كثيرون ممن يمرون في شارع المعز بالقاهرة، لا يلحظون الزقاق الصغير الذي يندس في حمى مسجد برسباي. لكن، إن تنبَّهت لهذا الشارع الضيق الذي يكاد لا يستطيع اثنان أن يسيرا فيه متجاورين، فإن أول ما تواجهه عند الدخول إليه هو العطس الشديد والمتكرر.
رائحة التوابل والبهارات تملأ الجو، فالمكان هو أشهر سوق لمنتجات العطارة بمصر، حين تعطس، يعلم الجميع أنك مستجد على المكان، وتبدأ التشميتات والدعوات من أصحاب المحلات والحديث عن فوائد العطس للجسم والرأس. ثم تبدأ سلسلة من الدعوات الملحة للتشريف في هذا المحل أو ذاك لترى وتلمس وتجرِّب بنفسك أصناف العطارة في حوانيت يتجاوز عمرها عدة قرون، لم يتغير فيها إلا أصحابها وألوان العبوات وأشكالها التي أصبحت تزهو بمختلف اللغات على العلب والأكياس.
كان شارع الحمزاوي، قديماً، جزءاً واحداً، ونال اسمه نسبة لخان الحمزاوي الذي شيّده الأمير حاتم الحمزاوي التابع للسلطان العثماني سليم الأول. في البداية، كان الجزء الواسع الكبير من الشارع يضمُّ صناع البنادق القديمة والأقواس والأسهم الحربية، وأطلقوا عليه اسم شارع البندقانيين. وفي العصر المملوكي، كانت فيه أسواقٌ كبيرةٌ تضمُّ العديد من البضائع.
أما الجزء الصغير فيحتلُّه الآن العطارون، وكان يسمى قديماً بشارع الوراقين، وهم تجار الكتب والأدوات الكتابية. وقد ذكره المقريزي في تاريخه عندما وصف الحريق الكبير الذي التهم أجزاء كثيرة من تجارة الشارع ومعظم المحال به. ونظراً لضيق المكان لم يستطع الأهالي السيطرة على الحريق المدمر. ثم عاد الشارع مع الوقت لمكانته القديمة وتغلب الزمن على تلك الكارثة.
تُجَّار الشارع يفتخرون بما ورثوه عن أسلافهم من وصفات شعبيَّةٍ لعلاج كل شيء تقريباً، خاصة عطارة التجميل التي أصبحت تدر عليهم دخلاً كبيراً بعد الغلاء الذي أصاب مستحضرات التجميل، فاتجه النساء للعطارين بحثاً عن وصفة تغنيهم، ولو مؤقتاً، عن المستحضرات المستوردة ملتهبة الأسعار.
يستورد التجار التوابل من العديد من دول العالم في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. فيتنام والهند والصين والبرازيل والسودان على رأس القائمة، ولا ينسى الحاضرون للشارع أن يروا منتجات السحر والشعودة. فالكثير من الدجالين يكتبون وصفات سحرية ماخوذة بمعظمها من كتب مثل "تذكرة داوود"، وهي تستلزم بعض الأعشاب والجذور ذات الأسماء الغريبة، وكذلك حشرات وزواحف مجففة تأتي من أفريقيا وتباع عن تجار متخصصون.
يقول أحد التجار إن العطارة قديما كانت مهنة مثل الطب الآن أو الصيدلة، وكان العطار موضع تقدير من الجميع. لكن الدجالين الذين ملؤوا الفضائيات أصابوا سمعة تجارة العطارة كلها في مقتل بسبب ما يبيعونه للناس من أوهام.
السير في الزقاق الصغير يسلب لب السائر، فالرائحة الصاعدة من مطاحن التوابل والبهارات تجتذبُ العديد من السائحين الأجانب لرؤية هذا العالم الساحر. والتجّار هنا يعرفون كيف يستدرجون الزبائن لشراء منتجاتهم، وكثيراً ما ترى سائحاً وهو يضع كمامة خفيفة على أنفه ليخفف من الرائحة المنبعثة قليلاً. والمشهد المضحك فعلاً عندما يبدأ أحد المحال في تحميص وطحن الشطة الحريفة (الشطة السوداني)، عندها يبدأ السائحون في العدو والهرب وسط ضحكاتهم وضحكات مرافقيهم والتجار، إذ ينقلب المشهد إلى كوميديا حارقة ومسيلة للدموع.
