06 نوفمبر 2024
الحروب التجارية الجديدة
قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فرض رسوم جمركية تراوح ما بين 10% و25% على التوالي على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم من أوروبا، هو بمثابة إعلان حرب تجارية جديدة، يمكن لترامب أن يقرّر متى يبدأها، ولكن لا أحد يمكنه أن يعرف متى وكيف ستنتهي، على غرار كل الحروب التجارية العالمية التي خلفت دمارا وكوارث في كل منطقة حلت بها.
فعلها إذن ترامب، عندما نفذ وعده الانتخابي، بالعودة إلى الحمائية التجارية، وفرض رسومًا جمركية على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم من أوروبا وكندا والمكسيك، وقبل ذلك فرض الرسوم نفسها على الواردات نفسها من الصين، فالحرب التي كان يتوقعها، وفي الوقت نفسه يخشى وقوعها خبراء كثيرون منذ تولي ترامب إدارة الدولة صاحبة أكبر اقتصاد عالمي، في طريقها إلى الاندلاع. وفي انتظار الرد الأوروبي على قرار الرئيس الأميركي الذي سيؤثر لا محالة على واردات أوروبا نحو بلاده، والتي تقدر سنويا بنحو 6.5 مليارات يورو، يجب توقع تصاعد حدة المواجهة وسياسات لي الذراع ما بين أكبر قوتين اقتصادتين عالميتين، فالرد الأوروبي لن يتأخر، وبالفعل توعدت بروكسل بفرض رسوم جمركية لن تقل عن 10% على واردات أميركا نحو القارة العجوز، والتي تكاد تعادل قيمة وارداتها نحو أميركا. وفي هذه الحالة، يجب انتظار رد فعل ترامب، فهو لن يقبل أن يتلقى اقتصاد بلاده ضربةً، من دون أن يرد بمثلها، حتى لو كان هو البادئ، وقد بدأ منذ الآن يلوّح بفرض رسوم على واردات أوروبا من السيارات نحو بلاده، والتي تمثل وحدها 14% من القيمة الإجمالية للصادرات الأوروبية نحو أسواق أميركا الشمالية، مستهدفا، هذه المرة، ألمانيا التي تعتبر عمود الاقتصاد الأوروبي وعصبه.
يتوقع الخبراء نتائج كارثية لهذه الحرب المعلنة على الاقتصاد العالمي الذي قد يتراجع نموه
بنقطة واحدة مئوية، وأكبر المتضرّرين ستكون هي أميركا التي يتوقع أن تفقد وحدها 2.5 نقطة مئوية في معدلها السنوي للتنمية، نتيجة ارتفاع الأسعار وكلفة الإنتاج، لأن فرض رسوم جمركية على الموارد الأولية المستوردة سيؤدي إلى ارتفاع قيمتها داخل السوق الأميركية، وبالتالي سيؤثر على كلفة الإنتاج التي ستنعكس بدورها على القدرة الشرائية المرشحة للتراجع، وهو ما سيؤدي إلى تباطؤ النمو، وتراجع نسبته المئوية.
وهذا فقط الجانب المتوقع من خسائر الحرب العابرة للأطلسي ما بين أوروبا وأميركا، أما الحرب المدمرة فهي المتوقعة بين أميركا والصين المتطلعة إلى تصدر الاقتصاد العالمي. وقد بدأت من الآن حرب التهديدات تتصاعد بين الطرفين، فالرئيس ترامب سبق أن لوّح بفرض رسوم جمركية على أكثر من ألف منتوج صيني يسوّق في أميركا بقيمة تناهز 50 مليار يورو سنويا، ورد عليه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بفرض رسوم مماثلة على واردات أميركية إلى السوق الصينية، تعادل في قيمتها ضعف الصادرات الصينية نحو أميركا، أي 100 مليون يورو. ومثل طفل كبير مشاكس وعنيد، توعد الرئيس الأميركي برد الصاع بالصاع، في حال أقدمت بكين على تنفيذ تهديداتها، لتستمر لغة التهديد والوعيد والتصعيد، حتى تصل للمرحلة التي تصعب فيها العودة إلى الوراء.
هكذا تبدأ الحروب التجارية، مزايدات وتهديد ووعيد وتصعيد، حتى يقع الأسوأ. ولا داعي للتذكير بتاريخ الحروب التجارية العالمية، وآثارها المدمرة على البشر والبلدان، انطلاقا من حربي الأفيون، الأولى والثانية، في القرن الثامن عشر الميلادي، بين الصين والإمبراطورية البريطانية، والتي انتهت باحتلال موانئ الصين، أو "قانوني تاونز هند" التي فرضت بموجبه الإمبراطورية البريطانية ضرائب على مستعمراتها في أميركا الشمالية في القرن السابع عشر ميلادي، وأدت إلى نشوب حرب استقلال أميركا الشمالية عن التاج البريطاني.
كان هذا في الماضي، والمفروض أن الشعوب تتعلم من ماضيها. ولكن يبدو أن رجل الأعمال الذي يرأس أميركا لا تهمه سوى الأرباح السريعة، أما التاريخ ودروسه فهو آخر ما يهتم به،
فالحرب الاقتصادية التي يلوح بها ترامب تعود إلى ماضٍ أسود، وبالتالي أصبحت متجاوزة، لأن الاقتصاد العالمي أصبح متداخلا ومتكاملا، فلا يمكن أن تفرض رسوما على واردات دولة، من دون أن يتضرّر اقتصاد دول أخرى منها، بما فيها الدولة البادئة بفرض رسومها على الآخرين. كما أن عهد الحمائية التجارية ولى مع عصر العولمة التي حولت العالم إلى قرية اقتصادية كبيرة، أصبح الفاعلون الأساسيون داخلها الشركات العابرة للقارات، وليس الدول أو الحكومات، فسلسلة الإنتاج اليوم لم تعد محصورةً داخل دولة واحدة، وإنما هي سلسلة ملتوية ومتشابكة ومعقدة، عابرة للقارات والدول، وأي مساسٍ بأي حلقةٍ من حلقات هذه السلسلة سيضر بكل أجزائها وبإنتاجها، وسيصل الضرر حتما إلى المستهلك.
