استمرَّ التنويع الاقتصادي باحتلال الصَّدارة في أجندات دول مجلس التعاون الخليجي على مدى العقود القليلة الماضية، ومن قبل أن تعرف أسعار النفط انخفاضاً حاداً في منتصف 2014، لكن يبدو أنّ هدف التنويع بقي مُجرَّد حبر يُزيِّن ورقات تلك الأجندات، لأنّ صادرات أغلب دول الخليج ما زالت تفتقر بشدّة للتنويع وترتكز بشكل كبير على النفط والغاز اللّذين يستمرَّان في تغذية الإنفاق على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية ودفع أجور القطاع العام، وكل مرّة ينخفض فيها النفط تعلو الأصوات المنادية بالتنويع الاقتصادي الذي أصبح ضرورة حتميّة لا مفرّ منها.
عملية التنويع الاقتصادي ليست بالمَهَمّة البسيطة وإنّما تتطلَّب الإتِّباع الصارم لمجموعة من التدابير تسبقها رغبة سياسية هائلة ببدء تلك العملية والاستمرار فيها رغم كل الصعاب، لكن للأسف ما يُلاحظ في أغلب دول الخليج هو غضّ البصر عن الإجراءات التقشفية والمبالغة في زيادة الأجور والإنفاق بمجرَّد ظهور بوادر انتعاش أسعار النفط والعكس صحيح.
وهذا ما يُؤكِّد عدم جدِّيّة هذه الدول بخصوص خطط التنويع الاقتصادي بالرغم من أنّ دولا كالبحرين والسعودية وسلطنة عمان كلّها بحاجة إلى أسعار نفط تفوق عتبة 80 دولارا للبرميل لكي تتوازن ميزانياتها، فالسعوديّة مثلا تُصارع للسيطرة على عجزها المالي منذ تهاوي أسعار النفط سنة 2014، فيما تُعاني البحرين من ارتفاع حادّ في دينها الخارجي، كما وصلت معدّلات بطالة الشباب إلى 49% تقريباً في سلطنة عُمان.
والأخطر من ذلك أنّ حكومات تلك الدول تعلم أنّ عدد الشباب المتنامي في المدى الطويل يتطلَّب إيجاد سُبُل جديدة لتنويع اقتصاداتها بدلاً من الاستمرار في خطط التنويع الحالية الفاشلة.
دلائل الفشل
تبَّنت بعض دول الخليج نموذجاً فاشلاً في التنويع الاقتصادي جعل من نموّها وصادراتها رهينة تقلُّبات أسعار النفط لعدّة عقود من الزمن، حيث بلغ مؤشر تنويع الصادرات في هذه الدول الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) والمُقَيَّم على سلّم من 0 (درجة عالية من التنويع الاقتصادي) إلى 1 (درجة منخفضة من التنويع) 0.618 في 2012 و0.597 في 2013 و0.604 في 2014 و0.625 في 2015 و0.628 في 2016.
وبالتالي ما يمكن استنتاجه من هذا المؤشر هو أنّ دول الخليج تبتعد كل سنة عن التنويع الاقتصادي وتتَّجِه نحو التركيز على النفط أكثر فأكثر وهي مُصِرَّة على هذا الاتجاه سواء في فترات ازدهار أو انهيار أسعار النفط، يعني أنّ تلك الدول لا تحرِّك ساكناً نحو تنويع اقتصاداتها وتعتمد بشكل أعمى على ثروة النفط غير المضمونة، وبدلاً من البدء في إصلاحات جذرية يتم إطلاق خطط يفوق طموحها القدرات الفعليّة لتلك الدول مما يجعلها مُجرَّد وهم.
وأكبر دليل على ذلك ما يحدث في السعودية التي تُعلن كل مرّة عن جهودها الجبّارة لتحقيق التنويع الاقتصادي، بينما الحقيقة مخالفة لذلك تماماً، فقد بلغ مؤشر تنويع صادراتها 0.744 في 2012 و0.757 في 2014 و0.775 في 2015 و0.78 في 2016، أي أنّها تبتعد كل سنة عن التنويع الاقتصادي أكثر فأكثر، وكلّ هذا نتيجة لافتقادها للرغبة السياسة الحقيقية في التنويع وانشغالها بتوزيع الريع على خطط تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق طموحاتها السياسية في المنطقة.
