21 فبراير 2018
الخيار الثالث
ارتفعت حمّى الحملة الانتخابية في المغرب إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، بمناسبة ثاني انتخابات تشريعية ما بعد الربيع العربي في البلاد، وهذا من مؤشراتٍ ملموسةٍ على انفتاح اللعبة السياسية على مستوىً من المنافسة، لم يكن معهودا في الانتخابات السابقة على دستور المملكة الجديد، والذي أصبح يربط وجوباً تشكيل الحكومة بنتائج الاقتراع، ويعطي للجهاز التنفيذي سلطاتٍ مهمةً، على الرغم من استمرار الدولة العميقة في مقاومة التغيير النابع من الحركية السياسية والاجتماعية التي تفرزها مجمل التحولات العميقة التي يعيشها مجتمعٌ في طور التحوّل ديمغرافيا وسياسيا وثقافيا وإعلامياً...
في هذا الإطار، بعث مئة مثقف وحقوقي وإعلامي وناشط مدني رسالة إلى زعيمة "اليسار الجذري"، نبيلة منيب، يشجعونها على المضي في بناء خيارٍ ثالث بين حزبٍ محافظ، يسيطر على المجتمع ("العدالة والتنمية" الإسلامي المعتدل)، وحزب يدّعي الحداثة، ويسيطر على أجهزة الدولة (الأصالة والمعاصرة). وفي هذا النداء نقرأ (من حق أي مغربي أن يرفض فكرة وضعه بين المطرقة والسندان: أي بين الخط الذي يعتبر أن "الإصلاح" ممكن بدون رافعةٍ تنويريةٍ، وبمجاملة الفاسدين، وبين خط "الحداثة" المبتورة والسطحية التي تبرّر السلطوية بذريعة مواجهة خطر الأصولية. والخطان معا يقبلان التضحية بالديمقراطية مقابل مغانم ذاتية).
لا يمكن اختزال التعدّدية الحزبية في المغرب بين حزبين سياسيين، واحد يتمترس في القاعدة المحافظة للمجتمع، وآخر يختبئ خلف أدوات السلطة. هذه لعبة خطرة، وقد رأينا كيف خسرت الديمقراطية نقاطاً كثيرةً بسببها، بعد الحراك الشبابي قبل خمس سنوات، فحزب رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، تهاون في المطالب الديمقراطية، بدعوى كسب ثقة القصر والخوف من تداعيات الخريف العربي. وحاول حزب الأصالة والمعاصرة جرّ الصراع السياسي إلى الحقل الأيديولوجي والقيمي، بدعوى مقاومة (الأخونة) والدفاع عن الحريات الفردية.
يحتاج المغرب اليوم، أكثر من أي وقت، إلى حزب يساري كبير، مستقل في قراراته، وواضح في اختياراته، يعطي للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية عمقها السياسي، من خلال تحرير إرادة المجتمع والمقاولة والإدارة والبرلمان والحكومة والمجتمع المدني.. من ضغوط السلطوية ومن إكراهات الحذاء الخشبي الموضوع في رجل البلاد، لمنعها من التطور والنمو والنضج والخروج من الجلباب القديم.
لكن هذا اليسار مطالب بثلاث مهام مستعجلة، حتى يصبح خياراً سياسياً، وليس فقط انحيازاً فكرياً. لابد من الاهتمام بالتنظيم، والتقليل من التنظير والانشغال بالقضايا الإيديولوجية والفلسفية المعقدة ، فهذه مكانها في الحقل الفكري، وفي ورش البحث العلمي، وليس في مقرّات الأحزاب ووسط المناضلين في خلايا الحزبية، وثانياً، لابد من تجديد الخطاب السياسي لليسار، والانفتاح على القضايا الجديدة التي تهم الشباب والفئات الوسطى، والخروج من مأزق تمثيل "البروليتاريا"، أو الفئات الكادحة وحدها، فهذه الفئات مازالت بعيدةً عن "الوعي الطبقي"، وأصواتها وإرادتها تسرق بسهولة في الانتخابات والاستفتاءات العامة، وقد لا تستوعب خطاب اليسار في كل أبعاده في هذه المرحلة، على خلاف الطبقات الوسطى وفئات الشباب الأقرب إلى استيعاب المشروع اليساري، والتي يعرف المحافظون كيف يصلون إليها أفضل من الحداثيين. أما ثالث نقطة في برنامج إعادة تأهيل المشروع اليساري في المغرب، فهي البحث عن خريطة تحالفات واسعة من خارج المعسكر التقليدي لليسار، على قاعدة أولوية المعركة الديمقراطية على المعركة الإيديولوجية، فمهام المرحلة هي حماية تجربة الانفتاح الديمقراطي، وحراسة مكتسبات الربيع المغربي، وغرس الإصلاح عميقاً في التربة المغربية، حتى لا يبقى مهدّداً بالرياح العاتية، القادمة من الداخل والخارج. هذا هو استحقاق المرحلة، وهذا هو الطريق للخروج من السلطوية، من دون السقوط في الفوضى أو الحرب الأهلية.
