كان لطفي السيد مثقفا مصريا تنويريا كبيرا يسكن في القاهرة بعيدا عن الصعيد الذي غادره منذ كان صغيرا، ولأنه اعتقد أن مجرد الانتماء إلى بلدته البعيدة عن صخب المدينة ووزنه الثقافي كافيان للوصول إلى البرلمان، فقد قرر أن يترشح للانتخابات التشريعية. بقي السيد في القاهرة مطمئنا مرتكنا إلى يقين لا يتزحزح بأن أنصاره قادرون على حسم المعركة دون أن يكون حاضرا في الحملة الانتخابية، لكن بعد أيام فقط انقلبت الموازين بشكل كامل، إذ أشاع منافسه في الدائرة عبارة صارت تسري على لسان حتى أقرب مناصريه: "هو رجل طيب وخدوم ومثقف كبير لكنه ديمقراطي والعياذ بالله".
ما دامت الديمقراطية أصبحت مقترنة بالعياذ بالله، استنكر الناس هذا المفهوم الغريب عن ثقافتهم، ليتحول الأنصار إلى معارضين، فالديمقراطية تنطوي على خطر عظيم وجلل في تقديرهم، ولا بد للسيد أن يوضح موقفه اليوم قبل الغد. تحركت الهواتف، وطلب من السيد أن يحلّ على عجل في الصعيد حتى يشرح للناس برنامجه الانتخابي وينهي أسطورة "الديمقراطية والعياذ بالله" كي لا تتبخر حظوظه دفعة واحدة بسبب جملة واحدة.
جاء السيد إلى الصعيد وسط حشد كبير من الناس، وشرع يخطب فيهم ويعرّف بنفسه ويذكّر بانتمائه إلى البلدة، بيد أن الجمهور كان متلهفا أن يعرف قصة السيد مع الديمقراطية. ظهر رجل من الحشد وتوجه بالكلام إلى المثقف الحالم بأن يصير برلمانيا: "إحنا ما بتهمناش حاجة، إنت ديمقراطي ولا مش ديمقراطي؟".
بكل ثقة في النفس، ردّ السيد بأنه فخور بكونه رجلا ديمقراطيا، وقبل أن ينهي كلامه كانت الكراسي قد بدأت تتطاير في الهواء والميكروفونات خُرّبت، وهوجم مرافقو السيد على المنصة بتهمة غريبة، لكنّها مشروعة "الانتماء إلى الديمقراطية والعياذ بالله". اختفى السيد بين الصراخ وحزمة من الشتائم والغبار الكثيف، ولم يعد إلى الصعيد بعد ذلك خشية أن يواجه بالتهمة إياها.
ربما تلهمنا قصة السيد لنتحدث عن الكارهين للديمقراطية في المغرب، هؤلاء الذين يحتملون أن تكون كل شيء إلا أن تكون مؤمنا بقيمها، مدافعا عنها، فهي والعياذ بالله، مقرونة بالتيئيس ونشر ثقافة السواد والدفاع عن التخلف وعن الظلاميين. وقد تتهم دون أن تعرف أسباب النزول بأنك تكره الوطن وتتصرف ضد مصالحه وتعاكس الإصلاح وتخيف المغاربة وتهزأ من اختيارات الدولة.
أما حين تخبرهم أن هذا "السيرك السياسي" نعرف من يحركه ومن يهندسه ومقاصده كذلك، يقولون لنا إن الديمقراطية لا تصلح في المغرب، ولا يمكن استنباتها مع السوداويين، وأن هذا الشعب ما يزال في حاجة إلى من يأخذ بيده، وعندما ندافع عن صناديق الاقتراع وعن أصوات الناخبين الذين تصارعوا وتنابزوا قبل الانتخابات يسخرون منا سخرية عظيمة: كم أنتم سذج ومبتدئون في السياسة، منذ متى تتخيلون أن الصناديق في المغرب تحسم التوجه الديمقراطي "والعياذ بالله"؟
أولئك يشبهوننا كل مرة بالبشمركة وجيش العدميين، وكم مرة قالوا عن المدافعين عن الديمقراطية إنهم ينصبون أنفسهم للدفاع عن نظام لم يعد لائقا في المغرب، إذ يمكن بسهولة بالغة أن تربح بالتفاوض ما خسرته بالانتخابات وبرضى تام مع الحزب الذي حل أولًا ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم..