اقــرأ أيضاً
رائحة التوابل والبهارات تملأ الجو، فالمكان هو أشهر سوق لمنتجات العطارة بمصر، حين تعطس، يعلم الجميع أنك مستجد على المكان، وتبدأ التشميتات والدعوات من أصحاب المحلات والحديث عن فوائد العطس للجسم والرأس. ثم تبدأ سلسلة من الدعوات الملحة للتشريف في هذا المحل أو ذاك لترى وتلمس وتجرِّب بنفسك أصناف العطارة في حوانيت يتجاوز عمرها عدة قرون، لم يتغير فيها إلا أصحابها وألوان العبوات وأشكالها التي أصبحت تزهو بمختلف اللغات على العلب والأكياس.
كان شارع الحمزاوي، قديماً، جزءاً واحداً، ونال اسمه نسبة لخان الحمزاوي الذي شيّده الأمير حاتم الحمزاوي التابع للسلطان العثماني سليم الأول. في البداية، كان الجزء الواسع الكبير من الشارع يضمُّ صناع البنادق القديمة والأقواس والأسهم الحربية، وأطلقوا عليه اسم شارع البندقانيين. وفي العصر المملوكي، كانت فيه أسواقٌ كبيرةٌ تضمُّ العديد من البضائع.
أما الجزء الصغير فيحتلُّه الآن العطارون، وكان يسمى قديماً بشارع الوراقين، وهم تجار الكتب والأدوات الكتابية. وقد ذكره المقريزي في تاريخه عندما وصف الحريق الكبير الذي التهم أجزاء كثيرة من تجارة الشارع ومعظم المحال به. ونظراً لضيق المكان لم يستطع الأهالي السيطرة على الحريق المدمر. ثم عاد الشارع مع الوقت لمكانته القديمة وتغلب الزمن على تلك الكارثة.
تُجَّار الشارع يفتخرون بما ورثوه عن أسلافهم من وصفات شعبيَّةٍ لعلاج كل شيء تقريباً، خاصة عطارة التجميل التي أصبحت تدر عليهم دخلاً كبيراً بعد الغلاء الذي أصاب مستحضرات التجميل، فاتجه النساء للعطارين بحثاً عن وصفة تغنيهم، ولو مؤقتاً، عن المستحضرات المستوردة ملتهبة الأسعار.
يستورد التجار التوابل من العديد من دول العالم في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. فيتنام والهند والصين والبرازيل والسودان على رأس القائمة، ولا ينسى الحاضرون للشارع أن يروا منتجات السحر والشعودة. فالكثير من الدجالين يكتبون وصفات سحرية ماخوذة بمعظمها من كتب مثل "تذكرة داوود"، وهي تستلزم بعض الأعشاب والجذور ذات الأسماء الغريبة، وكذلك حشرات وزواحف مجففة تأتي من أفريقيا وتباع عن تجار متخصصون.
يقول أحد التجار إن العطارة قديما كانت مهنة مثل الطب الآن أو الصيدلة، وكان العطار موضع تقدير من الجميع. لكن الدجالين الذين ملؤوا الفضائيات أصابوا سمعة تجارة العطارة كلها في مقتل بسبب ما يبيعونه للناس من أوهام.
السير في الزقاق الصغير يسلب لب السائر، فالرائحة الصاعدة من مطاحن التوابل والبهارات تجتذبُ العديد من السائحين الأجانب لرؤية هذا العالم الساحر. والتجّار هنا يعرفون كيف يستدرجون الزبائن لشراء منتجاتهم، وكثيراً ما ترى سائحاً وهو يضع كمامة خفيفة على أنفه ليخفف من الرائحة المنبعثة قليلاً. والمشهد المضحك فعلاً عندما يبدأ أحد المحال في تحميص وطحن الشطة الحريفة (الشطة السوداني)، عندها يبدأ السائحون في العدو والهرب وسط ضحكاتهم وضحكات مرافقيهم والتجار، إذ ينقلب المشهد إلى كوميديا حارقة ومسيلة للدموع.