10 ابريل 2019
السعودية شرقاً باتجاه الصين
شملت رحلة الملك سلمان بن عبدالعزيز دولاً آسيوية منها ماليزيا، إندونيسيا، سلطنة بروناي، واليابان، إلّا أنّ المحطة الخامسة والأخيرة متمثّلة في الصين كانت الأقوى أثراً من بين هذه الدول. فقد حظيت الزيارة إلى الصين باهتمام دولي كبير، حيث اعتبرها بعضهم تحوّلاً لبوصلة العلاقات من الغرب باتجاه الشرق. وقد لا يكون هذا التصوّر دقيقاً، إذا نظرنا إلى ما يتطلبه الواقع من تطوير العلاقات الخارجية السعودية، وإمكانية الانتقال بمرونةٍ غير متجاوزة للعلاقات مع أميركا التي بدأت تشوبها ظلالٌ من الريبة، فعلى الرغم من بوادر الدعم المتبادل بين أميركا والسعودية، إلّا أنّ الأخيرة تضع في اعتبارها المزاج المتقلّب للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وما يمكن أن يقود إليه موقفه من القضية الفلسطينية، بالضغط على السعودية، لإملاء الشروط الإسرائيلية.
استبقت الصين زيارة الملك سلمان بمحاولة إحداث اختراق في الملف السعودي الإيراني، وبوصفها صديقة لكلتا الدولتين، فقد أبدت استعدادها لتحقيق بعض التقارب. تحدث مراقبون عن مرونة الموقف السعودي، خصوصا في ما أبدته السعودية في التفاوض بشأن الحجاج الإيرانيين، وترحيب إيران بعرضٍ قدمته الكويت لإقرار الحوار والتفاهم في المنطقة.
وإن نجح الاختراق الصيني، فسيغيّر منحى التوجه الإيراني الذي كان يصرّ على بلوغ الحدود الثقافية لإيران، والتي تمتد من حدود الصين إلى الهند جنوباً، ومن القوقاز شمالاً إلى ساحل البصرة جنوباً. هذا غير حديث الأضابير الذي توجه من خدمة الفكر الشيعي إلى خدمة القومية الفارسية، ويدور حول العواصم الخمس التي تضم، بالإضافة إلى طهران، صنعاء، بيروت، دمشق وبغداد.
نقطة أخرى شكّلت علامة بارزة في برنامج الزيارة، وهي أنّها جاءت في إطار توجه المملكة نحو تنفيذ وتسريع خطوات رؤية 2030، بالتوقيع على مذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية،
بالتركيز على المجالات التي تتماشى مع رؤية المملكة، سواء في التعليم أو نقل التكنولوجيا أو الاستثمار أو توطين التكنولوجيا والصناعات. قد تطول قائمة المزايا والجهود الطموحة لدعم الانفتاح الاقتصادي الذي يماثل بشكلٍ من الأشكال انفتاح الصين مع بعض الخصائص لكل ّبلد. وتتداخل رؤية 2030، وهي خطة عريضة تهدف إلى النهوض باقتصاد المملكة وتنويعه، بدلاً من الاعتماد فقط على النفط، مع المبادرة الصينية المتمثلة في حزام وطريق الحرير، وربط قارات العالم القديم الثلاث، بشبكة بنية تحتية وتجارية ضخمة، تعود بالنفع على الشعوب والدول الواقعة على طول مساراتها.
أما لماذا الصين، وهي غالباً ما تُوصف بأنّها دولة ناشئة وُضعت بين البلدان النامية، أو دولة نامية بين الدول المتقدمة. الثابت أنّ لدى الصين بعض الاختلافات الكبيرة عن أي دولةٍ نامية أخرى، حيث أصبحت من أكبر اقتصاديات العالم، بامتلاكها 4 تريليونات دولار احتياطياً من النقد الأجنبي. كما تتمتع الصين بوفرة رأس المال، حيث رصدت وأنفقت مبالغ هائلة، للاستفادة من المؤن المالية المدعومة من الدولة لأغراض دبلوماسية واقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك، الصين هي أكبر مصنّع وتاجر في العالم، من حيث القيمة المضافة الإجمالية، كما أنّها تمتلك 17 ميناء من أكبر موانئ الشحن في العالم.
