"الفائدة في الهناء"... مثل تونسيّ شائع ومعروف، يختصر الزواج في التفاهم والمحبّة والنيّة الصادقة لتكوين أسرة، بعيداً عن الإمكانيات الماديّة للزوجين. يوماً بعد يوم، يتحوّل هذا المثل الشعبيّ إلى وسيلة للسخط على الواقع المعيشيّ المتدهور في تونس، في ظل تفاقم ظاهرة الغلاء التي جعلت حياة المواطنين رحلة عذاب يوميّ، ضاقت معها أحلامهم وطموحاتهم، ومن ضمنها الزواج. الأخير تحوّل إلى ترف قد لا يطاله إلاّ البعض. تتنوع الأسباب التي تؤدي إلى عزوف التونسيين عن الزواج، لكن المتطلبات المالية، تقع على رأس القائمة.
زمانهم غير زماننا
تشير دراسة أصدرها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشريّ أخيراً، إلى أنّ نسبة الفتيات العازبات اللائي تتراوح أعمارهن بين 25 عاماً و35 عاماً قد بلغت نحو 42% من مجمل السكان، أمّا عند الشباب فتصل هذه النسبة إلى ما يقارب 51%، ما يعني عزوف الشباب التونسي عن الزواج. يقول الخبير الاجتماعيّ ناصف العمدوني: "لا يشكل تأخر الزواج مشكلة كبيرة في العديد من الدول، لكن في دولنا العربية، ومجتمعاتنا المحافظة، فإن الزواج يعتبر أمراً قدسياً وهاماً، فهو الإطار الشرعيّ الوحيد للعلاقة بين الرجل والمرأة، ما يجعل من ظاهرة تأخّر سنّ الزواج مشكلة اجتماعيّة قد تتحكّم بمزاج شعب بأسره".
أمّا السبب الأساسي لعزوف الشباب عن الزواج فيعود، بحسب العمدوني، إلى عوامل اقتصاديّة واجتماعيّة ترتبط بتراجع المستوى المعيشيّ للمواطن التونسيّ، في مقابل تمسّك العائلات بالتقاليد والأعراف الاجتماعيّة التي تكبّل الشباب الراغب في تكوين أسر مستقلّة. ويشير إلى أن المجتمع التونسيّ ما يزال يعتبر مجتمعاً محافظاً، رغم ارتفاع نسبة التعليم الجامعيّ وتطوّر النظام التعليميّ، إلاّ أنّ هذه المعطيات تنهار أمام تشبّث العائلات التونسيّة بعادات الأجداد عند الزواج. والأخيرة، تشمل قائمة طويلة من الطلبات والشروط والمستلزمات بهدف التباهي والتفاخر، بعيداً عن تبدل الواقع الاقتصاديّ ومستوى المعيشة الذي تراجع بشكل حادّ خلال السنوات الخمس الماضية. وإلى ذلك، فلا تشمل الصعوبات قدرات الرجل المادية فقط، بل إن المرأة أيضاً تعاني من صعوبات مادية تمنعها من الزواج، وتقف حائلاً أمام تكوين أسرة. إذ تعجز الفتيات في تونس عن تأمين مستلزماتهن الشخصية الخاصة بالزفاف، من جهاز وثياب، أو أثاث للمنزل، أو حتى تكاليف التزيين في ليلة العمر. حيث تتكبد النساء مبالغ طائلة لا قدرة لها على إيفائها.
الراتب لا يكفي
لا شك أن الشباب التونسي يعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وخاصة أن الحد الأدنى للأجور لا يسمح بتأسيس عائلة، فيعيش الشاب حياة العزوبية، بعيداً عن تكبد المزيد من النفقات، التي يمكن أن تصل إلى ذروتها في حفل الزفاف.
