أعلنت رئيسة حكومة يسار الوسط الدنماركية، زعيمة الحزب الاجتماعي الديمقراطي، ميتا فريدركسن، أنّ بلادها "ستبقي على الختان، فقد وعدنا بالحفاظ على يهود الدنمارك". وأيّد إعلان فريدركسن ساسة يمين الوسط المعارض، حزب فينسترا، برفضهم منع ختان الصبية، بعد اقتراحات متواصلة خلال الأسابيع الماضية، صبّت معظمها حول ختان المسلمين، ولم يكن اليهود في الصورة بتاتاً، رغم توقعات البعض أنه في نهاية المطاف، ستكون لهم الكلمة الفاصلة في الموضوع.
النقاشات السابقة حول منع الختان ركّزت على ضرورة تشريع قانون يمنعه حتى بلوغ الذكر ثمانية عشر عاما، وركّزت وسائل الإعلام الدنماركية في تناول الموضوع على شهادات شبّان من أصل مسلم يؤيّدون منع الختان، إلى أن حُسم الموضوع مساء الخميس بتدخل فريدركسن، الذي أثار عاصفة من الانتقادات بسبب استحضارها "مصير اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، يجعلنا نقف ضدّ منع الختان". بل ومضت فريدركسن، في حديثها المبرّر باسم اليهود في الدنمارك وما اقترفته النازية بحقهم، إلى اعتبار أنّ منع ختان الصبية اليهود "، وهو من طقوسهم، سيجعل حياة يهود الدنمارك مستحيلة في البلد، وسيكون من غير القانوني منع الختان، فقد تعرّض اليهود في التاريخ الأوروبي لكراهية، والأمر لا يتعلق الآن بقطعة جلد، بل بفصل مظلم لمئات السنوات اضطهد فيه اليهود في القارة الأوروبية".
وشدّدت فريدركسن على أنها "شخصياً لست معجبة بالختان، وكمسيحية يصعب علي فهم هذا الطقس، إلاّ أنه يتعيّن علينا فهم أنّ اضطهاد اليهود (في أوروبا سابقاً) ومنع الطقس، سيجعلهم يرون صعوبة في أن يكونوا جزءاً من المجتمع الدنماركي"، وفقاً لما نقل عنها التلفزيون الدنماركي "دي آر1".
وكان النقاش، في مختلف الاتجاهات السياسية، يخشى من أن "تصبح الدنمارك البلد الأول في العالم الذي يمنع الختان"، وهي خشية دفعت بأحزاب عدة إلى غموض في المواقف طيلة الأسابيع الماضية، حتى أعلن زعيم حزب "فينسترا" (الليبرالي)، يكوب إلمان ينسن، عن معارضته منع ختان الصبية بسبب اليهود. مع التذكير أنّ أحزاب اليسار واليمين المتشدّد كانت مع المنع، إلى أن حسم أكبر حزبين، الاجتماعي الديمقراطي الحاكم، و"فينسترا" الليبرالي المعارض (الذي حكم برئاسة لارس لوكا راسموسن حتى 2019).
وكان زعيم الطائفة اليهودية (نحو 6 آلاف يهودي)، هنري غولدشتاين، تدخّل في النقاش المحتدم، معتبراً أنّ منع الختان "سيكون أكبر مشكلة تواجهها الطائفة اليهودية في الدنمارك، منذ الحرب العالمية الثانية، عندما كان علينا الهروب إلى السويد".
