28 ديسمبر 2021
السلطة بين وعي الثورة وثورة الوعي
تشهد منظومة القيم التسلطية، على اختلاف أطيافها، السياسية والطائفية والحزبية، في كامل مجريات سلوكها اليومي، وعبر تكتيكاتها واستراتيجياتها المعتمدة للاستمرار بوظائفها الكفيلة بخدمة مصالحها الشخصية أولا، والخاصة ثانيا، والزبائنية ثالثا، عديدا من متلازمات الخداع والحيل الراسخة، الملازمة لمنظومة التسلط الفاسدة التي تجيدها وقد أجادتها تلك العائلات السلطوية، وما تفرّع منها وعنها من سلطويين صغار، يبدأون بالتدرّب على تلك المهنة التي لا مهنة لهم سواها.
هكذا أصبحت بلادنا مرتعا للسلطة وأهلها، ممن لا يشقّ لهم غبار، يجاريهم في تلك المهنة أهل سلطةٍ طائفيةٍ "ضامنة"، تشكل احتياطا وظهيرا للسلطة السياسية التي تكرّر ذاتها دونما مواربة، بقدر ما تأتيها بالحيل والمخادعات الكفيلة بإبقائها سيدة "المملكة القابضة" على السلطة في جمهورياتٍ لم تعد كذلك، كجمهوريات موز أميركا اللاتينية، وقد تحوّلت إلى جمهورياتٍ تهيمن عليها كارتيلات المخدرات والسلاح، وشراكاتها الزبائنية وتواطؤاتها في خدمة أنظمة العولمة الجديدة، كما في بلادنا، وهي تتحول اليوم إلى ممالك وملكيات تقدّس ذاتها، وتريد من "عبيدها" تقديم فروض وولاءات تقديسها، وتوظيف هذا كله في خدمة حليف إقليمي، لا يختلف عن حلفاء دوليين لهم سفاراتهم كذلك، جميعهم يتدخلون ويتداخلون في تدخلاتهم لدى "الممالك الطائفية" القائمة والمقيمة في دولٍ يفترض أنها جمهورية، هي السائدة اليوم في عدد من بلدان بلادنا الأكثر تبعية طائفية وسياسية، (لبنان والعراق وسورية واليمن)؛ السلطة فيها ليست سيادية ولا سياسية، بقدر ما هي طوائفية تزيد من منسوب تمذهبها مجدّدا، على وقع مصالح لها سياسية واقتصادية واجتماعية، تعاند عبرها ليس ما تدّعيه من أصولية مزعومة، بل ومرجعيات النصوص الدينية والتدينية كذلك.
وما نشهده اليوم في بلادنا، وفي غيرها من بلدانٍ تتماثل بنسب معينة حال السلطة فيها، وإن لم
تكن متشابهة، في مواجهة مشكلات ومعضلات عديدة متشابهة، هو نتاج لثورة في وعي الناس، وعي يؤسس لثورات تغييرية لم تعد تقتصر على النخب، بقدر ما بدأت الحراكات الشعبية والانتفاضات الجماهيرية تخلق نخبا قيادية لها، تحاول الانتظام في أطر أوسع، تقود تلك الانتفاضات وتبرمج أهدافها المباشرة والقريبة، ولكنها لا تساوم على تلك الأهداف، وصولا إلى تحقيقها بالكامل، كما في نموذج الثورة الخضراء في إيران، وهي تراكم عناصر فوزها في جولاتٍ من انتفاضات جماهيرية، تواصل نهجا ثوريا انحرفت عنه عناصر سلطة النظام الثيوقراطي، ببازاره ومؤسساته العسكريتارية والأمنية، ليتحوّل ويحوّل معه كل محالفيه والمتحالفين معه، إلى قوى معادية للثورة، في أماكن عديدة يهدف هذا النظام إلى استتباعها بالكامل، لا الاكتفاء بتقديمها فروض الولاء والطاعة، بل وخوض معارك المشروع الثيوقراطي وأهدافه حتى بعيدة المدى، في وقتٍ لا يتراجع المشروع الأميركي، بقدر ما يتقدّم حتى في المناطق التي يهيمن فيها أصدقاء المشروع الثيوقراطي. بل ويتقدّم كذلك بمساوماتٍ ودّية تتلاقى عبرها مصالح طرفي التنافس الإقليمي والدولي، لتثبيت عناصر نفوذهما في المنطقة وعبر العالم.
