05 نوفمبر 2024
الخوف من "قراءة ثانية"
محمد طلبة رضوان
لا يتعلق الأمر بالتأييد، إنما بحجمه ونسبته، فليس من حقك في الأنظمة الفاشية أن تختلف مع النظام ومقرّراته بأية نسبة. التأييد مطلق. أي اختلاف، ولو كسر من الألف، معناه أنك عدو، تابع معي: ماذا فعل عبد الفتاح السيسي بالإعلاميين المؤيدين له، حين اختلفوا في تفاصيل هامشية، يلجأ إليها الإعلاميون ليوحوا للمشاهد أنهم ليسوا مؤيدين على طول الخط، فيقتنع بهم في السرديات الكبرى والحكايات الأهم، أي أنه خلافٌ محسوبٌ لصالح صاحب المحل، وعلى الرغم من ذلك لم يقبل "المعلّم" أن يتحوّل إلى "زبون".
الخلاف حول السياسات يوجب العزل، الخلاف حول الأجر الذي يتلقاه المخبر الإعلامي يستدعي لبس البيجامة، الخلاف غير المقصود، على طريقة عادل إمام ومحمد رمضان، يستدعي الرّكن على الرّف تأديبا وتعذيرا، حتى لا تتكرّر. هذا هو المعنى الحرفي للفاشية، والنظام مصطلح لا يختزل الأنظمة السياسية فحسب، فالقصيدة الموزونة نظام، الرواية إذا كتبها محترفٌ، وما أندرهم، نظام، الوسط الفني الذي تحرّكه خمس شركات إنتاج مملوكة للدولة أو ملحقاتها نظام، دولة المشايخ والوعاظ نظام، هذه الأنظمة تتأثر بالنظام السياسي، وتتشكل وفق طبيعته، والنظام الأصولي في منطقتنا لا يتخذ شكل الدولة وخطها ممالأة فحسب، إنما تشابكا في المصالح، فالدول الموجودة، وإن لم تكن إسلامية بالمعنى الذي يريده الإسلاميون، إن جاز أن لهم تنظيرة واضحة، لها معنى، لكنها في الأخير تأسست واستمرت حول أفكارٍ يتداخل فيها، ويرفعها، التصوّر الأصولي للدين بشكل رئيس، سواء على مستوى السياسة والإمامة وطاعة ولي الأمر، أو ما يوازيها من أدوات الضبط الاجتماعي، ومحاصرة المواطن بالسماء، كي لا يلتفت إلى الأرض، ولولا المؤسسة الدينية التي تحمي "التقليد" ما استمرت الدولة، ولولا الدولة ما كان أزهر ولا حوزة ولا زيتونة، فالمصلحة واحدة والنفع متبادل والخلافات في التفاصيل...
هنا، تأتي القراءة الثانية لتعبّر عن قيمة نضالية، قبل أن تكون توجها فكريا.. صوت آخر، ليس ضد النظام الديني، إنما ضد نظيره السياسي، وأيا كان حجم الخلاف بينهما فهما يتحدان ضد من يهدد وجودهما، بأي نسبة، وقد تختلف أساليب المعالجة للمشكل، فالدولة أذكى، قد تستقطب الضعاف من أصحاب القراءة الثانية، أو تخلق خطابا موازيا آخر يحمل بذور الدولتية بدوره، إلا أن الهدف بالأخير واحد: وهو القضاء على هذه القراءة ومحاصرتها وتشويهها قبل أن يستفحل أمرها وتصنع جماهيريتها المستحقة وتكشف عورات القراءة الأولى وتفكك أوهامها..
لم يكن غريبا، بعد انطلاق الحلقة الأولى من برنامج "قراءة ثانية" الذي يقدمه تلفزيون العربي، أن يكون رد الفعل لدى بعض المتطرفين، بهذا السعار الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية، لم يكن غريبا أن يعتبر بعض مشايخ تسييس الدين وتدجينه، وفق قراءة دولة ما قبل الربيع العربي، أن البرنامج تهديد لحصون إسلامهم ومحنة له، لم يكن غريبا أن حلقة عادية تتناول سؤالا مطروحا منذ بداية القرن الماضي تخلق حالة عصابية ومرَضية تصل إلى حد الادّعاء بأن البرنامج وشاشته ومقدّمه ومعدّه وضيوفه، وربما مشاهديه، جزء من مؤامرة لتمسيح الإسلام، من المسيحية وليس من التمساح، وأن أصابع ترامب تلعب في المنطقة، عبر برنامج تلفزيوني!
كل هذا الخوف بديهي وطبيعي، بضاعة تالفة، وأفكار بالية، وعلوم متحفية، ومنظومة أكل عليها الدهر وشرب، ولو نجح الربيع العربي في أي بلد، خاصة مصر، لسقطت دولة أفكارهم وحدها، من دون منافس من قراءة ثانية أو مؤسسات بديلة..
