كانت ساعة واحدة فقط من تساقط الأمطار بغزارة شديدة كافية لجعل جميع أفراد عائلة تكابد لتنفيذ مهمة شفط المياه التي تسرّبت إلى منزلهم على غرار بقية المساكن التي عانت أضراراً كبيرة في مدينة سوسة ومدن أخرى في تونس.
وطاولت سيول الفيضانات المحلات والمنازل، وعطّلت حركة المرور والدروس، وأصابت السكان بالذعر بسبب تسرّب مياه الأمطار إلى بيوتهم ومحلاتهم، بعدما عجزت مجاري تصريف المياه عن استيعابها، خصوصاً في محافظات صفاقس وسوسة والمنستير والمهدية.
ووسط الشلل التامّ الذي أصاب مناطق حضرية لساعات تدخّل مسؤولو الحماية المدنية وديوان التطهير لفتح قنوات الصرف الصحي، بحسب ما يقول عبد الحميد الشايب، أحد السكان الذين تضررت بيوتهم جراء السيول، لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنّه "لا تشهد مدينة سوسة في العادة هطل أمطار كثيفة، باستثناء بعض المواسم حيث تحصل فيضانات في الأودية، ما يظهر فشل مشاريع تهيئة هذه الأودية وبرامج مجابهة الكوارث خصوصاً في الأماكن القريبة من المجمعات السكنية".
ويخبر شكري ساسي، أحد سكان محافظة المنستير، "العربي الجديد"، أنّ "الأمطار الأخيرة ألحقت أضراراً بالعديد من الطرقات وعشرات المنازل بسبب تسرّب السيول إليها خلال وقت وجيز". ويوضح أن "لجان مجابهة الكوارث كانت وضعت خططاً استباقية لمواجهة احتمال حدوث فيضانات، لكن انسداد القنوات القديمة لتصريف المياه بسبب السيول الكثيفة الناتجة من الهطل الأخير للأمطار، وتراكم بقايا مواد البناء والأنقاض على الأرصفة وببعض الساحات والطرقات، ألحقا أضراراً كبيرة بالمنازل التي تسرّبت إليها المياه التي فاق منسوبها حتى ارتفاع المتر ونصف المتر في بعض البيوت".
ووفق المعهد الوطني للرصد الجوي سجلت محافظات في شرق تونس هطل كميات كبيرة من الأمطار بلغت 108 ملليمترات، ووصلت أعلاها إلى 189 ملليمترات في منطقة سد وادي الرمل بمحافظة زغوان جنوبي العاصمة.
ويعد البناء على مجاري الأودية أو في محاذاتها في مناطق عدة بتونس من بين أكثر الأسباب التي تؤدي إلى تضرر العديد من المنازل.
وكانت السلطات أكدت أنّ تساقطات الأمطار الاستثنائية الأخيرة رفع منسوب المياه في عدد من الأودية. وحذرت من الاقتراب من مجاري الأنهار والأودية مع حلول فصل الشتاء، وتحدثت عن أن "هشاشة البنى التحتية المرتبطة بنقص قنوات تجميع وتصريف المياه والعجز عن احتواء الكميات الكبيرة من الأمطار سمحت بتشكل سيول جارفة بعد وقت قليل من نزولها. وهذه الأزمة قد تتعمق مع توقع تساقط أمطار كثيفة طوال فصل الشتاء المقبل".
واجتمعت لجان مواجهة الكوارث للنظر في أوضاع المناطق المهددة بالفيضانات، خصوصاً في أماكن التجمعات السكانية التي تقع قرب الأودية. أيضاً تفاعل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير مع التطورات المناخية التي شهدتها مناطق عدة في تونس بعد سنوات من الجفاف. ووثق غالبيتهم مشاهد الفيضانات التي شهدتها مناطق عدة، وانتقد العديد منهم الأوضاع السيئة للبنى التحتية خلال فصل الشتاء.
واللافت أن الفلاحين كان استبشروا بالأمطار الاستثنائية التي هطلت في تونس خلال الفترة الأخيرة، في وقت يكرر مسؤولون منذ سنوات تصريحاتهم حول انخفاض منسوب مياه السدود الذي سبّب مشكلات عدة على صعيد تراجع كميات التزود بالمياه الصالحة للشرب، خصوصاً خلال فصل الصيف.
وكان المرصد التونسي للمياه أشار أخيراً إلى ضرورة إعلان حالة طوارئ مائية في البلاد، وقال خبراء إنّ "مخزون المياه في السدود قد لا يكفي لتلبية احتياجات المواطنين لأسابيع معدودة بعدما بلغت نسبة الامتلاء 23.2 % تعادل 545.683 مليون متر مكعب، حتى أغسطس/ آب الماضي، في مقابل 736.634 مليون متر مكعب قبل 3 سنوات، ما يعني تسجيل انخفاض حاد مقداره 190.951 مليون متر مكعب".
أما المرصد الوطني للفلاحة فقال إن "نسبة امتلاء السدود بلغت 20.8 %، رغم تسجيل نسبة تساقطات كبيرة في عدّة مناطق خلال الفترة الأخيرة، والتي أحدثت فيضانات كبيرة، ما يكشف مجدداً سوء البنى التحتية في مدن عدة".
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد" قال الخبير في التنمية والموارد المائية حسين الرحيلي إنّ "نحو 10 ملايين متر مكعب من المياه وصلت إلى سدود تونس في الفترة الممتدّة من 28 أغسطس/ آب الماضي والتاسع من سبتمبر/ أيلول الماضي، ليرتفع مخزون المياه إلى 546 مليون متر مكعب"، علماً أنّ "إجمالي طاقة استيعاب السدود يُقدَّر بـ2.2 مليار متر مكعب من المياه".