01 مايو 2016
الدول العربية وطريق الخلاص
كشفت الأحداث التي عصفت وتعصف بالمنطقة العربية منذ نيف وأربعة أعوام، عن ضعف الأنظمة العربية الرسمية، وضعف المجتمعات العربية وهشاشتها، وضعف أجهزتها المناعية، وانكشافها أمام مختلف أنواع المخاطر، الداخلي والخارجي، وأمام جميع الأعداء والطامعين والطامحين.
فالنظام العربي الرسمي، على اختلاف ألوانه، لم يكن معنياً يوماً إلا بتثبيت سلطته وتأبيدها واستقرارها، وسيطرته على ثروات البلاد ورقاب العباد، وبما أن ذلك لا يستوي في مجتمعات قوية، يسودها القانون ويتمتع أفرادها بالحرية، كان طريق السيطرة عليها يمر حكماً عبر إضعافها وتجهيلها وتخويفها، وإفقارها فكريا وثقافيا ومعرفيا، وإبعادها عن السياسة، وتفكيك روابطها وزرع الفرقة بين مكوناتها. ووصفة التدجين والسيطرة هذه تحتاج إلى أدواتٍ أصبحنا نعرفها جميعا، نحن سكان تلك البلاد المنكوبة، منها مظلة من الإيديولوجيا والشعارات الكبرى والمزايدات الوطنية والقومية أو الدينية، ومنها جيوش عقائدية، غرضها حماية الحاكم، ومنها مؤسسات شكلية يديرها الحاكم، ومنها أجهزة أمن تخيف الجميع، وتحصي عليهم أنفاسهم، ومنها الفساد وشراء الذمم، ومنها طمأنة القادر الجبار، الولايات المتحدة، وابنته المدللة، إسرائيل.
حتى الأمس القريب، قبل العام 2012، كانت الأنظمة العربية تطمئن إلى وصفتها تلك في الإدارة والتحكم، وإلى عدتها في الشغل، وترى فيهما نجاعة وفعالية، وثباتاً واستقراراً، فالمحيط الجغرافي هادئ، والقادر الجبار راض، والداخل مستكين مغلوب على أمره، لكن الأمور أخذت مع بداية ثورات الربيع العربي تنحو منحى مختلفا، وبدأت الرياح تجري بما لا تشتهي تلك الأنظمة، وتصاعدت المخاطر الخارجية والداخلية، وأصبحت تهددها بالزوال، وكشفت تهافت منظوماتها الإيديولوجية والأمنية.
فها هي الاحتجاجات الثورية تندلع في غير دولة، وتقوض أنظمتها من دون استثناء، بغض النظر عن مآلات الأمور، ودرجة رضانا عنها، وها هي إيران الطموحة الجامحة، بأدواتها الطائفية القذرة، تستغل ترنح الأنظمة والحكومات وهشاشة البنى المجتمعية للتدخل والسيطرة على بعض الدول، مسجلة نجاحات كبيرة، وضعت عاصفة الحزم، الحازمة المفاجئة، حدا لها في الوقت المناسب على الأراضي اليمنية.
صحيح أن المد الثوري توقف قبل أن ينتقل إلى باقي الدول، لكن ذلك لا يعني أبداً أن هذه الدول محصنة ضد الثورات، كما لا يعني أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم فيها على خير ما يرام، وليس ثمّة ما يدعو إلى الثورات، فلا هي محصنة ضد الثورات، ولا علاقة حكامها بمحكوميها بخير، ولا بد أن يطالها التغيير ذات يوم، عندما تتوفر شروطه الموضوعية، إذا لم تبادر إلى تغيير نفسها، مستفيدة من دروس شقيقاتها في السنوات الأخيرة.
وصحيح أن عاصفة الحزم، بفجائيتها، وبعدد وقدرات الدول المشاركة فيها، وبالدعم الأميركي والدولي لها، قد وضعت حدا لنفود إيران في اليمن، المتمثل بالحوثيين، والذي وصل إلى حدود السعودية، وأصبح يشكل تهديداً مباشراً لها، لكنها الجولة الأولى مع هذا العدو الإقليمي القوي والعنيد، المعزز بالسرديات التاريخية والأحلام الإمبراطورية، والذي أجزم أن هذه الهزيمة لن تزيده إلا حقدا وعنادا وتربصا.
إذن، الخطر الداخلي موجود، ولن توقفه الأموال والقدرات الأمنية والعلاقات الخارجية، فهذه لم يسبق لها أن أسعفت دولة، حين تحين الساعة ويخرج الناس، والخطر الخارجي موجود، وقد لا تجتمع دائماً العوامل والشروط اللازمة لإبعاده، ولا يمكن المراهنة على الدعم الأميركي في كل مرة، فتاريخ الولايات المتحدة في التخلي عن حلفائها ينضح بالأمثلة والعبر.
نخلص إلى القول إن طريق النجاة الحقيقي، الثابت والموثوق، أمام تلك الدول، والذي يملّكها عناصر القوة الحقيقية، ويقوي مناعتها ويحصنها تجاه المخاطر الداخلية والخارجية، ويضعها، في الوقت نفسه، على سكة التقدم والازدهار، هو طريق التصالح مع المواطنين، وتعزيز كرامتهم وشعور المواطنة لديهم وإحساسهم بالمساواة والعدالة، وتمكينهم من حقوقهم، ومشاركتهم في السلطة والثروة. ولا يكون ذلك إلا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية جدية وعميقة، تقود تدريجياً إلى الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، دولة الحق والحقوق، دولة المواطنة والعدالة والمساواة، دولة الحريات المضمونة بالدستور والقوانين.
