صحيح أن الإدارة الأميركية استطاعت التوافق مع تركيا في ما يخص المعركة على الأراضي العراقية، بالاعتماد على قوات البشمركة الكردية التابعة لرئيس رئيس إقليم كردستان العراق، حليف تركيا، مسعود البرزاني، بدل قوات "العمال الكردستاني" (الجناح العسكري لحزب الشعوب الديمقراطي)، إلّا أنّ معضلة التحالف الوثيق جداً بين واشنطن وأكراد رئيس "الاتحاد الديمقراطي"، صالح مسلم، وهو الحليف القريب جداً أيضاً من طهران وموسكو، يشكّل صداعاً كبيراً وحيرة لدى حكام أنقرة. وقامت واشنطن أخيراً بتغطية تحرّك قوات "سورية الديمقراطية" جنوباً، وسيطرتها على سد تشرين على نهر الفرات (شمال سورية)، بل والعبور إلى الضفة الأخرى، وبالتالي كسرت الخط الأحمر التركي.
وحاول المسؤولون الأتراك حفظ ماء وجوههم، عبر التأكيد على أنّ هذه القوات لم تنتقل الى غرب الفرات، وأنّ تلك التي عبرت إلى الضفة الأخرى، كانت بمعظمها قوات من العشائر العربية. وأشار المسؤولون أنفسهم، إلى أنّ الأمر لم يتجاوز مئات الأمتار على الضفة الأخرى. إلّا أنّ الرد جاء بسعي التحالف المذكور للسيطرة على مدينة أعزاز، إحدى أكبر وأهم المدن السورية المحاذية للحدود التركية. فضلاً عن ذلك، يدرك حكام أنقرة أن القوات العربية التي تتحدث عنها تركيا في صفوف "سورية الديمقراطية" ضعيفة للغاية وتعمل بقيادة "الاتحاد الديمقراطي" الذي يعمل بدوره بإشراف كامل من قبل كوادر "العمال الكردستاني" العسكرية، التي تمتلك وحدها إمكانية التواصل المباشر مع طائرات التحالف الدولي.
وعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التأكيد على أنّ أنقرة لا يمكنها القبول بتشكيل شريط كردي على حدودها الجنوبية، وأن ذلك خط أحمر، قائلاً: "لم تصلني أية معلومات عن قيام قوات الاتحاد الديمقراطي بعبور الفرات غرباً. وعندما يحصل شيء كهذا، سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة". وأضاف: "في البداية كان هدفنا تطهير جرابلس من داعش. أمّا السيطرة على أعزاز، فهي خطر بالنسبة لنا، ولا يمكننا مراقبة قوات الاتحاد الديمقراطي وهي تسيطر عليها. ويعني ذلك، تشكيل شريط كردي على حدودنا الجنوبية في شمال سورية، وهو أمر لا يمكن قبوله".
اقرأ أيضاً: القوات الكردية تتحدى تركيا وتعبر الفرات السوري
وفي ما يخص سدّ تشرين، قال الرئيس التركي إنّ "الإدارة الأميركية أكّدت أنّ الخطوة التي اتخذتها كانت تهدف لحماية السد من داعش، ولا أستطيع معرفة إنْ كان الهدف إفهامنا بأنها استخدمت قوات الاتحاد الديمقراطي البرية لذلك السبب". وتابع أردوغان: "أما نحن فقد أبلغناهم التالي: كما فعلنا في باقي المناطق، بالتعاون الذي حققناه في خط مارع حرجلة، نستطيع أن نفعل ذلك هناك مجدداً"، ما يعني توسيع المعركة مع "الكردستاني" من تركيا وشمال العراق إلى الأراضي السورية.
على المستوى الداخلي، لا تزال المعركة مع "الكردستاني" على أشدها، إذ استطاعت قوات الأمن التركية تحقيق تقدم كبير. ويبدو الرأي العام التركي جاهزاً لتقبّل أي تدخل عسكري ضد "الكردستاني" في الخارج، خصوصاً أنّ الأخير لم يحصل على الدعم الشعبي الذي توقّعه خلال المعارك الأخيرة.
أما على المستوى الخارجي، فقد تغيّرت الظروف منذ إعلان أنقرة عن خطّها الأحمر بعد سيطرة قوات "الاتحاد الديمقراطي" على مدينة تل أبيض في يونيو/ حزيران الماضي، ليحيط إمكانية تحقيق التهديدات التركية الكثير من علامات الاستفهام، وبالذات التدخل التركي المباشر، في ظل التوتر بين أنقرة وموسكو الذي أعقب إسقاط سلاح الجو التركي لطائرة روسية. وتلا هذه الحادثة تأهب روسي للرد، ترجمته أنقرة بتجنب مشاركة الطائرات التركية في أي ضربات جوية يقودها التحالف الدولي ضد "داعش"، لتبدو جملة أردوغان الأخيرة حول إمكانية تكرار التعاون مع الفصائل السورية المقاتلة في خط حرجلة مارع في أي مكان آخر، أكثر واقعية.
ولا يبدو أن واشنطن راغبة في التورط في الصراع السوري لصالح أي من الأطراف، إذ إنّ "داعش" لن يكون أحد أطراف المعركة حينها، وبالتالي لا مبرر لتغيير الاستراتيجية ومساندة أي من الطرفَين. لكن سيبقى شبح تدخل الطيران الروسي في المعركة لصالح قوات "الاتحاد الديمقراطي" ماثلاً بقوة، خصوصاً أنّ تعريف المجموعات الإرهابية بالنسبة لموسكو يشمل جميع قوات المعارضة باستثناء تلك المتحالفة مع النظام أو بشكل أكثر دقة تلك التي لم تخض ضد النظام أي معركة حقيقية بل وتحمي نقاط تواجده في القامشلي والحسكة (شمال شرق سورية)، وهي قوات "سورية الديمقراطية".
اقرأ أيضاً الدعم الأميركي للأكراد: نحو تشكيل قوات كردية لحماية المنطقة؟