04 نوفمبر 2014
الدولة في خدمة الجيش ... الجيش يخدم القائد
يمكن القول إن أنظمة عربية كثيرة عوّلت على جيوشها في بناء العقيدة الوطنية لمواطنيها، وخصوصاً في ظل ضعف الهويات القُطرية التي تم اصطناعها، وافتقاد الشرعية الديمقراطية لهذه الأنظمة. الجيش هو المؤسسة الأضخم والأكثر تنظيماً في أقطار عربية كثيرة، وهو المؤسسة التي تلتحق بها عناصر من مختلف أنحاء الوطن، لتحقيق هدف واحد. كان وجود الجيش في الأقطار العربية هو الذي يعطي الأنظمة العربية الشعور بأنها قادرة على أن تسوس مواطنيها كما تريد، وكأن أفراد الجيش هم العينة المثالية من مجتمع المواطنين، وكأن الجيش/ المؤسسة هو الوطن الصغير. علاقة الجيش بالدولة واندماجه بها وانفصاله عنها وأدواره داخلها وخارجها باتجاهها قد تُخبر بالكثير عن التشكيل الحديث للمنطقة العربية.
تابعت التلفزيون المصري أخيراً، وكان يعرض إعلاناً تجارياً يتيح لك أن تجعل الأوبريت الغنائي الشهير "تسلم الأيادي" نغمةً لهاتفك المحمول. أي بمجرد أن يتصل بك أحدهم، ستسمع كلاماً عظيماً عن جيش عظيم، وكأن الجيش المصري يريد أن يتمدد إلى أقرب الأجهزة للمواطنين المصريين، في مختلف المحافظات. يحدث في مصر أن يعمل الجيش على نشر دعاية له بين مواطنيه. الجيش يتحول حزباً سياسياً. وهذه الدعاية له تحمل ضمناً دعاية ضد خصومه، بغض النظر عمن هم الخصوم، فهو، أي الجيش، وبحسب "الأوبريت" فعل كل شيء من أجل الوطن، فكيف تتم معارضته داخل الوطن. وإذا ما طبقنا المقولة الشهيرة عن البنية الأبوية "البطريركية" للمجتمعات العربية، فإن الجيش هو الأب الذي يجب أن تبقى له كل مراسيم التبجيل والولاء، مهما بدر منه، إنه الأب الذي ننتسب إليه جميعاً.
أما أوبريت "تسلم الأيادي" الذي ذاع صيته عربياً، وبُثَّ بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على الديمقراطية المصرية الوليدة، فإنه، في نسخته الأصلية، يُظهر القائد السيسي بطل مصر الأول، والذي أنقذها من الخطر الذي كان يُحدق بها. تشعر بأن الأوبريت كُتب له خصيصاً. لم يكن هذا الخطر المحدق بالوطن غزواً خارجياً، بل كان نتيجة أول انتخابات رئاسية مصرية، بعد ثورة 25 يناير. كانت تعريفات "الخطر المحدق بالوطن" في الدولة المصرية هي تعريفات العسكر لهذا الخطر، وكان العسكر يرون في رئيس مدني منتخب ديمقراطياً خطراً يُحدق بالوطن، أو بالمؤسسة العسكرية، ربما لا فرق لديهم بينهما. أي رئيس غير عسكري للجمهورية يُبقي هذه المؤسسة في توتر، ويُشعرها بضمور دورها التاريخي وتلاشي امتيازاتها. كان حشد 30 يونيو/حزيران 2013 الثغرة الشعبية التي نفذ منها انقلاب العسكر، وكان أعداء الربيع العربي سنده الكبير.