ويلاحظ اليوم أن حركات الاحتجاج والانتفاض الشعبي وحراكاتهما، لم تعد ذات نفس قصير، نظرا لمعاناة الناس الذين يكتوون يوميا بمظالم لا حصر لها، وهي تتسع باضطراد، ونظرا إلى أن النخب السياسية والحزبية والطائفية والفئوية استمرأت وجودها في السلطة، بحيث باتت مهنتها الوحيدة وإرثها الأوحد القابل للتوريث للأبناء وللأحفاد كذلك، كما هو حال سلطات سياسية وعائلية وطائفية وفئوية في عدد من بلداننا المحكومة لإرثٍ من التقاليد القديمة، يجري تحديثها وتجديدها كلما أمكن ذلك في غياب حركةٍ شعبيةٍ منظمة، كما في غيبة وعي جماهيري ونخب يمكنها تأطير هذا الوعي في حراك منظم.
بالإضافة إلى ذلك، تتسم الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية ضد سلطة النخب السياسية التقليدية والطائفية، باشتراكها في معاداة السلطة التي أثبتت فسادها وعدم أهليتها للقيام بوظائفها ومهامها المفترض تقديمها خدماتٍ لصالح المواطنين من أبناء الشعب، في وقتٍ تشهد وقائع ووثائق عديدة مدى معاندة السلطة لكل هذه الوظائف والمهام واستقالتها منها، والانقلاب عليها، وانكشاف فضائح سرقاتها ونهبها المال العام، وبالتالي عدم أهلية السلطة العالمثالثية للحكم في بلاد استبداد البلاد والعباد، وتحويل هؤلاء الأخيرين إلى سلطاتٍ طائفيةٍ وزعاماتيةٍ سياسية، لا هم لها سوى تلبية طموحات وأطماع نخب تسلطية استبدادية، تعادي حكم الشعب والديمقراطية وأحكام العدالة والنزاهة، في بلادٍ تفتقد وجود تجاربها وخبراتها الهادفة لإقامة حكم رشيد، مرجعيته الشعب ومجتمع يستطيع أن ينتج نخبا وشرائح وفئات طبقية ناضجة وعيا وفكرا، بدون خضوعه للسلطة التقليدية وسلطات الطوائف ومتمذهبيها، الغارقين في ملذّات استغلالهم ما جادت به النصوص
الموجهة للحشود غير المنظمة، وغير الواعية لما قامت وتقوم عليه أسس المذاهب السياسية أو الدينية التي لا علاقة لها بأي أصل فلسفي سياسي أو ديني أو تديني حتى، بقدر ما لها علاقة جوهرية بجوهر السلطة؛ سلطة التتبيع والاستتباع، وسلطة الهيمنة التي استمد ويستمد منها سلطويونا الأشاوس فجورهم المخزي وعهرهم المكشوف، مما بات يستدعي أكثر من ثورةٍ في الشارع، شارع الشعب الذي عاش وسط القهر منذ زمن طويل من حياة أجياله، إلى أن حانت اليوم ساعة غضب شعوبٍ، لا تساوم ولن ترحم بعد اليوم عبّاد السلطة القهرية التي أدمنت وامتهنت (من المهنة) سلطاتها تلك التي انتزعت من شعوبها طمأنينة الوطن والمواطنة.