يؤكّد المواطن هشام المازني أنّه وبرغم بلوغه سنّ الأربعين، إلاّ أنّه ما يزال أعزباً، رغم أنّه حاول في أكثر من مرّة أن يختم علاقاته العاطفيّة بالزواج، إلاّ أن التكاليف المالية تظلّ باهظة للغاية مقارنة براتبه المتواضع الذي لا يتجاوز 350 دولاراً. ويضيف "إنّ الإقدام على مثل هذه الخطوة، سيكلّف في أفضل الحالات ما لا يقّل عن 5000 دولار". وهو مبلغ لم يتمكّن خلال سنوات عمله العشرين من توفيره نظراً لغلاء المعيشة وغياب الاستقرار المهنيّ. وقد حمّل هشام المازني المجتمع ككلّ مسؤوليّة تأخّر سنّ الزواج في تونس، وارتفاع كلفته الماديّة. وبحسب رأيه، إن النساء لا زلن متشبثات بالعادات والتقاليد البالية والشروط المجحفة التي يعجز عن تلبيتها أغلب الشباب. مشيراً إلى أنّ شراء الذهب ومستلزمات العروس، كانت تعتبر من نصيب الرجل في زمن لم يكن يحق للمرأة العمل، أمّا اليوم، فيجب أن تتغيّر مثل هذه التقاليد، بعد أن أصبحت النساء فاعلات في الدورة الاقتصاديّة وقادرات على الإنفاق والمساهمة في مصاريف الزواج، ما يخفف من حدة التكاليف المادية على الرجل، ويجعله قادراً على تكوين أسرة في المستقبل.
اقرأ أيضاً:تكاليف الأعراس تثقل اللبنانيين بالديون
يعتبر الشاب هشام، مثالاً لمئات الشباب التونسيين الذين يعيشون المعاناة ذاتها، إذ إن رواتبهم لا تكفي لتأسيس أسرة، في ظل استمرار العادات التي تلزم الشاب بدفع آلاف الدولارات على "الشبكة" وحفل الزواج وغيره. ويؤكّد الخبير الاقتصادي شيحة قحّة، أنّ الوضع الاقتصاديّ يؤثّر بشكل مباشر على مستوى معيشة التونسيّين وقدرتهم على الإيفاء بمستلزمات مختلف المناسبات ومن ضمنها الزواج. وما تعيشه تونس منذ سنوات من انكماش اقتصاديّ وارتفاع الأسعار، وتفاقم معضلة التضخّم التي وصلت إلى 6% بحسب آخر تقارير المعهد الوطني للإحصاء، انعكس بشكل مباشر على تكاليف الزواج الذي بلغت تكاليفه في المتوسّط ما لا يقلّ عن 10 آلاف دولار.
أكلاف مرتفعة
تطال موجة الغلاء معظم لوازم الزواج، فعلى سبيل المثال يصل سعر الغرام الواحد من الذهب إلى 35 دولاراً، أمّا التجهيزات المنزليّة فتبلغ قيمتها ما يناهز الألفي دولار، إضافة إلى الارتفاع في أسعار إيجار قاعات الزفاف والتّي لا تقلّ عن 2500 دولار لليلة واحدة لا غير.
ويضيف شيحة "إنّ وضع المهنيّ لما يقارب 60% من الشباب التونسيّ يجعل منه عاجزاً عن الإقدام على الزواج، كآليات التشغيل الهشّ وتدنّي الرواتب التي لا تتجاوز 400 دولار كمعدّل عامّ في القطاع الخاصّ والعام، إضافة إلى القيود الجديدة التي فرضتها المصارف على القروض الاستهلاكيّة".
وبحسب شيحة، حتّى لو تمكّن الشاب من توفير أدنى المستلزمات وحصل على قرض من المصارف، فالحياة بعد الزواج تكون أصعب نظراً لتضخّم أسعار الإيجار، التي ارتفعت خلال 5 سنوات بنسبة 50%، إضافة إلى أقساط القروض والمصاريف المشتركة في بيت الزوجيّة.
تظافر هذه العوامل، أدّى إلى عزوف أكثر من 50% من الشباب والشابات عن الزواج، بحسب المسح الشبابيّ الذّي أجرته وزارة الشباب.