ثم يأتي سؤال، هنا، عن سلوك الجيش المصري خارج الدولة المصرية، هل هذه الدولة سقفه؟ هل هو مجرد أحد مؤسساتها؟
مثل هذا السؤال يمكن أن ننفذ إلى النقاش بشأنه عبر معاهدة كامب ديفيد التي أبرمها أنور السادات مع إسرائيل. فمصر الدولة والجيش خرجت من عداوة طرفٍ، يعاديه الشعب المصري والعرب، ويُشكل خطراً حقيقياً على الشعب المصري والعرب، أعني إسرائيل. أصبح لهما تعريف منفصل للعداوة والصداقة، وهل كانت السياسة إلا تعريف من هو العدو ومن هو الصديق، وكأن الجيش المصري يسلك طريقاً مستقلاً في خياراته السياسية. وعندما استعاد الشعب المصري السيادة على هذه الدولة في ثورة 25 يناير، أعاد العسكرُ المصري (مصرَ/ الدولة) إلى تعريفات العدو والصديق الخاصة به. بالإضافة إلى هذا، إن جزءاً من المساعدة الاقتصادية لمصر يُخصص للجيش، أي أنه لا يمر عبر الدولة، لتكون الدولة المصرية، بعد ذلك، حرة في تقسيمه على مؤسساتها، حسب خططها ومشاريعها، بل يذهب مباشرة لهذا الجيش. في الواقع، تذهب المساعدة الأميركية إلى جهتين في مصر: الدولة المصرية والجيش المصري.
في التلفزيون نفسه الذي كان يبث "تسلم الأيادي"، كان الموجز الإخباري يذكر أن القوات المسلحة المصرية ستوفر 182000 عنصراً لحراسة العملية الانتخابية من أي عمليات إرهاب محتملة، الإرهاب الذي يخوض الجيش معه حرباً ومواجهات متقطعة دون العدو في سيناء، داخل حدود الوطن. ويذكر الموجز الإخباري للقناة المصرية، أيضاً، أن طيران الجيش سيتكفل بنقل 1100 قاض مصري إلى الأماكن النائية في البلاد، ليشرفوا على العملية الانتخابية فيها. وكأن الجيش كلما ابتعد عن حدود الوطن اقترب من صندوق اقتراع الرئاسة. والانتخابات الرئاسية، في تقديري، ستبدو حدثاً هامشياً عند مثل هذا الاستعراض العسكري.
بعد "25 يناير"، تأكد أن الجيش المصري ليس أحد مؤسسات الدولة المصرية، بل إن كل مؤسسات هذه الدولة، حتى الدينية، مجيرة لصالحه، ولتبرير كل أدواره وترسيخ جميع امتيازاته. وتأكد، أيضاً، أن هذا الجيش لا يستطيع أن يبقى هادئاً، إذا لم يعرف رأس الدولة المصرية بزة هذا الجيش.
تابعت التلفزيون المصري أخيراً، وكان يعرض إعلاناً تجارياً يتيح لك أن تجعل الأوبريت الغنائي الشهير "تسلم الأيادي" نغمةً لهاتفك المحمول. أي بمجرد أن يتصل بك أحدهم، ستسمع كلاماً عظيماً عن جيش عظيم، وكأن الجيش المصري يريد أن يتمدد إلى أقرب الأجهزة للمواطنين المصريين، في مختلف المحافظات. يحدث في مصر أن يعمل الجيش على نشر دعاية له بين مواطنيه. الجيش يتحول حزباً سياسياً. وهذه الدعاية له تحمل ضمناً دعاية ضد خصومه، بغض النظر عمن هم الخصوم، فهو، أي الجيش، وبحسب "الأوبريت" فعل كل شيء من أجل الوطن، فكيف تتم معارضته داخل الوطن. وإذا ما طبقنا المقولة الشهيرة عن البنية الأبوية "البطريركية" للمجتمعات العربية، فإن الجيش هو الأب الذي يجب أن تبقى له كل مراسيم التبجيل والولاء، مهما بدر منه، إنه الأب الذي ننتسب إليه جميعاً.