لهذا لم يبق أمام شعوب هذه البلاد إلا أن تنتفض وتثور في مواجهة سلطة المليشيا والأحزاب السياسية والطائفية ونخبها التي هيمنت على سلطات الدولة، واستبدلت تلك السلطات بسلطات أحزابها ومليشياتها، منتهكةً كامل حقوق أبناء الشعب، ومتورّطة بعديدٍ من قضايا الفساد والنهب وإفقار الناس وإفلاس الخزينة العامة، جرّاء سياساتٍ تراكمت إلى الحد الذي ما عاد يمكن أن يطاق، وهذا هو حال لبنان والعراق وحتى إيران، في ظل وجود مشتركاتٍ تسم السلطة في هذه البلدان، كونها تعيش حالة اغترابٍ وظلم ومظلومية لا حصر لها، ولم يعد ممكنا علاج مشكلاتها عن طريق الشعارات، أو الادّعاء بالحاجة إلى إصلاحاتٍ ضروريةٍ فات زمانها وأوانها. واتضح اليوم، كما بالأمس، أن نيات سلطاتٍ كالتي نعيش في كنفها ليست مهيأةً لأي إصلاحٍ أو تغيير، أو التزام الدستور وحرية الرأي والتعبير والديمقراطية، بقدر ما هي سلطاتٌ تخادع وتناور من أجل احتفاظها بسلطتها القهرية إلى ما لا نهاية، طالما أن اعتمادها على ما يبقيها على قيد الحياة لا يعتمد على رأس السلطة، قدر اعتمادها على سلطةٍ عميقةٍ تتناسل وتتسع باضطراد، واتساع عمليات النهب والسلب والجعالات المنهوبة من الخزينة العامة، وتجذير حال التسلط القمعي والإرهابي في مؤسسات دولةٍ منكوبةٍ بالنهب والفساد والتسلط والاستبداد.
إجمالا نحن اليوم أمام حاصل صراع سياسي يحتدم بين إرادتي السلطة والشعب، سلطة محاصصات سياسية وطائفية وفئوية، ترتهن لعلاقاتٍ إقليميةٍ تتجاوز، في جوهرها، شكل العلاقات الزبائنية ومضمونها، نحو شراكة استتباعية تقوم على قاعدة تنفيذ مشاريع لا وطنية مشبوهة، وكونها لا تسعى إلى المساهمة في خدمة وطن المواطنين، فهي لا تقيم وزنا لا لوطن ولا لمواطنة، ولا لأي أهدافٍ وطنية، لا لشعبٍ ولا لدولةٍ مدنية أو مواطنية. وإن كانت تلك الدولة مستعصية الآن، فهي تبقى ضرورةً أكثر إلحاحا للوصول إليها، ومشروعا يمكن تحقيقه في وقت آخر، نتاجا لكفاحات شعوبٍ تتوق لاستعادة حرياتها وكراماتها المهدورة، على أيدي نخب التحاصصات السياسية والطائفية والفئوية التي فشلت في تسيير قطار الدولة الوطنية والمواطنية، طوال أعوام الخراب والاستبداد وتدمير البلاد.
وما نشهده اليوم في بلادنا، وفي غيرها من بلدانٍ تتماثل بنسب معينة حال السلطة فيها، وإن لم
ويلاحظ اليوم أن حركات الاحتجاج والانتفاض الشعبي وحراكاتهما، لم تعد ذات نفس قصير، نظرا لمعاناة الناس الذين يكتوون يوميا بمظالم لا حصر لها، وهي تتسع باضطراد، ونظرا إلى أن النخب السياسية والحزبية والطائفية والفئوية استمرأت وجودها في السلطة، بحيث باتت مهنتها الوحيدة وإرثها الأوحد القابل للتوريث للأبناء وللأحفاد كذلك، كما هو حال سلطات سياسية وعائلية وطائفية وفئوية في عدد من بلداننا المحكومة لإرثٍ من التقاليد القديمة، يجري تحديثها وتجديدها كلما أمكن ذلك في غياب حركةٍ شعبيةٍ منظمة، كما في غيبة وعي جماهيري ونخب يمكنها تأطير هذا الوعي في حراك منظم.