ورغم المستويات التي وصل لها سعر النفط مُؤخَّرًا والتي تسمح لقادة الدول النفطية بأخذ استراحة لالتقاط أنفاسهم، إلا أنّها تزيدهم تقاعساً وخمولاً بشأن مضاعفة جهود التنويع وإحداث إصلاحات هيكلية أكثر عمقاً من أجل ضمان استقلال ثروات دول الخليج في المدى الطويل عن ثروتي النفط والغاز، خاصة أنّ تلك الاستراحة مُهدَّدة بالانتهاء في أيّ لحظة عند انهيار سعر النفط والذي يضغط بدوره على منظمة أوبك لتمديد اتفاقية خفض الإنتاج، وهذا ما لا يصبّ في مصلحة ميزانيات دول الخليج وسيُعيدها مرّة أخرى إلى البحث عن السَّبيل لتحقيق التنويع الاقتصادي.
أهمّ العوائق
أوَّلاً، يقف ضعف القطاع الخاص كحجر عثرة في وجه عملية التنويع الاقتصادي في دول الخليج، والأدهى من ذلك أنّ القطاع الخاص مازال مُموَّلاً وبشكل كبير من الإيرادات النفطية، ولم تتمكَّن التغييرات الهيكلية لحدّ السَّاعة من خلق ظروف مواتية للقطاع الخاص والحدّ من مزاحمة القطاع العام والتدخُّل الحكومي.
كما لا يزال القطاع الخاصّ في هذه الدول مُعرقَلاً من قبل عدّة عوامل كنظام المحسوبية في خصخصة الشركات المملوكة للدولة، نقص التعليم والتدريب الذي يؤثِّر على الإنتاجية، ارتفاع تكلفة الاقتراض، ضعف الخدمات اللوجستية المقدمة للقطاع الخاصّ لاسيَّما في السعودية مقارنة مع الدول المجاورة لها، ضعف البيئة التشريعية، بُطء عملية تسوية المنازعات، قوانين مكافحة الاحتكار التي عفا عليها الزمن، وضعف الابتكار، لذلك تحتاج معظم دول الخليج إلى ضمان توافق سياساتها مع أهدافها المتعلقة بتعزيز نشاط القطاع الخاصّ.
ثانيا، تعتمد إستراتيجية التنويع بشكل كبير على آلية توزيع ريع النفط، ولم تُحرز معظم دول الخليج أيّ تقدم في تنويع اقتصاداتها بسبب استخدام ذلك الريع في تعزيز الأوضاع السياسية وتحقيق الطموحات والمصالح السياسية بدلاً من تسخيره لخدمة مُتطلَّبات التنويع، وبالتالي فإنّ فقدان الرغبة السياسية هو السبب وراء تعثُّر عمليّة التنويع الاقتصادي في دول الخليج.
وهكذا كلّما انخفضت أسعار النفط تعود أُسطوانة التنويع مرّة أخرى نظرا لليقين باستحالة استمرار نفوذ النخب السياسية في ظلّ الأسعار الزهيدة للنفط، لذلك ينبغي على قادة دول الخليج السير بشكل جدِّيّ وحازم في تنفيذ خطط شفَّافة لتحقيق التنويع الاقتصادي.
سُبُل تحقيق التنويع
لا يوجد وصفة تنويع اقتصادي مُوحَّدة تُناسب جميع دول الخليج، لكن هناك إجراءات مشتركة بإمكانها وضع هذه الدول في المسار الصحيح لتحقيق هذا التنويع كإبداء رغبة سياسية عالية في الالتزام بتنويع القطاعات غير النفطية.
- الارتقاء بالإدارة الإستراتيجية للمؤسسات المحلية إلى مستوى المعايير العالمية، فمازالت دول الخليج بحاجة إلى المزيد من الشركات المحلية التي تمكنها المنافسة على نطاق عالمي، تشجيع الصناعات الأكثر حيويّة، توليد التكنولوجيات المتقدِّمة والابتكار، وتوفير فرص عمل جديدة ذات أجور عالية.
- تعزيز استخدام التكنولوجيا الرقمية، الاستثمار في البنية التحتية الذكيّة، إتاحة البيانات الرئيسية للجمهور، ووضع الإطار القانوني والتنظيمي الملائم، لأن كل ذلك سيُمكِّن من خلق بيئة مواتية للابتكار.