أما أوبريت "تسلم الأيادي" الذي ذاع صيته عربياً، وبُثَّ بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على الديمقراطية المصرية الوليدة، فإنه، في نسخته الأصلية، يُظهر القائد السيسي بطل مصر الأول، والذي أنقذها من الخطر الذي كان يُحدق بها. تشعر بأن الأوبريت كُتب له خصيصاً. لم يكن هذا الخطر المحدق بالوطن غزواً خارجياً، بل كان نتيجة أول انتخابات رئاسية مصرية، بعد ثورة 25 يناير. كانت تعريفات "الخطر المحدق بالوطن" في الدولة المصرية هي تعريفات العسكر لهذا الخطر، وكان العسكر يرون في رئيس مدني منتخب ديمقراطياً خطراً يُحدق بالوطن، أو بالمؤسسة العسكرية، ربما لا فرق لديهم بينهما. أي رئيس غير عسكري للجمهورية يُبقي هذه المؤسسة في توتر، ويُشعرها بضمور دورها التاريخي وتلاشي امتيازاتها. كان حشد 30 يونيو/حزيران 2013 الثغرة الشعبية التي نفذ منها انقلاب العسكر، وكان أعداء الربيع العربي سنده الكبير.
ثم يأتي سؤال، هنا، عن سلوك الجيش المصري خارج الدولة المصرية، هل هذه الدولة سقفه؟ هل هو مجرد أحد مؤسساتها؟
مثل هذا السؤال يمكن أن ننفذ إلى النقاش بشأنه عبر معاهدة كامب ديفيد التي أبرمها أنور السادات مع إسرائيل. فمصر الدولة والجيش خرجت من عداوة طرفٍ، يعاديه الشعب المصري والعرب، ويُشكل خطراً حقيقياً على الشعب المصري والعرب، أعني إسرائيل. أصبح لهما تعريف منفصل للعداوة والصداقة، وهل كانت السياسة إلا تعريف من هو العدو ومن هو الصديق، وكأن الجيش المصري يسلك طريقاً مستقلاً في خياراته السياسية. وعندما استعاد الشعب المصري السيادة على هذه الدولة في ثورة 25 يناير، أعاد العسكرُ المصري (مصرَ/ الدولة) إلى تعريفات العدو والصديق الخاصة به. بالإضافة إلى هذا، إن جزءاً من المساعدة الاقتصادية لمصر يُخصص للجيش، أي أنه لا يمر عبر الدولة، لتكون الدولة المصرية، بعد ذلك، حرة في تقسيمه على مؤسساتها، حسب خططها ومشاريعها، بل يذهب مباشرة لهذا الجيش. في الواقع، تذهب المساعدة الأميركية إلى جهتين في مصر: الدولة المصرية والجيش المصري.
في التلفزيون نفسه الذي كان يبث "تسلم الأيادي"، كان الموجز الإخباري يذكر أن القوات المسلحة المصرية ستوفر 182000 عنصراً لحراسة العملية الانتخابية من أي عمليات إرهاب محتملة، الإرهاب الذي يخوض الجيش معه حرباً ومواجهات متقطعة دون العدو في سيناء، داخل حدود الوطن. ويذكر الموجز الإخباري للقناة المصرية، أيضاً، أن طيران الجيش سيتكفل بنقل 1100 قاض مصري إلى الأماكن النائية في البلاد، ليشرفوا على العملية الانتخابية فيها. وكأن الجيش كلما ابتعد عن حدود الوطن اقترب من صندوق اقتراع الرئاسة. والانتخابات الرئاسية، في تقديري، ستبدو حدثاً هامشياً عند مثل هذا الاستعراض العسكري.
بعد "25 يناير"، تأكد أن الجيش المصري ليس أحد مؤسسات الدولة المصرية، بل إن كل مؤسسات هذه الدولة، حتى الدينية، مجيرة لصالحه، ولتبرير كل أدواره وترسيخ جميع امتيازاته. وتأكد، أيضاً، أن هذا الجيش لا يستطيع أن يبقى هادئاً، إذا لم يعرف رأس الدولة المصرية بزة هذا الجيش.