وصفة القوة الدائمة والمضمونة للدول لا تصنعها التحالفات الخارجية، ولا الجيوش العقائدية والإجراءات الأمنية، ولا الأموال الطائلة، بل يصنعها مواطنون أحرار متساوون، فخورون بهويتهم الوطنية، وتصنعها حكومات منتخبة، همها خدمة ورفاهية شعوبها، وتصنعها جيوش وطنية، همها الذود عن حدود بلادها، وردع أعدائها، ويصونها قضاء نزيه مستقل، همه إحقاق الحق وخدمة العدالة، ويصنعها مجتمع مدني نشيط وفاعل، وتصنعها آليات ديمقراطية، توفر البيئة المناسبة للنقد والمحاسبة والشفافية وتبادل السلطة.
هذا هو الطريق، وما دونه الخراب.
حتى الأمس القريب، قبل العام 2012، كانت الأنظمة العربية تطمئن إلى وصفتها تلك في الإدارة والتحكم، وإلى عدتها في الشغل، وترى فيهما نجاعة وفعالية، وثباتاً واستقراراً، فالمحيط الجغرافي هادئ، والقادر الجبار راض، والداخل مستكين مغلوب على أمره، لكن الأمور أخذت مع بداية ثورات الربيع العربي تنحو منحى مختلفا، وبدأت الرياح تجري بما لا تشتهي تلك الأنظمة، وتصاعدت المخاطر الخارجية والداخلية، وأصبحت تهددها بالزوال، وكشفت تهافت منظوماتها الإيديولوجية والأمنية.
فها هي الاحتجاجات الثورية تندلع في غير دولة، وتقوض أنظمتها من دون استثناء، بغض النظر عن مآلات الأمور، ودرجة رضانا عنها، وها هي إيران الطموحة الجامحة، بأدواتها الطائفية القذرة، تستغل ترنح الأنظمة والحكومات وهشاشة البنى المجتمعية للتدخل والسيطرة على بعض الدول، مسجلة نجاحات كبيرة، وضعت عاصفة الحزم، الحازمة المفاجئة، حدا لها في الوقت المناسب على الأراضي اليمنية.
صحيح أن المد الثوري توقف قبل أن ينتقل إلى باقي الدول، لكن ذلك لا يعني أبداً أن هذه الدول محصنة ضد الثورات، كما لا يعني أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم فيها على خير ما يرام، وليس ثمّة ما يدعو إلى الثورات، فلا هي محصنة ضد الثورات، ولا علاقة حكامها بمحكوميها بخير، ولا بد أن يطالها التغيير ذات يوم، عندما تتوفر شروطه الموضوعية، إذا لم تبادر إلى تغيير نفسها، مستفيدة من دروس شقيقاتها في السنوات الأخيرة.
وصحيح أن عاصفة الحزم، بفجائيتها، وبعدد وقدرات الدول المشاركة فيها، وبالدعم الأميركي والدولي لها، قد وضعت حدا لنفود إيران في اليمن، المتمثل بالحوثيين، والذي وصل إلى حدود السعودية، وأصبح يشكل تهديداً مباشراً لها، لكنها الجولة الأولى مع هذا العدو الإقليمي القوي والعنيد، المعزز بالسرديات التاريخية والأحلام الإمبراطورية، والذي أجزم أن هذه الهزيمة لن تزيده إلا حقدا وعنادا وتربصا.
إذن، الخطر الداخلي موجود، ولن توقفه الأموال والقدرات الأمنية والعلاقات الخارجية، فهذه لم يسبق لها أن أسعفت دولة، حين تحين الساعة ويخرج الناس، والخطر الخارجي موجود، وقد لا تجتمع دائماً العوامل والشروط اللازمة لإبعاده، ولا يمكن المراهنة على الدعم الأميركي في كل مرة، فتاريخ الولايات المتحدة في التخلي عن حلفائها ينضح بالأمثلة والعبر.
نخلص إلى القول إن طريق النجاة الحقيقي، الثابت والموثوق، أمام تلك الدول، والذي يملّكها عناصر القوة الحقيقية، ويقوي مناعتها ويحصنها تجاه المخاطر الداخلية والخارجية، ويضعها، في الوقت نفسه، على سكة التقدم والازدهار، هو طريق التصالح مع المواطنين، وتعزيز كرامتهم وشعور المواطنة لديهم وإحساسهم بالمساواة والعدالة، وتمكينهم من حقوقهم، ومشاركتهم في السلطة والثروة. ولا يكون ذلك إلا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية جدية وعميقة، تقود تدريجياً إلى الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، دولة الحق والحقوق، دولة المواطنة والعدالة والمساواة، دولة الحريات المضمونة بالدستور والقوانين.
وصفة القوة الدائمة والمضمونة للدول لا تصنعها التحالفات الخارجية، ولا الجيوش العقائدية والإجراءات الأمنية، ولا الأموال الطائلة، بل يصنعها مواطنون أحرار متساوون، فخورون بهويتهم الوطنية، وتصنعها حكومات منتخبة، همها خدمة ورفاهية شعوبها، وتصنعها جيوش وطنية، همها الذود عن حدود بلادها، وردع أعدائها، ويصونها قضاء نزيه مستقل، همه إحقاق الحق وخدمة العدالة، ويصنعها مجتمع مدني نشيط وفاعل، وتصنعها آليات ديمقراطية، توفر البيئة المناسبة للنقد والمحاسبة والشفافية وتبادل السلطة.
هذا هو الطريق، وما دونه الخراب.