ذلك الصباح، لمّا كان ألبيرتو على وشك أن يواصل تنكيس رأسه الصغيرة على عادته كلّ صباح، وبينما نهضت زوجته لتعدّ الإفطار، أحسَّ أن هناك من كان يربت بعذوبة على كاهله.
"روزا، أيّتها الطيّبة في الأعلى". كان ينطق اسم روزا مرتبكاً كما لو كان ذلك من تأثير الحلم. نهض ألبيرتو بحركة فيها شيء من الرعونة، ثم مضى إلى الحمام، ليجد نفسه في المرآة وقد تحوّل إلى روزا في ملامحها الخارجية، وإن لم يكن في أفكارها، ولا في إدراك هويّته الحقيقية.
منذ تلك اللحظة، جعله ذهوله يواصل، وكأنه إنسان آلي، الروتين الذي تختصّ به روزا: إعداد ركوة القهوة والعصائر وتسخين الحليب، وإشعال محمصة الخبز، بينما كان يشجّع الأطفال على الاستيقاظ من النوم، ويقودهم إلى الحمام، ويغسل لـ راؤوليتو بعد أن قضى حاجته، ويراقب خابيير وآنا لكي يغسلا فميهما، ثم يمضي يُلبس الثلاثة ملابسهم.
عندما كان الأطفال على وشك الانتهاء من وجبة الإفطار، دخلت روزا إلى المطبخ، كما لو أنها لم تنتبه إلى ذلك التحوّل المهول الذي قام بتبديل شكليهما الخارجيين. بعد ذلك، وبينما كان هو ينهي إعداد الأطفال وتهييء محافظهم من أجل المدرسة، جهّزت روزا نفسها، حملت المحفظة التي يأخذها ألبيرتو معه كل يوم إلى المحكمة وودّعت بقبلة، حتى الليل، إذ قالت أنها في ذلك اليوم لديها وجبة غذاء مع الزملاء.
وأيضا كما في المنام، ولكن وهو يتحسّس انصرام الساعات، أخذ الأطفال إلى مدارسهم، ومضى للتسوُّق، وهو يسحب تلك العربة التي يتزايد ثقلها تدريجياً، والتي ساعده الحارس على حملها في المصعد، شغَّل غسّالة الملابس وغسالة الصحون، رتّب الأسرّة، ولم يغسل الأرض تقريباً، لأن ذلك الشيء تختص به الخادمة التي تأتي في اليوم التالي. ولكنه كان ما يزال ينبغي عليه أن يكوي الملابس لفترة من الوقت، على عجل، إذ كان يجب عليه أن يذهب إلى البنك وإلى مكتب البريد قبل أن يُغلقا أبوابهما.
بعد تناول الغداء، مضى راكضاً لأجل الأطفال، لأنه كان عليه أن يأخذ الأكبر إلى المسبح، والطفلة إلى الرقص. استقبلهم في الوقت المحدّد، ولما أتوا إلى البيت، نزع عنهم ملابسهم وحمَّمهم وأعد العشاء.
خابيير لم يفهم بعض الأشياء في المدرسة، اضطر أن يشرحها له. أنيتا كان لديها بعض الحُمّى، ولكن لم تكن مرتفعة جّداً. في الليل، لما أتت روزا، أخبرته أنهم في المحكمة لم يوافقوا على طلب التقاعد بسبب العجز الجسدي، لعاملة تنظيف. كانت لديها ثقة كبيرة فيما كانت تقوله، وكانت تؤكّد مراراً وتكراراً: "لا يمكن أن أتقبّل أن الأعمال المنزلية تتطلّب الكثير من الجهد".
لم يُجب ألبيرتو بشيء. ولكنه بعد أن اضطجع في الفراش، استغرق وقتاً طويلاً قبل الخلود إلى النوم، وهو في قلق من أن الاستيقاظ لن يُعيد الأمور إلى مكانها.
* JOSÉ MARÍA MERINO كاتب إسباني من مواليد 1941. أصدر قرابة خمسين كتاباً توزّعت بين البحث الأدبي والأعمال السردية؛ من بينها: "ثلاثية الأسطورة" وثلاثيته عن اكتشاف أميركا "اليوميات الخلاسية".
** ترجمة عن الإسبانية خالد الريسوني