بالإضافة إلى ذلك، تتسم الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية ضد سلطة النخب السياسية التقليدية والطائفية، باشتراكها في معاداة السلطة التي أثبتت فسادها وعدم أهليتها للقيام بوظائفها ومهامها المفترض تقديمها خدماتٍ لصالح المواطنين من أبناء الشعب، في وقتٍ تشهد وقائع ووثائق عديدة مدى معاندة السلطة لكل هذه الوظائف والمهام واستقالتها منها، والانقلاب عليها، وانكشاف فضائح سرقاتها ونهبها المال العام، وبالتالي عدم أهلية السلطة العالمثالثية للحكم في بلاد استبداد البلاد والعباد، وتحويل هؤلاء الأخيرين إلى سلطاتٍ طائفيةٍ وزعاماتيةٍ سياسية، لا هم لها سوى تلبية طموحات وأطماع نخب تسلطية استبدادية، تعادي حكم الشعب والديمقراطية وأحكام العدالة والنزاهة، في بلادٍ تفتقد وجود تجاربها وخبراتها الهادفة لإقامة حكم رشيد، مرجعيته الشعب ومجتمع يستطيع أن ينتج نخبا وشرائح وفئات طبقية ناضجة وعيا وفكرا، بدون خضوعه للسلطة التقليدية وسلطات الطوائف ومتمذهبيها، الغارقين في ملذّات استغلالهم ما جادت به النصوص
لهذا لم يبق أمام شعوب هذه البلاد إلا أن تنتفض وتثور في مواجهة سلطة المليشيا والأحزاب السياسية والطائفية ونخبها التي هيمنت على سلطات الدولة، واستبدلت تلك السلطات بسلطات أحزابها ومليشياتها، منتهكةً كامل حقوق أبناء الشعب، ومتورّطة بعديدٍ من قضايا الفساد والنهب وإفقار الناس وإفلاس الخزينة العامة، جرّاء سياساتٍ تراكمت إلى الحد الذي ما عاد يمكن أن يطاق، وهذا هو حال لبنان والعراق وحتى إيران، في ظل وجود مشتركاتٍ تسم السلطة في هذه البلدان، كونها تعيش حالة اغترابٍ وظلم ومظلومية لا حصر لها، ولم يعد ممكنا علاج مشكلاتها عن طريق الشعارات، أو الادّعاء بالحاجة إلى إصلاحاتٍ ضروريةٍ فات زمانها وأوانها. واتضح اليوم، كما بالأمس، أن نيات سلطاتٍ كالتي نعيش في كنفها ليست مهيأةً لأي إصلاحٍ أو تغيير، أو التزام الدستور وحرية الرأي والتعبير والديمقراطية، بقدر ما هي سلطاتٌ تخادع وتناور من أجل احتفاظها بسلطتها القهرية إلى ما لا نهاية، طالما أن اعتمادها على ما يبقيها على قيد الحياة لا يعتمد على رأس السلطة، قدر اعتمادها على سلطةٍ عميقةٍ تتناسل وتتسع باضطراد، واتساع عمليات النهب والسلب والجعالات المنهوبة من الخزينة العامة، وتجذير حال التسلط القمعي والإرهابي في مؤسسات دولةٍ منكوبةٍ بالنهب والفساد والتسلط والاستبداد.
إجمالا نحن اليوم أمام حاصل صراع سياسي يحتدم بين إرادتي السلطة والشعب، سلطة محاصصات سياسية وطائفية وفئوية، ترتهن لعلاقاتٍ إقليميةٍ تتجاوز، في جوهرها، شكل العلاقات الزبائنية ومضمونها، نحو شراكة استتباعية تقوم على قاعدة تنفيذ مشاريع لا وطنية مشبوهة، وكونها لا تسعى إلى المساهمة في خدمة وطن المواطنين، فهي لا تقيم وزنا لا لوطن ولا لمواطنة، ولا لأي أهدافٍ وطنية، لا لشعبٍ ولا لدولةٍ مدنية أو مواطنية. وإن كانت تلك الدولة مستعصية الآن، فهي تبقى ضرورةً أكثر إلحاحا للوصول إليها، ومشروعا يمكن تحقيقه في وقت آخر، نتاجا لكفاحات شعوبٍ تتوق لاستعادة حرياتها وكراماتها المهدورة، على أيدي نخب التحاصصات السياسية والطائفية والفئوية التي فشلت في تسيير قطار الدولة الوطنية والمواطنية، طوال أعوام الخراب والاستبداد وتدمير البلاد.