09 نوفمبر 2024
الخليج وتركيا.. لتصحيح خلل التوازنات
في خضم المنازعة العراقية التركية بشأن المشاركة في معركة الموصل المرتقبة لتحرير المدينة من تنظيم داعش، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في حفل للسلطة القضائية، تم بثّه على الهواء، 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، "إن قضية الموصل يمكن أن تخلّ بالتوازنات الإقليمية في المنطقة". ولعلها المرة الأولى التي يتم فيها الحديث بشفافيةٍ عن هذه المسألة التي يستشعرها كثيرون. لكن، قلما يجهر أحد بها، ذلك أن محاربة "داعش"، وهي مسألة مطلوبة بإلحاح وواجبة الأداء، تُتخذ من الطرف الإيراني ثم الروسي ستاراً لإرساء واقع جديد في منطقتنا، يتم فيها تقاسم النفوذ المطلق بينهما. والنفوذ، هذه المرة، لا يتم تثبيته بقواعد عسكرية فقط، بل بالتغلغل في أحشاء المجتمعات والمناطق، وتصفية المعترضين وإبادة البيئة البشرية الاجتماعية لهم، كما تفعل طهران وموسكو في حلب، وهو ما حمل أطرافاً دولية على تسمية ذلك جرائم حرب، فيما صنفت الولايات المتحدة السلوك الروسي في مجلس الأمن "إرهاباً".
المجتمعات السنية هي المستهدفة بالحديد والنار جهاراً نهاراً، ومرة تلو مرة وبدون توقف، وبما يعزّز الصراع الطائفي، وهو ما أشار إليه الرئيس التركي، من دون أن يذكر المجتمعات السنية، ومن الواضح أن السعودية ودول الخليج وتركيا هي المستهدفة. والاعتراض الرسمي العراقي على المشاركة هو، كما بات يعلم القاصي والداني، إيراني. ذلك هو التوازن المختل، والذي زادته القيادة الروسية اختلالا، والتي تجازف بمناصبتها العداء لمليار مسلم (سني)، علاوةً على إثارة العداء في وجه الغرب. وإذا كانت الأوساط الإيرانية والروسية، ومن يشايعهم من أحزاب وتيارات طائفية في العراق ولبنان، ترتضي السلوك البربري لحل مشكلات سياسية داخلية، بهدم مدن كاملة واقتلاع البشر ودفنهم تحت الأنقاض، فإن العالم كله (باستثناء الصين وكوريا الشمالية وإسرائيل) لا يرتضون الجنوح إلى البربرية، وهي أعلى مراحل الإرهاب،
فيما تنظر دول المنطقة بتوجّس شديد إلى هذا الانفلات الذي لم يسبق أن شهده عالمنا منذ خمسينيات القرن الماضي. بهذا، يمثل الوجود التركي المحدود في كل من سورية والعراق محاولةً متأخرةً لتعديل الميزان، ولتذكير روسيا وإيران بأن المنطقة ليست خاليةً من الشر، ومن القدرات الدفاعية، علاوة على حماية المصالح التركية على الحدود مع سورية والعراق والتصدي ل "داعش" التي تثير المخاطر، وتستخدمها إيران وروسيا قناعاً، لتنفيذ سياستهما التوسعية (تفيد إحصائيات من مصادر متطابقة بأن 83% من النشاطات الروسية في سورية لا تتجه إلى استهداف داعش)، أما إيران ومليشياتها العراقية واللبنانية، فإنها تدّخر "داعش" لأطول وقت ممكن، من أجل مواصلة بروباغندا استهداف هذا التنظيم، فيما الحرب كلها، إيرانياً وروسياً، إضافة إلى النظام، تُخاض ضد المدنيين أولاً وثانياً وثالثاً، ثم ضد المعارضة الوطنية في سورية، وضد البيئة السنية في العراق، بكل مفردات هذه البيئة، بما فيها المساجد.
هذا الجموح الفالت من كل ضابط أخلاقي أو قانوني أو سياسي هو الذي يؤدي إلى الكارثة من جهة، وللإخلال بالتوازنات من جهة، ما يجعل الحاجة كبيرة (استراتيجية ومصيرية) إلى الدور التركي، وخصوصاً في غياب مصر، فتركيا هي القوة الإقليمية الأكبر التي تمد يد الصداقة والتعاون للشعوب العربية، وهي القوة الإسلامية الأهم التي تتاخم أوروبا، وتتمع بعضوية حلف الأطلسي. وتجمعها مصلحة مشتركة مع العالم العربي، في كبح الجموح الإيراني، والسعي إلى بناء علاقة متوازنة وموضوعية مع طهران. وهو ما حدا بدول الخليج العربي إلى تطوير العلاقات معها ضمن تعاون مفتوح وشامل وذي أفق استراتيجي. وقد جاء انعقاد الاجتماع التركي الخليجي على مستوى وزراء الخارجية في الرياض، 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في وقت شديد الحساسية، تعاني فيه الإدارة الأميركية من التخبط واضطراب الرؤية، وهو ما تتم قراءته روسياً على أنه عوارض مرض سياسي، يؤدي إلى الوهن وانحلال الإرادة، ويستحق أن تستغله موسكو وطهران، إلى أقصى حد، من أجل التصعيد، وحمل المجتمع الدولي على الإذعان لروسيا في كل ما يتعلق بالشأن السوري، بل إن لسان حال موسكو يكاد ينطق أن سورية باتت مستعمرةً روسية لإيران حصة فيها، وليس لأحدٍ في العالم أن يتدخّل في هذا الأمر، وخصوصاً الشعب السوري!