نجد أنّ الصين في أثناء المفاوضات الاقتصادية الدولية قد تُعجب بوصفها بالبلد النامي، وذلك محاولة منها لحماية قطاعاتها المحلية إلى أقصى حد ممكن، لتستمر عجلة العمل في الدوران، تصنيعاً وزراعة وتكنولوجيا وغيرها، ما يعني عمالة ماهرة، وخلو البلد من العطالة بأشكالها كافة. وهذه هي الحكمة في العمل والإدارة التي جعلت هذا البلد أكبر دائنٍ للولايات المتحدة الأميركية.
توازن السعودية بين علاقاتها مع أميركا والصين. وبشأن أميركا، فإنها تحتمي بوسائل ضغط
تتمثل في إمكانية سحب مليارات الدولارات من الاقتصاد الأميركي، وتجميد استثمارات الشركات الخاصة السعودية الأميركية، قبل أن تسن الولايات المتحدة تشريعات تخوّل السلطات الأميركية تجميد الأصول المالية السعودية بأوامر قضائية، بالإضافة إلى الضغط عبر سلاح النفط. كما أنّها بالنسبة للصين تضع حقائق مهمة في الاعتبار، للتعامل مع هذا التنين الناهض بقوة، وهي أنّ الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، وفقاً لمسجلي النقاط في صندوق النقد الدولي. وفي زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى السعودية مطلع العام الماضي، تم توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين.
وهذه المكانة الجيوسياسية التي تشهدها الصين هي بسبب جهودها الصاعدة، جنباً إلى جنب، مع قوتها الاقتصادية، مستفيدة من تبديد الولايات المتحدة زعامتها العالمية، بسبب جشع نخبها السياسية والاقتصادية وتعالي هذه النخب، ودخولها حروبا عديدة، خصوصا في الشرق الأوسط. كما أنّ الصين حققت نصراً اقتصادياً آخر، وهو إدراج عملتها اليوان لتأتي في سلة العملات الاحتياطية في العالم، وواحدة من العملات العالمية: الدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليورو الأوروبي، وذلك بعد أنّ استوفت الشروط، والتي بموجبها أقرّها المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي. وليس هذا فحسب، وإنّما هي مرشحة لأن تحتل المكانة الاقتصادية الأولى في العالم بحلول عام 2025.
لا ننسى أنّ الصين، وهي أكبر مستوردي النفط السعودي، ساهمت بقدرٍ كبير في الدفع بتعزيز هذه العلاقات مع السعودية، ودعم وجودها في الشرق الأوسط بشكل عام. قد يتحقق الطموح السعودي بشكلٍ ما، وفقاً لتطلعات الصين الساعية إلى النفوذ الدولي في المقام الاقتصادي، وذلك بترجمة سلوكها لتلبية مصلحتها الاقتصادية أولاً، وإن يغلّب ذلك من مفارقتها القيم الكونفوشيوسية، واستبدالها بالبراغماتية من دون أن يشعر أحد.
استبقت الصين زيارة الملك سلمان بمحاولة إحداث اختراق في الملف السعودي الإيراني، وبوصفها صديقة لكلتا الدولتين، فقد أبدت استعدادها لتحقيق بعض التقارب. تحدث مراقبون عن مرونة الموقف السعودي، خصوصا في ما أبدته السعودية في التفاوض بشأن الحجاج الإيرانيين، وترحيب إيران بعرضٍ قدمته الكويت لإقرار الحوار والتفاهم في المنطقة.