في هذا الإطار، تقول بسمة (مواطنة تونسية) "إن حياة العزوبيّة هي الحلّ رغم الضغوط النفسيّة والاجتماعيّة التي يتعرّض لها الشباب"، مشيرة إلى أنها تتفهّم وجهة نظر الشباب العازف عن الزواج، "فالمجتمع في غنى عن جيل جديد يرث فقر الآباء ومعاناتهم اليوميّة".
اقرأ أيضاً:تكاليف الزفاف "قصاص" الشباب العربي
زمانهم غير زماننا
تشير دراسة أصدرها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشريّ أخيراً، إلى أنّ نسبة الفتيات العازبات اللائي تتراوح أعمارهن بين 25 عاماً و35 عاماً قد بلغت نحو 42% من مجمل السكان، أمّا عند الشباب فتصل هذه النسبة إلى ما يقارب 51%، ما يعني عزوف الشباب التونسي عن الزواج. يقول الخبير الاجتماعيّ ناصف العمدوني: "لا يشكل تأخر الزواج مشكلة كبيرة في العديد من الدول، لكن في دولنا العربية، ومجتمعاتنا المحافظة، فإن الزواج يعتبر أمراً قدسياً وهاماً، فهو الإطار الشرعيّ الوحيد للعلاقة بين الرجل والمرأة، ما يجعل من ظاهرة تأخّر سنّ الزواج مشكلة اجتماعيّة قد تتحكّم بمزاج شعب بأسره".
أمّا السبب الأساسي لعزوف الشباب عن الزواج فيعود، بحسب العمدوني، إلى عوامل اقتصاديّة واجتماعيّة ترتبط بتراجع المستوى المعيشيّ للمواطن التونسيّ، في مقابل تمسّك العائلات بالتقاليد والأعراف الاجتماعيّة التي تكبّل الشباب الراغب في تكوين أسر مستقلّة. ويشير إلى أن المجتمع التونسيّ ما يزال يعتبر مجتمعاً محافظاً، رغم ارتفاع نسبة التعليم الجامعيّ وتطوّر النظام التعليميّ، إلاّ أنّ هذه المعطيات تنهار أمام تشبّث العائلات التونسيّة بعادات الأجداد عند الزواج. والأخيرة، تشمل قائمة طويلة من الطلبات والشروط والمستلزمات بهدف التباهي والتفاخر، بعيداً عن تبدل الواقع الاقتصاديّ ومستوى المعيشة الذي تراجع بشكل حادّ خلال السنوات الخمس الماضية. وإلى ذلك، فلا تشمل الصعوبات قدرات الرجل المادية فقط، بل إن المرأة أيضاً تعاني من صعوبات مادية تمنعها من الزواج، وتقف حائلاً أمام تكوين أسرة. إذ تعجز الفتيات في تونس عن تأمين مستلزماتهن الشخصية الخاصة بالزفاف، من جهاز وثياب، أو أثاث للمنزل، أو حتى تكاليف التزيين في ليلة العمر. حيث تتكبد النساء مبالغ طائلة لا قدرة لها على إيفائها.
الراتب لا يكفي
لا شك أن الشباب التونسي يعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وخاصة أن الحد الأدنى للأجور لا يسمح بتأسيس عائلة، فيعيش الشاب حياة العزوبية، بعيداً عن تكبد المزيد من النفقات، التي يمكن أن تصل إلى ذروتها في حفل الزفاف.
