروسي في الولايات المتحدة الذي يتمحور حول مِنح الأثرياء.
لكن كيسلياك لم يكن السفير الروسي الوحيد المهتم في المشهد الثقافي الأميركي، بل إن السفير الروسي الحالي في واشنطن أناتولي أنطونوف عبّر أكثر من مرة عن إعجابه بقلعة روس مكرراً جملةً شهيرة التصقت به "بعض المباني في واشنطن تحمل مشاعر معادية لروسيا، هنا في قلعة روس الهواء مختلف، حتى الناس مختلفون".