وإن نجح الاختراق الصيني، فسيغيّر منحى التوجه الإيراني الذي كان يصرّ على بلوغ الحدود الثقافية لإيران، والتي تمتد من حدود الصين إلى الهند جنوباً، ومن القوقاز شمالاً إلى ساحل البصرة جنوباً. هذا غير حديث الأضابير الذي توجه من خدمة الفكر الشيعي إلى خدمة القومية الفارسية، ويدور حول العواصم الخمس التي تضم، بالإضافة إلى طهران، صنعاء، بيروت، دمشق وبغداد.
نقطة أخرى شكّلت علامة بارزة في برنامج الزيارة، وهي أنّها جاءت في إطار توجه المملكة نحو تنفيذ وتسريع خطوات رؤية 2030، بالتوقيع على مذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية،
أما لماذا الصين، وهي غالباً ما تُوصف بأنّها دولة ناشئة وُضعت بين البلدان النامية، أو دولة نامية بين الدول المتقدمة. الثابت أنّ لدى الصين بعض الاختلافات الكبيرة عن أي دولةٍ نامية أخرى، حيث أصبحت من أكبر اقتصاديات العالم، بامتلاكها 4 تريليونات دولار احتياطياً من النقد الأجنبي. كما تتمتع الصين بوفرة رأس المال، حيث رصدت وأنفقت مبالغ هائلة، للاستفادة من المؤن المالية المدعومة من الدولة لأغراض دبلوماسية واقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك، الصين هي أكبر مصنّع وتاجر في العالم، من حيث القيمة المضافة الإجمالية، كما أنّها تمتلك 17 ميناء من أكبر موانئ الشحن في العالم.
نجد أنّ الصين في أثناء المفاوضات الاقتصادية الدولية قد تُعجب بوصفها بالبلد النامي، وذلك محاولة منها لحماية قطاعاتها المحلية إلى أقصى حد ممكن، لتستمر عجلة العمل في الدوران، تصنيعاً وزراعة وتكنولوجيا وغيرها، ما يعني عمالة ماهرة، وخلو البلد من العطالة بأشكالها كافة. وهذه هي الحكمة في العمل والإدارة التي جعلت هذا البلد أكبر دائنٍ للولايات المتحدة الأميركية.
توازن السعودية بين علاقاتها مع أميركا والصين. وبشأن أميركا، فإنها تحتمي بوسائل ضغط
وهذه المكانة الجيوسياسية التي تشهدها الصين هي بسبب جهودها الصاعدة، جنباً إلى جنب، مع قوتها الاقتصادية، مستفيدة من تبديد الولايات المتحدة زعامتها العالمية، بسبب جشع نخبها السياسية والاقتصادية وتعالي هذه النخب، ودخولها حروبا عديدة، خصوصا في الشرق الأوسط. كما أنّ الصين حققت نصراً اقتصادياً آخر، وهو إدراج عملتها اليوان لتأتي في سلة العملات الاحتياطية في العالم، وواحدة من العملات العالمية: الدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليورو الأوروبي، وذلك بعد أنّ استوفت الشروط، والتي بموجبها أقرّها المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي. وليس هذا فحسب، وإنّما هي مرشحة لأن تحتل المكانة الاقتصادية الأولى في العالم بحلول عام 2025.
لا ننسى أنّ الصين، وهي أكبر مستوردي النفط السعودي، ساهمت بقدرٍ كبير في الدفع بتعزيز هذه العلاقات مع السعودية، ودعم وجودها في الشرق الأوسط بشكل عام. قد يتحقق الطموح السعودي بشكلٍ ما، وفقاً لتطلعات الصين الساعية إلى النفوذ الدولي في المقام الاقتصادي، وذلك بترجمة سلوكها لتلبية مصلحتها الاقتصادية أولاً، وإن يغلّب ذلك من مفارقتها القيم الكونفوشيوسية، واستبدالها بالبراغماتية من دون أن يشعر أحد.