دفع هذا الجموح مسؤولين أتراكاً للتحذير من نشوب حرب عالمية جديدة، على خلفية التباين في المواقف بين روسيا وإيران من جهة، والغرب والعالم الإسلامي من جهة ثانية، إزاء الأزمات السورية واليمنية والعراقية، إضافة إلى تخوفات موسكو من تحصين دول قريبة منها بأسلحة متطورة من الولايات المتحدة وحلف الأطلسي. ومن اللافت في هذا المجال، أن صحيفة ديلي ميل البريطانية نقلت عن وسائل إعلام روسية إفادات من مسؤولين روس بارزين بأنهم تلقوا تحذيراتٍ من الكرملين للعمل وبسرعة على إعادة أقاربهم إلى روسيا، في وقتٍ تم فيه الكشف عن نقل موسكو صواريخ ذات قدرات نووية إلى الحدود مع بولندا. وفي هذه الأثناء، تسعى فرنسا وبريطانيا إلى فرض عقوباتٍ دولية جديدة على روسيا والنظام السوري، ما يدل على المنحى التصاعدي للتوتر القائم.
في هذه الأجواء، اكتسب الاجتماع الوزاري أهمية خاصة، كونه الأول من نوعه الذي يضم وزراء دول مجلس التعاون الست مع تركيا، ولأن التوافق ساده بشأن الرؤى السياسية العامة والأساسية، وتحديد المخاطر التي تهدّد المنطقة، كما اتفق الجانبان على تفعيل لجان مشتركة في ما لا يقل عن عشرين قطاعا حيوياً، الأمر الذي يشكّل نقلةً نوعيةً في العلاقات التركية الخليجية. وكانت تركيا قد قامت بمبادراتٍ لتطبيع علاقاتها مع موسكو، غير أن التحسّن في علاقات البلدين لم ينعكس إيجاباً على موقف البلدين من الملفات الملتهبة، وكل ما في الأمر أن الحملات الإعلامية توقفت بين الجانبين، وعمد مسؤولو البلدين إلى اعتماد نبرةٍ هادئةٍ تشي بالصداقة، وليس أكثر من ذلك.
وتصدر التحذيرات بحربٍ، أيضاً، المسؤولين العراقيين الذين يحذّرون بدورهم من حربٍ، إقليمية لا عالمية، على خلفية الخلاف إزاء التحضيرات لمعركة الموصل. فيما تشدّد تركيا على أن الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية هما الطرفان المؤهلان لخوض المعركة، وإن دخول الحشد الشعبي سيؤدي إلى مخاطر كارثية بحق سكان المدنية من أصول تركمانية وكذلك السكان السنة. كذلك الأمر فيما يتعلق بمشاركةٍ محتملةٍ لقوات حزب العمال الكردستاني. وهو ما لا تسمح به القوات التركية التي تتخذ من معسكر بعشيقة على بعد 12 كيلومترا فقط من الموصل. وقد جاء البيان التركي الخليجي ليزكّي الموقف التركي حيال هذه المسألة.
وعلى جبهة الأزمة اليمنية، تواصل إيران التصعيد بإرسال سفنها الحربية قبالة السواحل اليمنية، حيث وصلت، 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، سفينتان حربيتان إلى خليج عدن، حيث يسود التوتر بين سفن حربية وأميركية في مياه البحر الأحمر، وتؤيد موسكو، من طرفٍ خفيٍّ، التحرّكات الإيرانية، وكذلك مناورات تعطيل الحل السياسي في اليمن، أسوةً بما هو جارٍ في سورية على يد موسكو التي تعتبر أن إبادة الشعب السوري تحقق مصلحةً قومية لها.