يجب، بعد اليوم، أن تقرن الديمقراطية في المغرب بعبارات "العياذ بالله" و"أستغفر الله" و"الله يمسخها" لنضمن على الأقل أن تسفيهها وتشنيعها سيتحول إلى عقيدة نؤمن بها صباح مساء ونقدسها كذلك، أما أن نكذب على أنفسنا بتبني الديمقراطية ثم نأتي بنقيضها، فهذا يسمى في السياسة ـ مع تحوير بسيط لكتاب رولان بارت-، الدرجة الصفر من الديمقراطية.. والعياذ بالله..
ما دامت الديمقراطية أصبحت مقترنة بالعياذ بالله، استنكر الناس هذا المفهوم الغريب عن ثقافتهم، ليتحول الأنصار إلى معارضين، فالديمقراطية تنطوي على خطر عظيم وجلل في تقديرهم، ولا بد للسيد أن يوضح موقفه اليوم قبل الغد. تحركت الهواتف، وطلب من السيد أن يحلّ على عجل في الصعيد حتى يشرح للناس برنامجه الانتخابي وينهي أسطورة "الديمقراطية والعياذ بالله" كي لا تتبخر حظوظه دفعة واحدة بسبب جملة واحدة.
جاء السيد إلى الصعيد وسط حشد كبير من الناس، وشرع يخطب فيهم ويعرّف بنفسه ويذكّر بانتمائه إلى البلدة، بيد أن الجمهور كان متلهفا أن يعرف قصة السيد مع الديمقراطية. ظهر رجل من الحشد وتوجه بالكلام إلى المثقف الحالم بأن يصير برلمانيا: "إحنا ما بتهمناش حاجة، إنت ديمقراطي ولا مش ديمقراطي؟".
بكل ثقة في النفس، ردّ السيد بأنه فخور بكونه رجلا ديمقراطيا، وقبل أن ينهي كلامه كانت الكراسي قد بدأت تتطاير في الهواء والميكروفونات خُرّبت، وهوجم مرافقو السيد على المنصة بتهمة غريبة، لكنّها مشروعة "الانتماء إلى الديمقراطية والعياذ بالله". اختفى السيد بين الصراخ وحزمة من الشتائم والغبار الكثيف، ولم يعد إلى الصعيد بعد ذلك خشية أن يواجه بالتهمة إياها.
ربما تلهمنا قصة السيد لنتحدث عن الكارهين للديمقراطية في المغرب، هؤلاء الذين يحتملون أن تكون كل شيء إلا أن تكون مؤمنا بقيمها، مدافعا عنها، فهي والعياذ بالله، مقرونة بالتيئيس ونشر ثقافة السواد والدفاع عن التخلف وعن الظلاميين. وقد تتهم دون أن تعرف أسباب النزول بأنك تكره الوطن وتتصرف ضد مصالحه وتعاكس الإصلاح وتخيف المغاربة وتهزأ من اختيارات الدولة.
أما حين تخبرهم أن هذا "السيرك السياسي" نعرف من يحركه ومن يهندسه ومقاصده كذلك، يقولون لنا إن الديمقراطية لا تصلح في المغرب، ولا يمكن استنباتها مع السوداويين، وأن هذا الشعب ما يزال في حاجة إلى من يأخذ بيده، وعندما ندافع عن صناديق الاقتراع وعن أصوات الناخبين الذين تصارعوا وتنابزوا قبل الانتخابات يسخرون منا سخرية عظيمة: كم أنتم سذج ومبتدئون في السياسة، منذ متى تتخيلون أن الصناديق في المغرب تحسم التوجه الديمقراطي "والعياذ بالله"؟
أولئك يشبهوننا كل مرة بالبشمركة وجيش العدميين، وكم مرة قالوا عن المدافعين عن الديمقراطية إنهم ينصبون أنفسهم للدفاع عن نظام لم يعد لائقا في المغرب، إذ يمكن بسهولة بالغة أن تربح بالتفاوض ما خسرته بالانتخابات وبرضى تام مع الحزب الذي حل أولًا ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم..
يجب، بعد اليوم، أن تقرن الديمقراطية في المغرب بعبارات "العياذ بالله" و"أستغفر الله" و"الله يمسخها" لنضمن على الأقل أن تسفيهها وتشنيعها سيتحول إلى عقيدة نؤمن بها صباح مساء ونقدسها كذلك، أما أن نكذب على أنفسنا بتبني الديمقراطية ثم نأتي بنقيضها، فهذا يسمى في السياسة ـ مع تحوير بسيط لكتاب رولان بارت-، الدرجة الصفر من الديمقراطية.. والعياذ بالله..