ويحرص الطرفان السعودي والعراقي في الآونة الأخيرة على الحديث عن فتح صفحة جديدة بين البلدين، تقوم على تجاوز نزاعات الماضي، وتأسيس أرضية صلبة للتفاهم والتعاون ضمن رؤية لتبادل المصالح الاقتصادية، ومواجهة الأخطار التي تواجهها المنطقة، وفي هذا الإطار جرى انعقاد مجلس التنسيق المشترك أمس في الرياض بحضور كل من رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، والعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وشارك في الأعمال أيضاً وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون.
جاء العبادي إلى السعودية على رأس وفد كبير يضم عشرة وزراء، وتم استقباله بحفاوة بالغة، في وقت كان يقوم بزيارة بغداد وفد اقتصادي سعودي كبير مكون من 200 شخصية برئاسة وزير النفط خالد الفالح، يرافقه رؤساء كبرى الشركات السعودية.
زيارة العبادي هذه هي الثانية للسعودية منذ حزيران /يونيو الماضي، حيث اعتبرت زيارته الأولى في ذلك الوقت تاريخية لأنها أول زيارة لرئيس حكومة عراقي إلى السعودية منذ 14 عاماً (منذ 2003)، وقد جاءت بعد أشهر من زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد في فبراير/شباط، وشكلت مدخلاً لتطبيع العلاقات في ظل أجواء الشحن الطائفي بين البلدين، وتدهور العلاقات السعودية الإيرانية التي تعد رقماً أساسياً في المعادلة العراقية السعودية، بالنظر إلى ما تملكه إيران من ثقل وتأثير خاصين في العراق.
يعمل رئيس الحكومة العراقية الحالي على تمييز أسلوبه في الحكم عن باقي السياسيين العراقيين القريبين من إيران، والذين تداولوا على السلطة بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، ويحرص أن يقدم نفسه على أنه رئيس وزراء العراق المستقل الذي يريد أن يقيم علاقات متكافئة ومتوازنة مع محيطه الإقليمي، بغض النظر عن النزاعات بين دول الإقليم، ولذلك توجه إلى طهران بعد زيارته الأولى للسعودية ليرسخ هذا التوجه، في الوقت الذي أكد فيه أن زيارة السعودية ليست لها علاقة بالأزمة الخليجية التي كانت في بدايتها، بسبب فرض حصار بري وجوي من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد قطر.
رغم أن إشارات التقارب العراقي السعودي كانت ملحوظة منذ بدايات الربيع الماضي، ولقاء الملك سلمان والعبادي على هامش القمة العربية في الأردن، فإن حضور الوزير تيلرسون لاجتماع التنسيق أمس يؤكد أن الولايات المتحدة صاحبة دور في هذا التطور، ولها مصلحة في قيامه ونجاحه.
وقد فسرت آراء بعض المراقبين أن مراد واشنطن من ذلك هو تشكيل موقف عربي ضد إيران، في إطار الاستراتيجية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حيال إيران في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، الأمر الذي تستبعده أوساط رئيس الوزراء العراقي، الذي لا تسمح له التوازنات العراقية الداخلية أن يقدم على خطوة من هذا النوع، وهو في نهاية المطاف يمثل "حزب الدعوة" القريب من إيران، ثم أنه على بعد 6 أشهر من الانتخابات التشريعية التي يستعد لخوضها من أجل ولاية ثانية، مسلحاً بانتصار العراق ضد "داعش"، وقد كان العبادي حريصاً في الرياض على الحديث بلغة مختلفة وبعيدة عن المحاور، وتقول أوساط مقربة منه إنه رفض أن يتناول علاقة العراق بإيران خلال وجوده في السعودية.
إذا قبلت السعودية أن تنفتح على العبادي من دون إملاءات وشروط مسبقة، وسار التنسيق العراقي السعودي وفق هذه الروحية، فإنه سوف يكون في صالح المنطقة، وسيقود حكماً إلى نزع فتيل التوتر ووضع حد لكثير من الأزمات، ومن ذلك أزمة الخليج التي افتعلتها دول الحصار ضد قطر.
وإذا كانت الرياض تنظر إلى الأمور بهذه الروحية فعليها إذن أن تغير موقفها من حصار قطر، وتبادر لوضع حد للأزمة المفتعلة، لأن ذلك سوف يقود حكماً إلى تفعيل عمل مجلس التعاون الخليجي الذي يشكل حالة متقدمة للتعاون بين دول المنطقة، ويمكنه أن يكون شريكاً أساسياً في التفاهم السعودي العراقي. وإذا لم يكن الأمر لا على هذا النحو، ولا ذاك، فإن الرياض ماضية في سياسة الكيل بمكيالين، قصيرة النظر، التي لا ترى مشاكل المنطقة من منظور استراتيجي، بل من زاوية آنية ضيقة تجلب الضرر عليها وعلى محيطها.