فريدركسن التي يطلق عليها، بسبب وعودها الانتخابية في 2019، "رئيسة وزراء الأطفال"، لتصريحاتها العديدة عن حقوق الصغار، وجدت نفسها وسط عاصفة من الانتقادات الشخصية لها، باعتبارها تراجعت عن وعودها. بل إنّ السجال الذي خلقه هذا الموقف، الذي قالت فيه صراحة أنّ معارضتها منع الختان هو "لحماية يهود الدنمارك"، أثار استغراباً في الشارع الدنماركي وعلى وسائل التواصل، حتى صار "الختان" الترند الدنماركي الأول يوم أمس الخميس، والثالث اليوم الجمعة، بعنوان دنماركي (#omskæring). بعض الصحافيين، ومن بينهم كريستيان مورتنسن، (مراسل مؤسسة "بيرلنغكسا" و"تي في 2" في واشنطن)، عقّب على موقف فريدركسن بشكل ساخر على صفحته الرسمية على تويتر وكتب: "يجب أن نحمي التقاليد التاريخية للمسلمين واليهود، تقول ميتا فريدركسن.. أوه.. هي لم تذكر المسلمين بتاتا، أم أن شيئاً سقط سهواً من كلامها"؟
بعض السياسيين السابقين من مسلمي الدنمارك رحّبوا بوقف منع الختان، مثل أوزليم تشيكيش، ذات الأصول التركية-الكردية، التي خاضت نقاشات حول المنع أيضا.
والملفت في السجالات التي خلقها موقف رئيسة الحكومة، فريدركسن، ذهاب معلّقين كثر إلى التعبير عن الاستهجان من "ركوع" و"انصياع" فريدركسن للوبيات اليهودية في أميركا، كما ذهب بيتر سكافته. وعلى الصفحة الرسمية للتلفزيون الدنماركي، الذي نقل ما قالته فريدركسن، صبّ كثيرون جام غضبهم على رئيسة حكومتهم، ونعتها بعضهم بأنها مثيرة للاشمئزاز وحرّفوا اسمها إلى "ميتا مشوّهة الأطفال"، كما كتب مارتن مادسن، معتبراً أنّ "كل صوت للاجتماعي الديمقراطي هو تصويت لتشويه الأطفال".
واعتبر سورن نورسكو بيدرسن أنّ ما جرى هو "محاولة لتجنب مواجهة الناخبين، وهو ما لا يرغبه الساسة الذين يمارسون بلطجية وتنمّرا بحق المسلمين، ببساطة هذه سياسة منحطة".
وراح آخرون، مؤيّدون لترامب في الدنمارك، يطالبون بـ"حظر الختان للمسلمين والسماح به لليهود". وهاجم مغرّدون "استخدام حجّة (بطاقة) النازية من فريدركسن (في حديثها عمّا تعرّض له يهود أوروبا).. كم هو سيء لليهود إذا لم يتمكنوا من قطع لحم أطفالهم.. فأيّ نوع من ردود الفعل السياسية المقرفة تزكي تقاليد القرون الوسطى؟"، بحسب ما سجّل الصحافي مارتن لوتز.
وشملت ردود الأفعال المستهجنة تساؤلات حول "لماذا لم يسأل التلفزيون الدنماركي فريدركسن عن المسلمين؟ ألا يجب أن يؤخذوا بالاعتبار كاليهود؟"، كما سأل راحيل محمود وغيره من مغرّدين دنماركيين، أجاب بعضهم بنفسه "إنها تهمة معاداة السامية.. بيد أنه من الطبيعي ملاحقة المسلمين.. إنه الجنون بعينه"، كما ذكر. ولم يتردّد البعض في فتح جبهة معادية ليهود الدنمارك معتبراً أن "من لا يستطيع العيش وفق قوانين الدنمارك فليرحل عنها.. كفى نفاقاً سياسياً"، كما غرّد الصحافي السابق أولا راسموسن.
ولم يخل الأمر من مقارنات صباح الجمعة بين ما أطلق عليه البعض "رضوخاً ثانياً لليهود" و"استهداف مسلمي الدنمارك من دون تردد". وقارن هؤلاء بين الناخبين المسلمين من حيث العدد، نحو 350 ألف مسلم في الدنمارك، وحوالي 6 آلاف يهودي دنماركي "يملكون نفوذاً ضاغطاً".
ويجدر بالذكر أنّ شخصيات يهودية دنماركية ساندت مسلمي البلد، قبل سنوات، حين طرح قانون "منع اللحوم الحلال" و"حظر الحجاب"، ورضخت حكومة يمين الوسط السابقة لتدخل الطائفة اليهودية وسحبت تشريعاً بمنع اللحوم الحلال، كما جرى، أمس الخميس، وضع حد لنقاش حظر ختان الصبية، أيضا بتدخل يهودي-دنماركي.