لم يكن خبر انسحاب الكاتب السوري، فؤاد حميرة، من فريق مسلسل "الهيبة 4"، ومحاولة شركة الإنتاج الإيحاء بأنَّ حميرة باقٍ إلى جانب "ورشة كتّاب"، إلا تأكيداً وإشارة قويَّة، بأنَّ عالم الدراما يعاني كثيراً من النزاعات بين المنتج والكاتب على الرؤية الكفيلة بتسويق أو نجاح المسلسل الذي يعملون عليه. لا يخلو عملٌ من أعمال السنوات الأخيرة، من تدخُّلات المنتجين، وتحويل مسار الرواية المُعدة للإنتاج التلفزيوني. وذلك بما يتناسب مع رؤية المنتجين أنفسهم، ولو جاءت هذه الرؤية بعيدةً عن الواقع، أو تصوُّر الكاتب الحقيقي لشخصيات الرواية وأحداثها.
وفي هذا السياق، أثارَ خبر خروج صاحب "غزلان في غابة الذئاب" و"الحصرم الشامي" جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي. في الوقت الذي نفى فيه حميرة، أن يكون قد انسحب أو أُقصِي عن كتابة الجزء الرابع من "الهيبة"، مُؤكّداً أنّه سيبقى المشرف العام على الكتّاب الذين سيتابعون العمل، بعد مغادرته بيروت وعودته إلى سورية.
ثمَّة اختلافٌ واضح في الرؤية التي تريدها وتفضَّلها شركات الإنتاج. ولا تقتصر هيمنة الإنتاج على شركة "الصبّاح" وحدها، بل تصل إلى معظم المنتجين في العالم العربي، والذين يفضَّلون أن تبقى الرواية مرتبطةً بسياقات التسويق والإثارة، حتى ولو جاءت على حساب قناعات ورؤية كاتب العمل.
لم يحمل الجزء الأخير من مسلسل "الهيبة" (وفي الحقيقة كلّ المسلسلات الخاصة بموسم دراما رمضان) أي جديدٍ في النص. حتى الأحداث التي تناقلها المخرج، باسم السلكا، وهو كاتب جزأين في المسلسل، بدت ضعيفة جداً، وافتقرت لأدنى معايير الترابط بين خيوط الرواية. واحتوى النص على بعض الحوارات التي كان بإمكانها إنقاذ العمل، وشدّ المشاهد. لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، وجرى إعدام العمل في فصول تعتمد على شهوة المعجبين بالسطحية، وليس على ميول المثقفين أو حتى الناس العاديين المهتمين برسم صورة جديدة وواقعية عن الدراما العربية. من جهة أخرى، لا شك أنَّ مسلسل "الهيبة" قد حرَّك السكون بين منتجي الدراما العربية، وبين بعض الفضائيات التي اشترت حقوق عرضه حصريًأ على محطاتها، إذْ حقَّق العمل مزيداً من المداخيل والأرباح لصالح الطرفين.
ولا يختلف حال الدراما العربية المشتركة عن أحوال باقي الأعمال الدرامية القُطريّة، أي تلك التي تحمل جنسية واحدة، مثل الدراما اللبنانية، والتي رغم تفوقها في داخل لبنان، إلا أنّها تبقى أسيرة المحلية من ناحية المشاهدة والمتابعة. طبعاً، مع الأخذ بعين الاعتبار المحاولات التي يقوم بها المنتجون اللبنانيون لإنجاح الأعمال الدرامية التي صارت تقوى وتنضجُ عامًا بعد عام، وتبلغ عادةً ذروة نجاحها في الموسم الرمضاني.
في لبنان، المعاناة لا تقلُّ عن أزمة النص العربي عموماً، على الرغم من حماسة شركات الإنتاج. لكن فقدان النص السليم، وأصحاب الموهبة الحقيقية، غيَّب الإنتاج المحلي اللبناني من الساحة العربيَّة. إذْ بلغ عدد مسلسلات الكاتبة كلوديا مرشليان السنة الماضية حوالي 9 مسلسلات قدمتها في عام واحد. وانتقدت جميعها بسبب الحبكة والحوار التي لم تنسجم مع روحية العمل وأسلوبه.