ليست المرة الأولى التي يعقد فيها الحزب الحاكم، الذي يترأسه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، مؤتمره العام، وسط نزاعات داخلية عنيفة على شرعية القيادة وعلى طريقة الإعداد للمؤتمر، بعدما فشلت جميع المحاولات السابقة في احتواء الأزمة التي تعصف بالحزب.
يقف الأمين العام الحالي للحزب، عمار سعداني، المقرّب من محيط بوتفليقة وأنصاره في طرف، في حين يقف أنصار الأمين العام السابق، عبدالعزيز بلخادم، في الطرف المقابل.
وتتّجه الأنظار اليوم إلى القاعة البيضاوية في أعالي العاصمة الجزائرية، وسط مخاوف من احتمال أن تشهد مواجهة عنيفة بين الطرفين، في حال لم تتخذ السلطات الإجراءات الأمنية اللازمة. وفي السياق، علمت "العربي الجديد" أنّ بوتفليقة أسند مهمة تأمين أعمال المؤتمر إلى الأمن العسكري عوضاً عن الشرطة.
وفيما أنهت القيادة الحالية للحزب الحاكم، بقيادة سعداني، جميع ترتيباتها التنظيمية، وانتدبت خمسة آلاف شخص للمشاركة في المؤتمر، ووجّهت الدعوة إلى عدد كبير من قيادات أحزاب قومية وإسلامية ومحافظة من تونس والمغرب ومصر ودول أوروبية، أعلنت المجموعة المناوئة، والمحسوبة على وزير الدولة والأمين العام السابق عبدالعزيز بلخادم، تمسّكها بالموقف الرافض لعقد المؤتمر. ونفّذت اعتصامات احتجاجية أمام المقر المركزي للحزب، وهدّدت بمنع انعقاد المؤتمر بكل الطرق الممكنة. كذلك رفعت دعوى قضائية لدى المحكمة الإدارية للطعن في شرعية انعقاد المؤتمر.
وأصدر أعضاء اللجنة المركزية الرافضين للمؤتمر، بينهم شخصيات سياسية، بياناً طالبوا فيه بـ"إبطال الرخصة الممنوحة من طرف الإدارة لعقد المؤتمر" الذي وصفوه بـ"اللاشرعي".
ورأت المجموعة أنّ "الحزب الحاكم يجد نفسه في مفترق الطرق، وأنّ الأزمة التي يعيشها معقّدة ومتعددة الأوجه"، متهمة سعداني "بالسعي إلى السطو على الحزب وتكريس انقسام الحزب بصفة نهائية".
وحذّرت المجموعة من تداعيات هذا الانقسام، مشيرةً إلى أنها قد تفضي "إلى انعكاسات خطيرة، خصوصاً على صعيد سير مؤسسات الدولة داخل البرلمان وفي المجالس الشعبية الأخرى، إذ يحوز حزب جبهة التحرير الوطني أغلبية المقاعد".
اقرأ أيضاً: رسالة قيادات تاريخية في الحزب الحاكم تنتقد سياسات بوتفليقة
كثيرة هي المطامع التي تفرّق بين الكتلتين المتصارعتين في الحزب الحاكم، لكنهما تجتمعان على نقطة ارتكاز واحدة تتعلق باستجداء بوتفليقة، وممارسة أقصى ما يمكن من حالات التملق السياسي في هذا الظرف العصيب.
ففيما يزعم سعداني أنّه يسير بأوامر بوتفليقة، ويجتهد للدفاع عن برامجه وقراراته وتوجهاته السياسية، ويتهم مناوئيه بالعمل لصالح أطراف معارضة في الداخل وبخدمة أجندات خارجية، تجتهد الكتلة المعارضة لقيادة الحزب في تأكيد دعمها لبوتفليقة أيضاً. وجاء في بيانها الأخير أن "أعضاء اللجنة المركزية يلتقون برئيسهم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ويسعون إلى لفت انتباهه إلى الخطر الذي يتربص بحزبه، الذي ينتمي إليه منذ شبابه في السراء والضراء". وتابع البيان "ولهذا، فهو لن يقبل أن يسجل التاريخ، أنّ حزبه- والرئيس على قيد الحياة- عرف مصيراً مأساوياً مثل المصير الذي ينتظر الحزب لا محالة إن بقيت الأمور على حالها".
يذكر أنّ أكبر الهزّات التي شهدها الحزب كانت في عام 2003 عندما انقسم أفقياً وعمودياً، تزامناً مع حال الانقسام في مراكز القرار في السلطة قبيل الانتخابات الرئاسية التي جرت لاحقاً في أبريل/نيسان 2004، إذ أعلن رئيس الحكومة والأمين العام للحزب الحاكم حينها، علي بن فليس، اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية في مواجهة رئيسه عبدالعزيز بوتفليقة بدعم من جناحي الجيش والاستخبارات. يومها أدّى ذلك إلى انقسام في الحزب بين مؤيد لبن فليس، ومؤيد للرئيس بوتفليقة. واضطرت السلطة إلى سحب قيادة الحزب من بن فليس بواسطة قرار قضائي.
اقرأ أيضاً: تعديل حكومي بلا مفاجآت في الجزائر
ويعتقد المراقبون أنّ الأزمات الداخلية والصراعات العنيفة المتلاحقة التي وصلت حد استعمال العنف والمواجهات الدامية بين كوادر الحزب الحاكم، تمثّل تداعيات لأزمة مستمرة منذ عام 2003. إذ تكّرس الصراع نفسه في مؤتمر عام 2005، ثم في مؤتمر 2009، وفي كافة الاستحقاقات السياسية والانتخابية التي شهدها الحزب والبلاد.
واللافت أن الحلف الاحتكاري المالي الذي ظلّ يتربّص بالمشهد السياسي في الجزائر، وجد في حالة الفوضى الهيكلية والتنظيمية للحزب الفرصة، للتسلل إلى عمق قيادة الحزب الحاكم، ما تجسد من خلال نجاح عدد من رجال المال والأعمال في الوصول إلى مناصب قيادية في الحزب، كرئاسة المكتب التنفيذي والكتلة البرلمانية. وهو الأمر الذي زاد من تعميق الأزمة داخل الحزب، وأفرغه من المحتوى النضالي والسياسي، وأبعده عن قيمه السياسية ومشروعه الاجتماعي والاقتصادي الذي خطه بعد استقلال البلاد عام 1962.
اقرأ أيضاً: بوتفليقة يعيد ترتيب وزارة الشؤون الخارجية