ولعلّ السبب الرئيسي يعود إلى غياب التنسيق بين غارات التحالف، من جهة، وبين قوات برّية موجودة على الأرض، من جهة ثانية، كي تتقدّم في مناطق "داعش"، على قدم وساق مع الغارات، ما يرجّح أن يتم اللجوء إلى قوات "حماية الشعب" الكردية وفصائل مسلحة من عشائر المنطقة، لتكرار تجربة عين العرب وتل أبيض في ريف الرقة وسنجار العراقية أخيراً.
اقرأ أيضاً: هولاند يعد بتكثيف الحرب على "داعش" ويدعو لجلسة أمميّة
وبدت الغارات الفرنسية الانتقامية بلا بنك أهداف حقيقي، إذ إن معظم ما قصفته المقاتلات خلال اليومين الماضيين هي أهداف مدمرة أصلاً.
وتكشف مصادر سورية أن الغطاء الجوي الكثيف سيكون بمثابة تمهيد لاجتياح بري على نسق ما سبق وحصل في عين العرب وتل أبيض وسنجار، بالاتكال على القوة العسكرية الضاربة للأكراد الذين يثق بهم الغرب تماماً، وقد يكون صغر مساحة الرقة عاملاً مساهماً في نجاح هجوم بري محتمل، أوحت به تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بإشارته أمس إلى أن الغارات الفرنسية هي مجرد بداية للعملية الفرنسية. وفسّر كثيرون ما يشبه إعلان حظر التجوال في الرقة، إثر الغارات، بأنه سلوك احتياطي لعمليات برية محتملة.
وأحصى ناشطون محليون في المدينة استهداف الطائرات الفرنسية المنضوية ضمن التحالف الدولي نقاط "داعش"، في الرقة، بأربع وثلاثين غارة جوية. وأكد الناشطون مع مصادر محلية متقاطعة أن الغارات لم تسفر عن مقتل مدنيين، كما أنها كانت محدودة الأثر على تنظيم "داعش"، ذلك أن معظم مقرات التنظيم التي تم استهدافها أُخليت في وقت سابق من عناصر "داعش"، الذي ترك في كل منها عددا قليلا جداً من العناصر بهدف حراستها فقط.
وأكد الناشط محمود عبد الرزاق من مدينة الرقة لـ"العربي الجديد"، أن الغارات الجوية الفرنسية على الرقة مساء الأحد استهدفت الملعب البلدي ومبنى الأمن السياسي ومبنى فرع الهجانة وحاجز الفروسية، وحاجز "داعش" عند مدخل الرقة الجنوبي، ومعسكر الطلائع ومنطقة المداجن والفرقة السابعة عشرة شمال مدينة الرقة وغيرها. كما استهدف طيران التحالف مقاتلي "داعش"، الذين تسللوا مساء الأحد إلى أطراف مدينة عيسى شمال الرقة بثلاث غارات جوية ليجبرهم على الانسحاب.
وأشار عبد الرزاق إلى أنّ المقرّات التي استهدفتها الطائرات الفرنسية كانت شبه خالية من عناصر "داعش"، الذين باتوا يغيرون مقرّات إقامتهم في مدينة الرقة بشكل مستمر، ويتجنبون التجمع بأعداد كبيرة في مكان واحد خوفاً من استهداف طيران التحالف لهم.
وبدأ تنظيم "داعش" باستراتيجية إفراغ المقرّات المعروفة له في مناطق سيطرته بسورية منذ بدء غارات التحالف الدولي ضدّ مقرّاته في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول العام الماضي. كما قام منذ ذلك الوقت بإزالة حواجزه من على الطرق العامة في المناطق التي يسيطر عليها، ليستبدلها بحواجز أطلق عليها السكان اسم "الحواجز الطيارة" في إشارة إلى بقائها لمدّة لا تتجاوز الساعتين، إذ يعمد عناصر التنظيم إلى نصب حاجز بسيارتين مملوءتين بالمسلّحين لمدة ساعتين فقط قبل أن يركب مسلّحو التنظيم السيارتين ويغيروا مكان الحاجز.
