كوينسي جونز... مايكل جاكسون في 70 مليون نسخة

12 نوفمبر 2024
جونز في مؤتمر صحافي عام 1987 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بدأت العلاقة بين مايكل جاكسون وكوينسي جونز في عام 1972، وتعاونهما الموسيقي بدأ في 1979 مع ألبوم "خارج عن المألوف"، الذي حقق نجاحاً كبيراً.
- ألبوم "إثارة" (Thriller) في 1982 كان نقطة تحول في مسيرة جاكسون، حيث بيعت منه حوالي 70 مليون نسخة، ودمج بين الروك آند رول والديسكو.
- أغنية "بيلي جين" من الألبوم تميزت بتوزيع موسيقي فريد، لكن الخلاف حول حقوق الملكية الفكرية أدى إلى صراع قضائي بين جاكسون وجونز.

لو أن المراهق الموهوب مايكل جاكسون لم يلتقِ المنتج الموسيقي كوينسي جونز الذي رحل أخيراً عن 91 عاماً، لما أصبح ملك البوب بلا منازع، وعبر العصور. 

بدأت القصة في منزل مغنٍّ معروف من حيّ هارلم النيويوركي الشهير، هو سامي ديفيس جونيور (1925 - 1990) عندما التقى الاثنان في معرض التحضير للدراما الغنائية العائلية المصوّرة فيلماً سينمائياً سنة 1972 بعنوان "المشعوذ" (The Wiz)، في نسخة موجهة إلى المشاهد الأفروأميركي، عن فيلم يحمل ذات الاسم، يعود إلى عام 1939. 

حينها، لعب جاكسون دور سكيركرو، وقد كان ذلك أوّل ظهور له على الشاشة الكبيرة. في الوقت نفسه، سعى ابن الـ12 عاماً لإصدار أول ألبوم له مسجّلٍ في استوديو، فاستغل الفرصة لكي يتقدّم إلى جونز، الذي شارك بصفته أحد المؤلفين الموسيقيين، بطلب مساعدته في تحقيق مسعاه، بأن يرشّح له أحد المنتجين، ولعله كان يأمل في قرارة نفسه، أن يكون كوينسي جونز بذاته.

منذ الوهلة الأولى، أُعجب الأخير بموهبة الفتى، وبدأبه وإصراره. كان قد سبق له أن ذكر لصحيفة هوليوود ريبورتر سنة 2020، مُستعيداً أجواء اللقاء الأول، كيف أن جاكسون "كان يعرف كيف يُنجز واجباته على أتمّ وجه. سواء في الرقص على طريقة فريد إستير وجين كيلي أو جيمس براون. حتى إنه قد أجاد تقليد إلفيس أيضاً، هيا يا رجل، إنه لملك البوب". 

على الرغم من ذلك، فقد شاءت الأقدار للاثنين أن ينتظرا حتى سنة 1979 كي يشهدا بداية تعاونهما معاً، وذلك من خلال اشتراكهما في إنتاج الألبوم الخامس لمايكل جاكسون تحت عنوان "خارج عن المألوف" (Off the Wall) الذي أمسى في وقته الإصدار الأكثر مبيعاً، من بين التي أنتجها وسجّلها فنانون أفروأميركيون.

لاحقاً، أتى الألبوم السادس لجاكسون، والثاني بالتعاون مع كوينسي جونز وعنوانه "إثارة" (Thriller). إلى اليوم، يُنظر إلى ذلك الإصدار الأيقوني على أنه بمثابة المنصّة التي انطلق منها "ملك البوب" نحو نجومية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. بيعت منه ما يقرب من 70 مليون نسخة حول العالم، وما زال حتى الآن الأكثر مبيعاً في كل الأزمنة.

بتراكاته التسعة، جسّد "ثريلر" مواصفات المنتج الموسيقي القدير العابر للأنماط والألوان، التي تميّز بها كوينسي جونز وأثّر بها في نجاح جاكسون. من خلال تعاونهما، استطاع الاثنان أن يمزجا طعم الروك آند رول مع إيقاع الديسكو، الذي كان بمثابة روح العصر فترةَ الثمانينيات. 

لعل أكثر ما ميّز الأغنيات، وأثار أيضاً حفيظة النقّاد في وقتها، تمايزها الشديد عن بعضها وتجاهلها عُرفَ الوحدة والاتّساق بين مكوّنات الألبوم الواحد، لتأتي من كلّ روض زهرة. 