يؤكّد المواطن هشام المازني أنّه وبرغم بلوغه سنّ الأربعين، إلاّ أنّه ما يزال أعزباً، رغم أنّه حاول في أكثر من مرّة أن يختم علاقاته العاطفيّة بالزواج، إلاّ أن التكاليف المالية تظلّ باهظة للغاية مقارنة براتبه المتواضع الذي لا يتجاوز 350 دولاراً. ويضيف "إنّ الإقدام على مثل هذه الخطوة، سيكلّف في أفضل الحالات ما لا يقّل عن 5000 دولار". وهو مبلغ لم يتمكّن خلال سنوات عمله العشرين من توفيره نظراً لغلاء المعيشة وغياب الاستقرار المهنيّ. وقد حمّل هشام المازني المجتمع ككلّ مسؤوليّة تأخّر سنّ الزواج في تونس، وارتفاع كلفته الماديّة. وبحسب رأيه، إن النساء لا زلن متشبثات بالعادات والتقاليد البالية والشروط المجحفة التي يعجز عن تلبيتها أغلب الشباب. مشيراً إلى أنّ شراء الذهب ومستلزمات العروس، كانت تعتبر من نصيب الرجل في زمن لم يكن يحق للمرأة العمل، أمّا اليوم، فيجب أن تتغيّر مثل هذه التقاليد، بعد أن أصبحت النساء فاعلات في الدورة الاقتصاديّة وقادرات على الإنفاق والمساهمة في مصاريف الزواج، ما يخفف من حدة التكاليف المادية على الرجل، ويجعله قادراً على تكوين أسرة في المستقبل.
اقرأ أيضاً:تكاليف الأعراس تثقل اللبنانيين بالديون
يعتبر الشاب هشام، مثالاً لمئات الشباب التونسيين الذين يعيشون المعاناة ذاتها، إذ إن رواتبهم لا تكفي لتأسيس أسرة، في ظل استمرار العادات التي تلزم الشاب بدفع آلاف الدولارات على "الشبكة" وحفل الزواج وغيره. ويؤكّد الخبير الاقتصادي شيحة قحّة، أنّ الوضع الاقتصاديّ يؤثّر بشكل مباشر على مستوى معيشة التونسيّين وقدرتهم على الإيفاء بمستلزمات مختلف المناسبات ومن ضمنها الزواج. وما تعيشه تونس منذ سنوات من انكماش اقتصاديّ وارتفاع الأسعار، وتفاقم معضلة التضخّم التي وصلت إلى 6% بحسب آخر تقارير المعهد الوطني للإحصاء، انعكس بشكل مباشر على تكاليف الزواج الذي بلغت تكاليفه في المتوسّط ما لا يقلّ عن 10 آلاف دولار.
أكلاف مرتفعة
تطال موجة الغلاء معظم لوازم الزواج، فعلى سبيل المثال يصل سعر الغرام الواحد من الذهب إلى 35 دولاراً، أمّا التجهيزات المنزليّة فتبلغ قيمتها ما يناهز الألفي دولار، إضافة إلى الارتفاع في أسعار إيجار قاعات الزفاف والتّي لا تقلّ عن 2500 دولار لليلة واحدة لا غير.
ويضيف شيحة "إنّ وضع المهنيّ لما يقارب 60% من الشباب التونسيّ يجعل منه عاجزاً عن الإقدام على الزواج، كآليات التشغيل الهشّ وتدنّي الرواتب التي لا تتجاوز 400 دولار كمعدّل عامّ في القطاع الخاصّ والعام، إضافة إلى القيود الجديدة التي فرضتها المصارف على القروض الاستهلاكيّة".
وبحسب شيحة، حتّى لو تمكّن الشاب من توفير أدنى المستلزمات وحصل على قرض من المصارف، فالحياة بعد الزواج تكون أصعب نظراً لتضخّم أسعار الإيجار، التي ارتفعت خلال 5 سنوات بنسبة 50%، إضافة إلى أقساط القروض والمصاريف المشتركة في بيت الزوجيّة.
تظافر هذه العوامل، أدّى إلى عزوف أكثر من 50% من الشباب والشابات عن الزواج، بحسب المسح الشبابيّ الذّي أجرته وزارة الشباب.
في هذا الإطار، تقول بسمة (مواطنة تونسية) "إن حياة العزوبيّة هي الحلّ رغم الضغوط النفسيّة والاجتماعيّة التي يتعرّض لها الشباب"، مشيرة إلى أنها تتفهّم وجهة نظر الشباب العازف عن الزواج، "فالمجتمع في غنى عن جيل جديد يرث فقر الآباء ومعاناتهم اليوميّة".
اقرأ أيضاً:تكاليف الزفاف "قصاص" الشباب العربي