- تطوير قوّة عاملة ماهرة يُمكن لها أن تتكيَّف مع مستقبل التكنولوجيا، حيث ينبغي على حكومات دول الخليج أن تعزِّز جهودها لإدماج المرأة والشباب في سوق العمل وتحفيز المواطنين للعمل في القطاع الخاص الذي يُهيمن عليه المغتربون حالياً من خلال العمل مثلا على سدّ الفجوة بين أجور القطاع العام والقطاع الخاص.
عملية التنويع الاقتصادي ليست بالمَهَمّة البسيطة وإنّما تتطلَّب الإتِّباع الصارم لمجموعة من التدابير تسبقها رغبة سياسية هائلة ببدء تلك العملية والاستمرار فيها رغم كل الصعاب، لكن للأسف ما يُلاحظ في أغلب دول الخليج هو غضّ البصر عن الإجراءات التقشفية والمبالغة في زيادة الأجور والإنفاق بمجرَّد ظهور بوادر انتعاش أسعار النفط والعكس صحيح.
وهذا ما يُؤكِّد عدم جدِّيّة هذه الدول بخصوص خطط التنويع الاقتصادي بالرغم من أنّ دولا كالبحرين والسعودية وسلطنة عمان كلّها بحاجة إلى أسعار نفط تفوق عتبة 80 دولارا للبرميل لكي تتوازن ميزانياتها، فالسعوديّة مثلا تُصارع للسيطرة على عجزها المالي منذ تهاوي أسعار النفط سنة 2014، فيما تُعاني البحرين من ارتفاع حادّ في دينها الخارجي، كما وصلت معدّلات بطالة الشباب إلى 49% تقريباً في سلطنة عُمان.
والأخطر من ذلك أنّ حكومات تلك الدول تعلم أنّ عدد الشباب المتنامي في المدى الطويل يتطلَّب إيجاد سُبُل جديدة لتنويع اقتصاداتها بدلاً من الاستمرار في خطط التنويع الحالية الفاشلة.
دلائل الفشل
تبَّنت بعض دول الخليج نموذجاً فاشلاً في التنويع الاقتصادي جعل من نموّها وصادراتها رهينة تقلُّبات أسعار النفط لعدّة عقود من الزمن، حيث بلغ مؤشر تنويع الصادرات في هذه الدول الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) والمُقَيَّم على سلّم من 0 (درجة عالية من التنويع الاقتصادي) إلى 1 (درجة منخفضة من التنويع) 0.618 في 2012 و0.597 في 2013 و0.604 في 2014 و0.625 في 2015 و0.628 في 2016.
وبالتالي ما يمكن استنتاجه من هذا المؤشر هو أنّ دول الخليج تبتعد كل سنة عن التنويع الاقتصادي وتتَّجِه نحو التركيز على النفط أكثر فأكثر وهي مُصِرَّة على هذا الاتجاه سواء في فترات ازدهار أو انهيار أسعار النفط، يعني أنّ تلك الدول لا تحرِّك ساكناً نحو تنويع اقتصاداتها وتعتمد بشكل أعمى على ثروة النفط غير المضمونة، وبدلاً من البدء في إصلاحات جذرية يتم إطلاق خطط يفوق طموحها القدرات الفعليّة لتلك الدول مما يجعلها مُجرَّد وهم.
وأكبر دليل على ذلك ما يحدث في السعودية التي تُعلن كل مرّة عن جهودها الجبّارة لتحقيق التنويع الاقتصادي، بينما الحقيقة مخالفة لذلك تماماً، فقد بلغ مؤشر تنويع صادراتها 0.744 في 2012 و0.757 في 2014 و0.775 في 2015 و0.78 في 2016، أي أنّها تبتعد كل سنة عن التنويع الاقتصادي أكثر فأكثر، وكلّ هذا نتيجة لافتقادها للرغبة السياسة الحقيقية في التنويع وانشغالها بتوزيع الريع على خطط تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق طموحاتها السياسية في المنطقة.