لعل "بيلي جين" سادسة تراكات الألبوم، أشد تلك الأزهار فوحاناً وأبقاها عَبقاً على مرّ العقود، إذ لا تزال مرجعاً إبداعياً في تصميم أغنية جماهيرية بسيطة من جهة، ومركّبة من جهة أخرى وعلى مستويات عدّة، فنيّة وتقنية، فتبقى لتدلّ على مدى الأثر العميق المديد، الذي تركته شراكة كلّ من كوينسي جونز وجاكسون، على إرث البوب.

رغم أن "ملك البوب" هو من كتب كلمات الأغنية وألّف موسيقاها، إلا أن الحنكة والخبرة التي تمتع بها جونز ماثلتان للأسماع، لجهة البصمة الفريدة للصوت والاقتصاد الجريء في مدّ التصميم الموسيقي بالعناصر التشكيلية، التي جعلت من الأغنية نموذجاً متقدماً للتوزيع المينيمالي، لم يكن معهوداً بين أقطاب الصناعة الفنية آنذاك. 

تستمد "بيلي جي" قوّتها من لحنها ذي الطابع الإيقاعي، الحاد والنافذ، الصادر عن غيتار الباص الكهربائي والمرتكز على نبض القرع الرشيق والحيوي على طبول الدرامز بأسلوب الروك آند رول، الذي سجّله عازف الباص لويس جونسون (1955 - 2015)، وميّزته النغمة الأولى بلونها الصوتي ذي السمات الإلكترونية.

يجري تصعيد الأغنية بإضافة تدريجية لمواد تشكيلية جديدة، تبدأ بإيقاعات تصدر عن شفتي المغنّي، تُهيّئ لحضوره، ثم انسجامات مباغتة مقتضبة، تؤديها مجاميع الوتريات توكيداً لحال الإثارة، كل ذلك تمهيداً لمقطع الغناء الأول عبر الصوت الرفيع والحاد، المرتجف والمنخفض المعروف عن جاكسون، إيحاءً بصوته وهو منهمكٌ في الرقص، يُسمع متخلّلاً المحور الإيقاعي المستمر والمطرد الصادر عن غيتار الباص بمصاحبة الدرامز، من دون أن يتصدره ويطغى عليه. 

ثمة مؤثّرات موسيقية عدّة في الأغنية تدلّ على حذق توزيعي غالباً ما يُميّز المنتج البارع المطّلع على الموسيقى بتاريخها وشتّى أساليبها ومدارسها، كتلك التزويقات الخاطفة كالبرق، التي تنفذها آلات الكمان وتتذيل الكوبليه عند بيته الأخير في دورته ما قبل الأخيرة، حين تبلغ الأغنية أوج التصعيد، وذلك قبيل التعليق اللحني الذي ستُعقّب به آلة الغيتار الكهربائي اقتراباً من الخاتمة. 

لعل العديد من عناصر الهوية الغنائية لمايكل جاكسون اجتمعت في، وانبثفت عن، ألبوم "ثريلر" وأغنية "بيلي جين" التي سُوِّقَت أغنيةً مفردة خارج إطار الألبوم، لترافقه على طول مشواره الفني، كاستخدامه صوته من غير غناء بغرض بثّ مؤثرات راقصة، إضافةً إلى الحدّة والنقاء والكثافة المحزومة عالية التركيز لمُنتَجه الموسيقي، الذي ميّزت أغنياته اللاحقة.

علاوةً على الابتكار اللوني المستقبلي الذي أسهم به جونز، من خلال التوصّل إلى لونٍ جديد لطبول الدرامز أخذها باتجاه الطابع الإلكتروني. عن ذلك، تحدّث مهندس الصوت بروس سويدين، كيف عمل بتوجيه جونز على تعديل الطريقة التي  تُنصب بها الآلة داخل الاستوديو، وذلك بغية تغييرٍ في نوعية الصوت الصادر عنها.

وصف سويدين المُحصلة النهائية، قائلاً: "ليس هناك الكثير من المقطوعات الموسيقية التي يمكن للأذن أن تتعرّف إليها فور سماع الضربات الإيقاعية الأربع الأولى الصادرة عن طبول الدرامز، لعل "بيلي جين" إحداها، وأعزو ذلك إلى الشخصية الصوتية الخاصة التي ميّزتها". 

حضّ نجاح الألبوم منقطع النظير مايكل جاكسون على مطالبة كوينسي جونز بحصة أكبر من ملكية الإنتاج الفكرية لألبوم "ثريلر"، الأمر الذي أثار صراعاً قضائياً بين الشريكين استمرّ طويلاً وأدّى إلى قطيعة دامت لسنوات، لم تنف حقيقة أن جونز ظلّ عاملاً بشرياً فاعلاً وخلّاقاً في صنع "ملك البوب"، وصنع نجوماً آخرين في سماء الموسيقى الجماهيرية.

المساهمون