واستثنى "داعش" من عملية إخلاء المقرّات ورفع الحواجز، السجون التي يديرها في مناطق سيطرته، بحيث أبقى على مسلّحيه بأعداد كبيرة فيها، مستخدماً السجناء الموجودين فيها كدروع بشرية تمنع طيران التحالف من استهداف هذه السجون بغارات عنيفة.
وجعل ذلك غارات التحالف الدولي على مناطق سيطرة "داعش" ذات أثر محدود، بالمقارنة مع العدد الكبير لهذه الغارات والتكلفة الكبيرة التي تتسبب بها للدول المنضوية في التحالف.
ولم تجبر غارات التحالف الدولي "داعش" على الانسحاب من أي مدينة يسيطر عليها، ويعود السبب بشكل رئيسي إلى عدم وجود قوات برّية تتقدّم على حساب مسلّحي "داعش"، بالتزامن مع غارات التحالف. بل إنّ غارات التحالف الدولي تسببت بخسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين المقيمين في مناطق سيطرة "داعش"، حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 122 مدنياً من سكان مناطق سيطرة "داعش"، بينهم 55 طفلاً و26 سيدة، نتيجة 24 غارة جوية للتحالف الدولي تسببت بمقتل مدنيين حصلت في الفترة الواقعة بين 18 فبراير/ شباط الماضي حتى 31 يوليو/ تموز الماضي.
وفي عدّة تجارب، نجح التنسيق بين قوات برّية، وقوات التحالف الدولي، بتكبيد "داعش" خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد نتيجة استهداف قواته التي تصبح مكشوفة على خطوط الاشتباك واستهداف خطوط إمداد هذه القوات.
ويرى مراقبون أن تجربة التنسيق بين طيران التحالف الدولي وقوات "حماية الشعب الكردية"، في مدينة عين العرب، مطلع العام الجاري هي الأكثر نجاحاً. إذ أجبر صمود القوات الكردية في المدينة تنظيم "داعش"، على الزجّ بأعداد كبيرة من مقاتليه فيها لإكمال السيطرة عليها، الأمر الذي أفسح المجال أمام طيران التحالف الدولي لاستهداف قوات "داعش" في المدينة وخطوط إمدادها إليها ثم مقتل أكثر من ألف مسلّح لـ"داعش"، بحسب تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان.
كما حصلت تجارب تنسيق أخرى بين طيران التحالف والقوات الكردية والقوات البرية الحليفة لها من المعارضة السورية، منها ما جرى في مدينة تل أبيض السورية، التي سيطرت عليها قوات كردية في منتصف شهر يونيو/ حزيران الماضي، بعد غارات عنيفة من طيران التحالف الدولي على مواقع "داعش" في المدينة وريفها، أجبرت قوات "داعش" على الانسحاب من المنطقة تاركة القوات الكردية تسيطر عليها.
وحصل وضع مشابه في مدينة الحسكة السورية ومحيطها منذ بداية شهر يوليو/تموز الماضي، حيث أجبرت غارات التحالف الدولي تنظيم "داعش" على التراجع من مناطق سيطرته بريف الحسكة الغربي، وتحديداً في منطقة ريف تل تمر ومنطقة جبل عبد العزيز وتم ذلك بفضل التنسيق بين طائرات التحالف الدولي والقوات البرية الكردية والعربية، التي كانت تقاتل "داعش" في المنطقة.
وتحاول قوات سورية الديمقراطية، التي تم تشكيلها الشهر الماضي في ريف الحسكة من ائتلاف واسع ضم مليشيات عربية وكردية وسريانية مسيحية سورية، وفي مقدّمتها قوات حماية الشعب الكردية وجيش الصناديد المكون من مقاتلين من عشيرة شمر العربية وقوات المجلس العسكري السرياني، القضاء على وجود "داعش" في ريفي الحسكة الشرقي والجنوبي بالتنسيق مع طيران التحالف الدولي في محاولة لتكرار تجربتي تل أبيض وعين العرب، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد.
اقرأ أيضاً: فرنسا تردّ على هجمات باريس وتحذّر من عمليات جديدة