ورغم المستويات التي وصل لها سعر النفط مُؤخَّرًا والتي تسمح لقادة الدول النفطية بأخذ استراحة لالتقاط أنفاسهم، إلا أنّها تزيدهم تقاعساً وخمولاً بشأن مضاعفة جهود التنويع وإحداث إصلاحات هيكلية أكثر عمقاً من أجل ضمان استقلال ثروات دول الخليج في المدى الطويل عن ثروتي النفط والغاز، خاصة أنّ تلك الاستراحة مُهدَّدة بالانتهاء في أيّ لحظة عند انهيار سعر النفط والذي يضغط بدوره على منظمة أوبك لتمديد اتفاقية خفض الإنتاج، وهذا ما لا يصبّ في مصلحة ميزانيات دول الخليج وسيُعيدها مرّة أخرى إلى البحث عن السَّبيل لتحقيق التنويع الاقتصادي.
أهمّ العوائق
أوَّلاً، يقف ضعف القطاع الخاص كحجر عثرة في وجه عملية التنويع الاقتصادي في دول الخليج، والأدهى من ذلك أنّ القطاع الخاص مازال مُموَّلاً وبشكل كبير من الإيرادات النفطية، ولم تتمكَّن التغييرات الهيكلية لحدّ السَّاعة من خلق ظروف مواتية للقطاع الخاص والحدّ من مزاحمة القطاع العام والتدخُّل الحكومي.
كما لا يزال القطاع الخاصّ في هذه الدول مُعرقَلاً من قبل عدّة عوامل كنظام المحسوبية في خصخصة الشركات المملوكة للدولة، نقص التعليم والتدريب الذي يؤثِّر على الإنتاجية، ارتفاع تكلفة الاقتراض، ضعف الخدمات اللوجستية المقدمة للقطاع الخاصّ لاسيَّما في السعودية مقارنة مع الدول المجاورة لها، ضعف البيئة التشريعية، بُطء عملية تسوية المنازعات، قوانين مكافحة الاحتكار التي عفا عليها الزمن، وضعف الابتكار، لذلك تحتاج معظم دول الخليج إلى ضمان توافق سياساتها مع أهدافها المتعلقة بتعزيز نشاط القطاع الخاصّ.
ثانيا، تعتمد إستراتيجية التنويع بشكل كبير على آلية توزيع ريع النفط، ولم تُحرز معظم دول الخليج أيّ تقدم في تنويع اقتصاداتها بسبب استخدام ذلك الريع في تعزيز الأوضاع السياسية وتحقيق الطموحات والمصالح السياسية بدلاً من تسخيره لخدمة مُتطلَّبات التنويع، وبالتالي فإنّ فقدان الرغبة السياسية هو السبب وراء تعثُّر عمليّة التنويع الاقتصادي في دول الخليج.
وهكذا كلّما انخفضت أسعار النفط تعود أُسطوانة التنويع مرّة أخرى نظرا لليقين باستحالة استمرار نفوذ النخب السياسية في ظلّ الأسعار الزهيدة للنفط، لذلك ينبغي على قادة دول الخليج السير بشكل جدِّيّ وحازم في تنفيذ خطط شفَّافة لتحقيق التنويع الاقتصادي.
سُبُل تحقيق التنويع
لا يوجد وصفة تنويع اقتصادي مُوحَّدة تُناسب جميع دول الخليج، لكن هناك إجراءات مشتركة بإمكانها وضع هذه الدول في المسار الصحيح لتحقيق هذا التنويع كإبداء رغبة سياسية عالية في الالتزام بتنويع القطاعات غير النفطية.
- الارتقاء بالإدارة الإستراتيجية للمؤسسات المحلية إلى مستوى المعايير العالمية، فمازالت دول الخليج بحاجة إلى المزيد من الشركات المحلية التي تمكنها المنافسة على نطاق عالمي، تشجيع الصناعات الأكثر حيويّة، توليد التكنولوجيات المتقدِّمة والابتكار، وتوفير فرص عمل جديدة ذات أجور عالية.
- تعزيز استخدام التكنولوجيا الرقمية، الاستثمار في البنية التحتية الذكيّة، إتاحة البيانات الرئيسية للجمهور، ووضع الإطار القانوني والتنظيمي الملائم، لأن كل ذلك سيُمكِّن من خلق بيئة مواتية للابتكار.
- تطوير قوّة عاملة ماهرة يُمكن لها أن تتكيَّف مع مستقبل التكنولوجيا، حيث ينبغي على حكومات دول الخليج أن تعزِّز جهودها لإدماج المرأة والشباب في سوق العمل وتحفيز المواطنين للعمل في القطاع الخاص الذي يُهيمن عليه المغتربون حالياً من خلال العمل مثلا على سدّ الفجوة بين أجور القطاع العام والقطاع الخاص.