في هذه الأثناء، لم تهدأ التكهنات حول احتمال وجود قادة آخرين قتلوا مع الصماد في الحديدة، أو وقوع خسائر لم يعلن عنها، كما لم يهدأ الجدل حول حجم خسارة الجماعة على صعيد المعركة العسكرية وتماسك صفها الداخلي.
وأكد سكُان لـ"العربي الجديد"، أن حادثة مقتل الصماد فرضت نفسها على مستوى تحركات مسؤولي الجماعة والمسؤولين الموالين لها في العاصمة اليمنية، وسط مراسم حداد شهدتها العديد من المساجد، التي أصبحت جميعها تقريباً تحت إشراف وإدارة الحوثيين، فيما ينتظر أن تُعلن جماعة الحوثيين عن موعد تشييع الصماد، الأمر الذي من المتوقع أن يكون مناسبة استعراضية لحشد أكبر عددٍ من المشاركين، في جنازة أرفع قيادي للحوثيين يقتل منذ بدء الحرب الأخيرة.
وبرزت ملامح الإرباك في صفوف الحوثيين على مختلف المستويات، ابتداءً من الإعلان عن مقتل الصماد بعد أربعة أيام من الغارة الجوية في محافظة الحديدة.
وحتى صباح أمس، الاثنين، كان الصماد لا يزال يتصدر الصفحة الأولى لصحيفة "الثورة" اليمنية الرسمية الخاضعة لسيطرة لجماعة، حيث تتحدث عنه الأخبار بوصفه حياً، وأنه يتفقد مواقع التصنيع العسكري، لتكشف الجماعة في وقتٍ لاحقٍ من اليوم ذاته، أن الأخير قد قُتل منذ أيام.
ملامح الإرباك ذاتها ظهرت على زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، خلال ظهوره في كلمة متلفزة مساء أمس الاثنين، نعى فيها الصماد، وكشف على غير عادة، تفاصيل الموقع الذي قُتل فيه، إذ حتى مع اعتراف الحوثيين بسقوط قتلى من قياداتهم، فهم في العادة لا يكشفون على وجه الدقة عن أماكن مقتلهم، حتى لا يبدو ذلك انتصاراً عسكرياً لـ"التحالف" الذي تقوده السعودية.
في الوقت ذاته، كان من المفترض، وفق بعض المحللين، أن تكون الجماعة قد رتبت، بعد أيام على مقتل الصماد، رداً عسكرياً يتناسب مع الخسارة الكبيرة التي تعرضت لها، إلا أن ذلك لم يحدث. أما توقيت إعلان مقتل الصماد، فقد جاء بعد المجزرة التي استهدفت حفل زفاف في محافظة حجة، غربي البلاد، ليخفت التركيز على المجزرة على الأقل.
وفي السياق ذاته، تباينت تفسيرات المحللين والسياسيين اليمنيين لتصرف الجماعة، وتوقيت إعلانها مقتل الصماد، بين من رأى أنها تعيش حالة ارتباك غير مسبوقة، بسبب خسارة من كان يتقلد منصب "رئيس الجمهورية" غير المعترف به، و"القائد الأعلى للقوات المسلحة"، كما كانت تصفه وسائل إعلام الجماعة، فيما رأى آخرون أن الطريقة التي خرج بها إعلان الحوثيين عن مقتله، هدفت إلى حشد تعاطف معهم بالدرجة الأولى، وليس توجيه رسائل قوة، على الرغم مما احتواه خطاب الحوثي من أن "الجريمة لن تمر دون عقاب". لكن الإعلان لم يترافق مع رسائل رد من شأنها أن ترفع من معنويات أنصار الجماعة، هو ما ضاعف من حالة الإرباك لديها.
إلى ذلك، ركزت العديد من النقاشات اليمنية طوال الـ48 ساعة الماضية، على جوانب أخرى متعلقة بتفاصيل مقتل الصماد، إذ ذهب البعض إلى ترجيح أن تكون خسارة الجماعة أكبر من شخص الصماد، وترجيح وجود قيادات حوثية أخرى قتلت معه، سواء من الصف العسكري، أو من المسؤولين في الحكومة غير المعترف بها في صنعاء، خصوصاً أن الصماد، وقبل استهداف سيارته، كان حاضراً في اجتماع للسلطة المحلية في الحديدة، مع وزراء ومسؤولين في الجماعة، فيما اكتفى الحوثيون بالقول إنه قتل إلى جانب ستة من مرافقيه.
جزء آخر من الجدل، توجه إلى فرضية وقوف تيار داخل الحوثيين، وتحديداً من المحسوبين على رئيس ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا" محمد علي الحوثي، وراء تصفية الصماد، باعتبار أن الأخير كان الوجه المعتدل الذي نال قبولاً لدى العديد من الشخصيات الاجتماعية والسياسية غير المنضوية في الجماعة بشكل رسمي، ودخل ذلك أيضاً من ضمن شائعات روجت لها صحف "التحالف" أخيراً، وتحدثت عن خلاف قوي بين تيار الصماد وتيار محمد علي الحوثي.
ومما يشار إليه في السياق، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، صرح أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة، بأن بلاده تعمل على تقسيم الحوثيين. واتجهت الأنظار بعد تصريحه للصماد، بوصفه شخصية محورية يمكن أن تلعب دوراً، غير أن كل الشكوك التي حاولت توجيه الاتهام للحوثيين، ضعيفة للغاية، على الأقل، بالنظر إلى الأدلة الواضحة التي توثق لحظة مقتله بثلاث غارات جوية، نشر التحالف تسجيلات جوية مصورة توثقها.
وبصورة إجمالية، فإن أغلب آراء المتابعين والسياسيين في اليمن اتفقت على أن مقتل الصماد يمثل ضربة موجعة جداً للحوثيين، وغير مسبوقة في تاريخ الجماعة خلال السنوات الأخيرة، وستكون لها تأثيرات كبيرة على معنويات الجماعة وتحالفاتها. إلا أنه في المقابل، يمكن للحوثيين امتصاص الصدمة وتجاوزها خلال الفترة المقبلة من خلال إعادة ترتيب صفوفهم، إذا ما توقفت الخسارة عند الصماد، وإذا ما لم تكن هناك مفاجآت أخرى لم يُعلن عنها بعد، تتعلق بخسارة قيادات أخرى للجماعة، على نحو خاص، ما ستكون له آثاره المباشرة على مسار الحرب، خلال الفترة المقبلة.