تقدّمت دول الخليج العربية لتحصين أوضاعها أمام هذه المخاطر المتفاقمة. ولكن، ماذا عن بقية الدول العربية، وخصوصاً في المشرق؟
هذا الجموح الفالت من كل ضابط أخلاقي أو قانوني أو سياسي هو الذي يؤدي إلى الكارثة من جهة، وللإخلال بالتوازنات من جهة، ما يجعل الحاجة كبيرة (استراتيجية ومصيرية) إلى الدور التركي، وخصوصاً في غياب مصر، فتركيا هي القوة الإقليمية الأكبر التي تمد يد الصداقة والتعاون للشعوب العربية، وهي القوة الإسلامية الأهم التي تتاخم أوروبا، وتتمع بعضوية حلف الأطلسي. وتجمعها مصلحة مشتركة مع العالم العربي، في كبح الجموح الإيراني، والسعي إلى بناء علاقة متوازنة وموضوعية مع طهران. وهو ما حدا بدول الخليج العربي إلى تطوير العلاقات معها ضمن تعاون مفتوح وشامل وذي أفق استراتيجي. وقد جاء انعقاد الاجتماع التركي الخليجي على مستوى وزراء الخارجية في الرياض، 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في وقت شديد الحساسية، تعاني فيه الإدارة الأميركية من التخبط واضطراب الرؤية، وهو ما تتم قراءته روسياً على أنه عوارض مرض سياسي، يؤدي إلى الوهن وانحلال الإرادة، ويستحق أن تستغله موسكو وطهران، إلى أقصى حد، من أجل التصعيد، وحمل المجتمع الدولي على الإذعان لروسيا في كل ما يتعلق بالشأن السوري، بل إن لسان حال موسكو يكاد ينطق أن سورية باتت مستعمرةً روسية لإيران حصة فيها، وليس لأحدٍ في العالم أن يتدخّل في هذا الأمر، وخصوصاً الشعب السوري!
دفع هذا الجموح مسؤولين أتراكاً للتحذير من نشوب حرب عالمية جديدة، على خلفية التباين في المواقف بين روسيا وإيران من جهة، والغرب والعالم الإسلامي من جهة ثانية، إزاء الأزمات السورية واليمنية والعراقية، إضافة إلى تخوفات موسكو من تحصين دول قريبة منها بأسلحة متطورة من الولايات المتحدة وحلف الأطلسي. ومن اللافت في هذا المجال، أن صحيفة ديلي ميل البريطانية نقلت عن وسائل إعلام روسية إفادات من مسؤولين روس بارزين بأنهم تلقوا تحذيراتٍ من الكرملين للعمل وبسرعة على إعادة أقاربهم إلى روسيا، في وقتٍ تم فيه الكشف عن نقل موسكو صواريخ ذات قدرات نووية إلى الحدود مع بولندا. وفي هذه الأثناء، تسعى فرنسا وبريطانيا إلى فرض عقوباتٍ دولية جديدة على روسيا والنظام السوري، ما يدل على المنحى التصاعدي للتوتر القائم.
في هذه الأجواء، اكتسب الاجتماع الوزاري أهمية خاصة، كونه الأول من نوعه الذي يضم وزراء دول مجلس التعاون الست مع تركيا، ولأن التوافق ساده بشأن الرؤى السياسية العامة والأساسية، وتحديد المخاطر التي تهدّد المنطقة، كما اتفق الجانبان على تفعيل لجان مشتركة في ما لا يقل عن عشرين قطاعا حيوياً، الأمر الذي يشكّل نقلةً نوعيةً في العلاقات التركية الخليجية. وكانت تركيا قد قامت بمبادراتٍ لتطبيع علاقاتها مع موسكو، غير أن التحسّن في علاقات البلدين لم ينعكس إيجاباً على موقف البلدين من الملفات الملتهبة، وكل ما في الأمر أن الحملات الإعلامية توقفت بين الجانبين، وعمد مسؤولو البلدين إلى اعتماد نبرةٍ هادئةٍ تشي بالصداقة، وليس أكثر من ذلك.
وتصدر التحذيرات بحربٍ، أيضاً، المسؤولين العراقيين الذين يحذّرون بدورهم من حربٍ، إقليمية لا عالمية، على خلفية الخلاف إزاء التحضيرات لمعركة الموصل. فيما تشدّد تركيا على أن الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية هما الطرفان المؤهلان لخوض المعركة، وإن دخول الحشد الشعبي سيؤدي إلى مخاطر كارثية بحق سكان المدنية من أصول تركمانية وكذلك السكان السنة. كذلك الأمر فيما يتعلق بمشاركةٍ محتملةٍ لقوات حزب العمال الكردستاني. وهو ما لا تسمح به القوات التركية التي تتخذ من معسكر بعشيقة على بعد 12 كيلومترا فقط من الموصل. وقد جاء البيان التركي الخليجي ليزكّي الموقف التركي حيال هذه المسألة.
وعلى جبهة الأزمة اليمنية، تواصل إيران التصعيد بإرسال سفنها الحربية قبالة السواحل اليمنية، حيث وصلت، 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، سفينتان حربيتان إلى خليج عدن، حيث يسود التوتر بين سفن حربية وأميركية في مياه البحر الأحمر، وتؤيد موسكو، من طرفٍ خفيٍّ، التحرّكات الإيرانية، وكذلك مناورات تعطيل الحل السياسي في اليمن، أسوةً بما هو جارٍ في سورية على يد موسكو التي تعتبر أن إبادة الشعب السوري تحقق مصلحةً قومية لها.
تقدّمت دول الخليج العربية لتحصين أوضاعها أمام هذه المخاطر المتفاقمة. ولكن، ماذا عن بقية الدول العربية، وخصوصاً في المشرق؟