الأكيد أن كل أطراف هذه الحرب واعون بخطورتها اليوم. لذلك، قد يكون الهدف من دق طبولها هو الوصول إلى مرحلةٍ للتفاوض، لوضع قواعد جديدة تحمي بها كل دولة مصالحها. وفي انتظار الوصول إلى مرحلة التفاوض، فإن الحرب التجارية الجديدة ستواصل تدميرها، وأكثر من سيتحمل خسائرها هي الاقتصادات الصغيرة، وكما يقول مثل أفريقي دارج: "عندما تتعارك الأفيال الكبيرة العشب هو الذي يتضرّر".
فعلها إذن ترامب، عندما نفذ وعده الانتخابي، بالعودة إلى الحمائية التجارية، وفرض رسومًا جمركية على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم من أوروبا وكندا والمكسيك، وقبل ذلك فرض الرسوم نفسها على الواردات نفسها من الصين، فالحرب التي كان يتوقعها، وفي الوقت نفسه يخشى وقوعها خبراء كثيرون منذ تولي ترامب إدارة الدولة صاحبة أكبر اقتصاد عالمي، في طريقها إلى الاندلاع. وفي انتظار الرد الأوروبي على قرار الرئيس الأميركي الذي سيؤثر لا محالة على واردات أوروبا نحو بلاده، والتي تقدر سنويا بنحو 6.5 مليارات يورو، يجب توقع تصاعد حدة المواجهة وسياسات لي الذراع ما بين أكبر قوتين اقتصادتين عالميتين، فالرد الأوروبي لن يتأخر، وبالفعل توعدت بروكسل بفرض رسوم جمركية لن تقل عن 10% على واردات أميركا نحو القارة العجوز، والتي تكاد تعادل قيمة وارداتها نحو أميركا. وفي هذه الحالة، يجب انتظار رد فعل ترامب، فهو لن يقبل أن يتلقى اقتصاد بلاده ضربةً، من دون أن يرد بمثلها، حتى لو كان هو البادئ، وقد بدأ منذ الآن يلوّح بفرض رسوم على واردات أوروبا من السيارات نحو بلاده، والتي تمثل وحدها 14% من القيمة الإجمالية للصادرات الأوروبية نحو أسواق أميركا الشمالية، مستهدفا، هذه المرة، ألمانيا التي تعتبر عمود الاقتصاد الأوروبي وعصبه.
يتوقع الخبراء نتائج كارثية لهذه الحرب المعلنة على الاقتصاد العالمي الذي قد يتراجع نموه
وهذا فقط الجانب المتوقع من خسائر الحرب العابرة للأطلسي ما بين أوروبا وأميركا، أما الحرب المدمرة فهي المتوقعة بين أميركا والصين المتطلعة إلى تصدر الاقتصاد العالمي. وقد بدأت من الآن حرب التهديدات تتصاعد بين الطرفين، فالرئيس ترامب سبق أن لوّح بفرض رسوم جمركية على أكثر من ألف منتوج صيني يسوّق في أميركا بقيمة تناهز 50 مليار يورو سنويا، ورد عليه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بفرض رسوم مماثلة على واردات أميركية إلى السوق الصينية، تعادل في قيمتها ضعف الصادرات الصينية نحو أميركا، أي 100 مليون يورو. ومثل طفل كبير مشاكس وعنيد، توعد الرئيس الأميركي برد الصاع بالصاع، في حال أقدمت بكين على تنفيذ تهديداتها، لتستمر لغة التهديد والوعيد والتصعيد، حتى تصل للمرحلة التي تصعب فيها العودة إلى الوراء.
هكذا تبدأ الحروب التجارية، مزايدات وتهديد ووعيد وتصعيد، حتى يقع الأسوأ. ولا داعي للتذكير بتاريخ الحروب التجارية العالمية، وآثارها المدمرة على البشر والبلدان، انطلاقا من حربي الأفيون، الأولى والثانية، في القرن الثامن عشر الميلادي، بين الصين والإمبراطورية البريطانية، والتي انتهت باحتلال موانئ الصين، أو "قانوني تاونز هند" التي فرضت بموجبه الإمبراطورية البريطانية ضرائب على مستعمراتها في أميركا الشمالية في القرن السابع عشر ميلادي، وأدت إلى نشوب حرب استقلال أميركا الشمالية عن التاج البريطاني.
كان هذا في الماضي، والمفروض أن الشعوب تتعلم من ماضيها. ولكن يبدو أن رجل الأعمال الذي يرأس أميركا لا تهمه سوى الأرباح السريعة، أما التاريخ ودروسه فهو آخر ما يهتم به،
الأكيد أن كل أطراف هذه الحرب واعون بخطورتها اليوم. لذلك، قد يكون الهدف من دق طبولها هو الوصول إلى مرحلةٍ للتفاوض، لوضع قواعد جديدة تحمي بها كل دولة مصالحها. وفي انتظار الوصول إلى مرحلة التفاوض، فإن الحرب التجارية الجديدة ستواصل تدميرها، وأكثر من سيتحمل خسائرها هي الاقتصادات الصغيرة، وكما يقول مثل أفريقي دارج: "عندما تتعارك الأفيال الكبيرة العشب هو الذي يتضرّر".