في هذا الإطار، بعث مئة مثقف وحقوقي وإعلامي وناشط مدني رسالة إلى زعيمة "اليسار الجذري"، نبيلة منيب، يشجعونها على المضي في بناء خيارٍ ثالث بين حزبٍ محافظ، يسيطر على المجتمع ("العدالة والتنمية" الإسلامي المعتدل)، وحزب يدّعي الحداثة، ويسيطر على أجهزة الدولة (الأصالة والمعاصرة). وفي هذا النداء نقرأ (من حق أي مغربي أن يرفض فكرة وضعه بين المطرقة والسندان: أي بين الخط الذي يعتبر أن "الإصلاح" ممكن بدون رافعةٍ تنويريةٍ، وبمجاملة الفاسدين، وبين خط "الحداثة" المبتورة والسطحية التي تبرّر السلطوية بذريعة مواجهة خطر الأصولية. والخطان معا يقبلان التضحية بالديمقراطية مقابل مغانم ذاتية).
لا يمكن اختزال التعدّدية الحزبية في المغرب بين حزبين سياسيين، واحد يتمترس في القاعدة المحافظة للمجتمع، وآخر يختبئ خلف أدوات السلطة. هذه لعبة خطرة، وقد رأينا كيف خسرت الديمقراطية نقاطاً كثيرةً بسببها، بعد الحراك الشبابي قبل خمس سنوات، فحزب رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، تهاون في المطالب الديمقراطية، بدعوى كسب ثقة القصر والخوف من تداعيات الخريف العربي. وحاول حزب الأصالة والمعاصرة جرّ الصراع السياسي إلى الحقل الأيديولوجي والقيمي، بدعوى مقاومة (الأخونة) والدفاع عن الحريات الفردية.
يحتاج المغرب اليوم، أكثر من أي وقت، إلى حزب يساري كبير، مستقل في قراراته، وواضح في اختياراته، يعطي للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية عمقها السياسي، من خلال تحرير إرادة المجتمع والمقاولة والإدارة والبرلمان والحكومة والمجتمع المدني.. من ضغوط السلطوية ومن إكراهات الحذاء الخشبي الموضوع في رجل البلاد، لمنعها من التطور والنمو والنضج والخروج من الجلباب القديم.
لكن هذا اليسار مطالب بثلاث مهام مستعجلة، حتى يصبح خياراً سياسياً، وليس فقط انحيازاً فكرياً. لابد من الاهتمام بالتنظيم، والتقليل من التنظير والانشغال بالقضايا الإيديولوجية والفلسفية المعقدة ، فهذه مكانها في الحقل الفكري، وفي ورش البحث العلمي، وليس في مقرّات الأحزاب ووسط المناضلين في خلايا الحزبية، وثانياً، لابد من تجديد الخطاب السياسي لليسار، والانفتاح على القضايا الجديدة التي تهم الشباب والفئات الوسطى، والخروج من مأزق تمثيل "البروليتاريا"، أو الفئات الكادحة وحدها، فهذه الفئات مازالت بعيدةً عن "الوعي الطبقي"، وأصواتها وإرادتها تسرق بسهولة في الانتخابات والاستفتاءات العامة، وقد لا تستوعب خطاب اليسار في كل أبعاده في هذه المرحلة، على خلاف الطبقات الوسطى وفئات الشباب الأقرب إلى استيعاب المشروع اليساري، والتي يعرف المحافظون كيف يصلون إليها أفضل من الحداثيين. أما ثالث نقطة في برنامج إعادة تأهيل المشروع اليساري في المغرب، فهي البحث عن خريطة تحالفات واسعة من خارج المعسكر التقليدي لليسار، على قاعدة أولوية المعركة الديمقراطية على المعركة الإيديولوجية، فمهام المرحلة هي حماية تجربة الانفتاح الديمقراطي، وحراسة مكتسبات الربيع المغربي، وغرس الإصلاح عميقاً في التربة المغربية، حتى لا يبقى مهدّداً بالرياح العاتية، القادمة من الداخل والخارج. هذا هو استحقاق المرحلة، وهذا هو الطريق للخروج من السلطوية، من دون السقوط في الفوضى أو الحرب الأهلية.