الدراسة العلمية للأديان

12 مايو 2018
+ الخط -
يبدو أن ثورة العلوم الإنسانية القائمة على الفحص العلمي الدقيق كانت قد دقت أجراسها بفعالية منذ بداية القرن التاسع عشر، وحلّقت عاليا في القرن العشرين، وأصبح ينظر إلى الدين بوصفه نشاطا إنسانيا يمكن التعرف إليه علميا عن قرب، مثل بقية الحقول التي أنتجها الإنسان، فهل استطاع علم الأديان أن يقف على مرتكزات علمية ومنهجية، ويضمن لذاته موطئا في حقل العلوم الإنسانية جمعاء؟
كان ميلاد علم الأديان على يد ماكس مولر، إبان سنة 1868 على اعتبار أنه فرع داخل حظيرة العلوم الإنسانية المعني بدراسة الأديان، دراسة علمية، وفق مناهج البحث التي وفرتها العلوم الإنسانية. فهو يشبه علم الأنثروبولوجيا الذي يدرس بقايا الإنسان وثقافته، ويشبه كذلك علم الاقتصاد الذي يدرس حركة المال والأعمال.
صحيح أنه تواجهنا استحالة الوصول إلى معرفة أي دين أو جوهر الأديان مجتمعة، بسبب ما يلف الشعور الديني من غموض يتصل بالنفس وأعماقها من جهة. وبالنظر إلى الكون وأعماقه من جهة ثانية. لكن علم الاديان يحاول أن يقترب من الظاهرة الدينية ومحور الأديان بوسائل علمية وفكرية، لأجل الدراسة والتحليل. وكما أشار إلى ذلك عالم الأديان الهولندي، فان در ليو، إن ما هو موضوع في نظر الدين، يصبح هو المحمول في دراسة علم الأديان، والعلم يعجز عن الكلام عن الله، وكما ذهب كذلك ميشيل مسلان، من أن علم الاديان خاضع لتاريخ الأديان، ويقبع عند ملتقى مباحث شتى من تاريخ وظواهرية وعلم نفس وعلم الاجتماع، موظفا مناهجها وتصنيفاتها.
وهذا يعني أن علم الأديان في أحد معانيه علم دراسة علاقة الإنسان بالمقدس، وما ينتج عن ذلك من تراث شفهي أو مكتوب أو معمول، إذ يدرس العلم هذا التراث ويصل عبره إلى وصف وتفسير الشعور الديني.
جاء تأسيس علم الأديان في الربع الثالث من القرن التاسع عشر، على يد ماكس مولر الذي ينتمي إلى الحقل الألسني في هذا العلم، وتكمن أكبر مساهماته في التأسيس المبكر لعلم الأديان في وضع مصطلح علم الأديان في كتابه، المدخل إلى علم الأديان، بالإضافة إلى ورود ولف ومرسيا إلياد.
والحقيقة أنّ الدراسات الدينية لم تتحول إلى علم قائم بذاته إلا مع حلول القرن العشرين، فقد كانت هذه الدراسات مجرد نقد سطحي وعام للأديان في العصر القديم أو حتى في العصر الوسيط، تارة منحازة وغير موضوعية، وتارة أخرى تلفها النزعة الاعتقادية. وبذلك فهي لا تنتمي إلى علم الأديان بشيء.
علم الأديان باعتباره وصفة سحرية تحتوي على مجموعة من المقادير، منها الثيولوجيا، أو ما يسمى علم اللاهوت، وهو فرع متخصص بدراسة المعتقدات داخل دين ما، ثم الميثولوجيا أو ما يدعى بعلم الأساطير، بالإضافة إلى الليثورجيا أو علم دراسة الطقوس. وفي النهاية الإسكاتولوجيا، وكل ما يتعلق بالموت وعالم ما بعد الموت.
كل هذه التركيبة متفاعلة مع بعضها بعضا، وتشكل لنا المكونات الأساسية لعلم الأديان من أجل الدراسة العلمية والمنهجية للأديان. لكن السؤال الذي يفرضه سياق الكلام هنا: ما الحاجة إلى علم الأديان؟
نرى أن الحاجة الماسة تكمن في ثلاث نقاط محورية:
أولا، نقل دراسة الأديان من المسلمات القدسية التسليمية التي سادتها طوال الزمن الماضي إلى الفحص العلمي والدراسة الأكاديمية التي تواجهها مسلمات البحث العلمي في كل مجال. ثانيا، فهم الظاهرة الدينية داخل التاريخ والواقع، وليس خارجهما، واعتبار الأديان مترابطة التواتر والتشكل ولها سياق تاريخي. ثالثا، علم الأديان حيادي قدر الإمكان، ينبذ المواجهات الإيديولوجية التي تعتري بعض علمائه بسبب خلفياتهم الدينية أو العرقية أو الثقافية أو السياسية...
حل اللغز الديني لا يكون، ولن يكون، إلا من خلال علم الأديان، وإن فهم الأديان أو الظاهرة الدينية لا يمكن أن يكون من خلال الدين نفسه، أو من خلال الفلسفة، بل من خلال علم الأديان بكل مدارسه ومناهجه العلمية.
8B3675D1-ADC7-4864-96A4-70BE0DBA5A60
8B3675D1-ADC7-4864-96A4-70BE0DBA5A60
خالد بوفريوا (المغرب)
خالد بوفريوا (المغرب)