في اليوم التالي من انطلاق حملة التشويه المنظمة ضد تلفزيون العربي، انضم إلى المشهد المذيع المؤمن عمرو أديب، والسيد أحمد موسى، مخبر وإعلامي، ومقيم شعائر في المسجد الحرام، هاجموا القناة، واتهموها بالكفر. هكذا يكون الشغل، وهكذا التنسيق، وهكذا التوافق حول الأجندات الكبرى، وهكذا نراكم على حقيقتكم، وفي مكانكم الطبيعي،... هكذا سترحلون ولو بعد حين، وهكذا سنبقى، لو أذن الله، ولم يستبدلنا، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
الخلاف حول السياسات يوجب العزل، الخلاف حول الأجر الذي يتلقاه المخبر الإعلامي يستدعي لبس البيجامة، الخلاف غير المقصود، على طريقة عادل إمام ومحمد رمضان، يستدعي الرّكن على الرّف تأديبا وتعذيرا، حتى لا تتكرّر. هذا هو المعنى الحرفي للفاشية، والنظام مصطلح لا يختزل الأنظمة السياسية فحسب، فالقصيدة الموزونة نظام، الرواية إذا كتبها محترفٌ، وما أندرهم، نظام، الوسط الفني الذي تحرّكه خمس شركات إنتاج مملوكة للدولة أو ملحقاتها نظام، دولة المشايخ والوعاظ نظام، هذه الأنظمة تتأثر بالنظام السياسي، وتتشكل وفق طبيعته، والنظام الأصولي في منطقتنا لا يتخذ شكل الدولة وخطها ممالأة فحسب، إنما تشابكا في المصالح، فالدول الموجودة، وإن لم تكن إسلامية بالمعنى الذي يريده الإسلاميون، إن جاز أن لهم تنظيرة واضحة، لها معنى، لكنها في الأخير تأسست واستمرت حول أفكارٍ يتداخل فيها، ويرفعها، التصوّر الأصولي للدين بشكل رئيس، سواء على مستوى السياسة والإمامة وطاعة ولي الأمر، أو ما يوازيها من أدوات الضبط الاجتماعي، ومحاصرة المواطن بالسماء، كي لا يلتفت إلى الأرض، ولولا المؤسسة الدينية التي تحمي "التقليد" ما استمرت الدولة، ولولا الدولة ما كان أزهر ولا حوزة ولا زيتونة، فالمصلحة واحدة والنفع متبادل والخلافات في التفاصيل...
هنا، تأتي القراءة الثانية لتعبّر عن قيمة نضالية، قبل أن تكون توجها فكريا.. صوت آخر، ليس ضد النظام الديني، إنما ضد نظيره السياسي، وأيا كان حجم الخلاف بينهما فهما يتحدان ضد من يهدد وجودهما، بأي نسبة، وقد تختلف أساليب المعالجة للمشكل، فالدولة أذكى، قد تستقطب الضعاف من أصحاب القراءة الثانية، أو تخلق خطابا موازيا آخر يحمل بذور الدولتية بدوره، إلا أن الهدف بالأخير واحد: وهو القضاء على هذه القراءة ومحاصرتها وتشويهها قبل أن يستفحل أمرها وتصنع جماهيريتها المستحقة وتكشف عورات القراءة الأولى وتفكك أوهامها..
لم يكن غريبا، بعد انطلاق الحلقة الأولى من برنامج "قراءة ثانية" الذي يقدمه تلفزيون العربي، أن يكون رد الفعل لدى بعض المتطرفين، بهذا السعار الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية، لم يكن غريبا أن يعتبر بعض مشايخ تسييس الدين وتدجينه، وفق قراءة دولة ما قبل الربيع العربي، أن البرنامج تهديد لحصون إسلامهم ومحنة له، لم يكن غريبا أن حلقة عادية تتناول سؤالا مطروحا منذ بداية القرن الماضي تخلق حالة عصابية ومرَضية تصل إلى حد الادّعاء بأن البرنامج وشاشته ومقدّمه ومعدّه وضيوفه، وربما مشاهديه، جزء من مؤامرة لتمسيح الإسلام، من المسيحية وليس من التمساح، وأن أصابع ترامب تلعب في المنطقة، عبر برنامج تلفزيوني!
كل هذا الخوف بديهي وطبيعي، بضاعة تالفة، وأفكار بالية، وعلوم متحفية، ومنظومة أكل عليها الدهر وشرب، ولو نجح الربيع العربي في أي بلد، خاصة مصر، لسقطت دولة أفكارهم وحدها، من دون منافس من قراءة ثانية أو مؤسسات بديلة..
في اليوم التالي من انطلاق حملة التشويه المنظمة ضد تلفزيون العربي، انضم إلى المشهد المذيع المؤمن عمرو أديب، والسيد أحمد موسى، مخبر وإعلامي، ومقيم شعائر في المسجد الحرام، هاجموا القناة، واتهموها بالكفر. هكذا يكون الشغل، وهكذا التنسيق، وهكذا التوافق حول الأجندات الكبرى، وهكذا نراكم على حقيقتكم، وفي مكانكم الطبيعي،... هكذا سترحلون ولو بعد حين، وهكذا سنبقى، لو أذن الله، ولم يستبدلنا، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024