لا تزال أزمة الديون العالقة بين الحكومة الجزائرية والشركات المكلفة بإنشاء المشاريع السكنية متواصلة، حيث كشف مقاولون أنهم لم يتقاضوا مستحقاتهم من وزارة السكن والعمران والمدينة منذ عامين، مهددين بتجميد إنجاز المشاريع إلى حين تسوية ملفهم.
ومنذ بداية الأزمة المالية التي تمر بها الجزائر من جراء تراجع عائدات النفط من 64 مليار دولار سنة 2014 إلى 27 السنة الماضية، ظلت الحكومات المتعاقبة تطمئن الرأي العام بأن المشاريع السكنية لن يطاولها التجميد أو التوقف، بحجة أن الأموال قد تم اقتطاعها سابقاً من الخزينة العمومية، إلا أن واقع تقدم الأشغال في المجمعات السكنية يكشف عكس ذلك، حيث أجّلت العديد من عمليات توزيع المساكن بسبب عدم استلام المشاريع في وقتها.
ويقول رياض بوجردة، مقاول ومطور عقاري من محافظة البويرة (120 كلم جنوبي العاصمة)، والذي فاز عام 2014 بعقد لإنشاء 1200 شقة في أحد المناطق السكنية الحكومية، إنه لم يتلق ولو دينارا واحدًا منذ بداية السنة الحالية.
وأضاف بوجردة لـ "العربي الجديد" أن دفتر الشروط المبرم بينه وبين شركة "عدل" التي تمثل وزارة السكن، يُلزم الطرف الآخر بإكمال قيمة المشروع حين تبلغ نسبة تقدم الأشغال 70%، لكن الطرف ممثل الوزارة أوقف عملية تحويل المستحقات التي تفوق 40 مليون دينار (380 ألف دولار).
وذكر المقاول الجزائري أن شركته أوقفت الأعمال إلى حين تلقيها بقية الأموال، مهددا بمقاضاة وزارة المالية إذا لم تتعاط مع مطالبه.
وكانت عدة مشاريع إسكان حكومية في الجزائر قد شهدت تأخراً كبيراً في الإنجاز، بعد رفض شركات عقارية مكلّفة بالتنفيذ مواصلة العمل من جراء عدم تلقيها مستحقات لعدة أشهر، ما عطّل خططاً حكومية كانت تستهدف تسليم مساكن بتكلفة منخفضة للمواطنين للحد من أزمة الإسكان.
وأكدت مصادر بمصارف عامة سابقا، لـ "العربي الجديد"، أن مستحقات شركات العقارات المكلّفة من الحكومة تقترب من 130 مليار دينار جزائري (1.2 مليار دولار)، وهي تراكمات لديون أشهر مضت.
وفي السياق، يقول رئيس الجمعية العامة للمقاولين الجزائريين، مولود خلوفي، إن الديون المتراكمة بلغت 1.5 مليار دولار، سواء للمقاولين الجزائريين أو الأجانب.
وأضاف لـ "العربي الجديد" أن الملفات تداول عليها ثلاثة وزراء للسكن حتى الآن، ولا تلوح في الأفق أية بوادر لتسوية الوضعية، بحجة غياب السيولة في البنوك التي ترفض تمويل عمليات البناء.
ويرى خلوفي، أن "قطاع السكن مريض، ولكنه لم يدخل مرحلة الإنعاش، وهو ما يؤكد إمكانية النهوض به من جديد"، قائلا إن هناك عدداً كبيراً من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي كانت تعمل في مجال التعمير والبناء، قد تركت القطاع بسبب المشاكل التي واجهتها وبسبب تخلي الوزارة عنها سابقا لصالح المؤسسات الأجنبية التي استولت على السوق.
وقال خلوفي: "المقاول الجزائري لا يريد طرد نظيره الأجنبي، لكنه يطالب بحقه في الأفضلية بنص القانون".
وإلى ذلك، كشف رئيس كنفدرالية السكن، نور الدين حمدان، لـ "العربي الجديد"، أن جملة العراقيل والمشاكل التي يعاني منها القطاع جعلت 70% من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تترك السوق للمتعامل الأجنبي، فيما اختارت مؤسسات أخرى العمل تحت مظلة المؤسسات الأجنبية كشركات مناولة.
وأضاف نفس المتحدث أن "الوزارة في كل مرة تسرع لدفع ديون الشركات الصينية والبرتغالية والمصرية وتترك المقاولين الجزائريين في آخر سلم الأولويات، وهذا أمر غير مقبول".
وزارة السكن الجزائرية، وعلى لسان مدير السكن، جمال ناصري، لم تنف وجود بعض الديون العالقة، حيث قال ناصري لـ "العربي الجديد": "الديون موجودة فعلا، لكنها ليست بالحجم المتداول إعلاميا، هناك أزمة مالية وأزمة سيولة تفرض علينا بعض الليونة في التعامل مع المشاريع، لكن الأكيد أن كل شركة تأخذ حقها، فالحكومة عازمة على إكمال كل المشاريع السكنية مهما كلف من ذلك من أموال".
وكانت الحكومة قد أطلقت قبل سنوات ثلاثة مشاريع سكنية ضخمة، تسعى من خلالها لبناء مليوني وحدة سكنية، وذلك للقضاء على أزمة السكن.
وحسب الخطط الحكومية، تسمى الصيغة الأولى "الإسكان الاجتماعي"، وهي موجهة لأصحاب الدخل الضعيف بأسعارٍ رمزية، فيما جاء المشروع الثاني للإسكان المتوسط موجها للطبقة الوسطى تدفع الحكومة قرابة 60% منه ويدفع المواطن الباقي عبر أقساط شهرية، وجاء المشروع السكني الثالث تحت اسم "سكنات الترقوي العمومي"، وهو موجّه للموظفين أصحاب الأجور المرتفعة، إذ تقوم المصارف العمومية بدفع سعرها، فيما يعوض المواطن المصرف بأقساطٍ شهرية.
وفازت شركة البناء الصينية "CSCEC" والمصرية "المقاولون العرب" بحوالي 60% من المشاريع السكنية، فيما يتقاسم 40% المتبقية شركات جزائرية عمومية وخاصة.