وعلى الرغم من ذلك، يشير إلى تحسن طرأ في ما يتعلق بأزمة السيولة، التي انعدمت في عهد نظام البشير، وكذلك انفراج في الخبز والمشتقات البترولية، لافتاً إلى إنجاز للثورة يتثمّل في استعادة القضاء السوداني ثقة الشعب فيه، مستشهداً بالأحكام الرادعة التي صدرت، الإثنين الماضي، بإعدام 29 من منسوبي جهاز الأمن، دينوا بالتورط في قتل وتعذيب المعلم أحمد الخير بمدينة خشم القربة شرق السودان. ويرى أن القضاء المستقل هو ركيزة أساسية في إنجاح الفترة الانتقالية، متوقعاً أن يكون 2020 عاماً لتحقيق مزيد من العدالة الانتقالية في حق كل من أجرم من رموز النظام السابق، وبداية التعافي السوداني في شتى المجالات، ونهاية الضائقة الاقتصادية باستعادة كل الأموال المنهوبة، والاستفادة من بنود صرف كان يُهدرها النظام السابق على أنصاره وحزبه والمسؤولين في الدولة.
ويتفق غالبية السودانيين مع خالد في تطلعاته وأحلامه، إذ أوجدت الثورة السودانية وتشكيل الحكومة المدنية آمالا بنهاية مرحلة التشاؤم وبدء صفحة جديدة في البلاد، تستمر طوال الفترة الانتقالية المناط بها تحقيق السلام والتحول الديمقراطي وإصلاح حال الاقتصاد، وصولاً إلى آخر هدف، وهو قيام انتخابات حرة وديمقراطية نزيهة وشفافة. من جهتها، تركز إحسان عبد العزيز، القيادية في "الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال" وهي حركة ظلت تقاتل نظام البشير منذ 2011، على أولوية ملف تحقيق السلام في البلاد خلال 2020، لأنه وحسب تقديرها، لن يتحقق استقرار أمني وسياسي ورخاء اقتصادي في السودان من دون وقف الحرب وتحقيق السلام الشامل والعادل. وتشدد، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أهمية توفر الإرادة السياسية لدى كل الأطراف، بما يشمل الحكومة ومكونها العسكري خصوصاً، والحركات المسلحة و"تحالف الحرية والتغيير"، مشيرة إلى أن تحقيق السلام ليس عملية صعبة ويمكن إنجازه خلال العام الجديد. وتؤكد، بصفتها قيادية في "الحركة الشعبية" و"تحالف الجبهة الثورية"، أنهم يمدون أيادي بيضاء وبقلوب مفتوحة للآخرين خلال هذا العام لوقف الحرب والعمل معاً على إعادة بناء السودان على أسس جديدة.
وتتفق عبد العزيز مع حديث عزمي خالد لجهة فرص وآمال إنجاز ملف العدالة الانتقالية خلال 2020، مستدلة أيضاً بالحكم الصادر ضد عناصر جهاز الأمن. في جانب آخر، توضح أن المرأة السودانية تدخل العام 2020 بتحديات كبيرة أهمها مشاركتها في صنع السلام والتحول الديمقراطي. وانتقدت بشدة نسبة تمثيل المرأة في مؤسسات الحكم الانتقالية، على الرغم من أن مشاركة المرأة تصل إلى 70 في المائة من جملة المشاركين في الحراك الثوري ضد نظام البشير، إضافة إلى تقديم أبنائها وبناتها شهداء من أجل الثورة وقيمها. وتشير، في السياق، إلى أن "تحالف الحرية والتغيير" الحاكم "رشح في الأيام الماضية ولاة، لكن الترشيح اقتصر على الرجال فقط، ما يُعد تجاوزاً لمبدأ التمثيل العادل للمرأة"، مؤكدة أن المرأة لن تترك ذلك الخطأ وستواجهه في العام 2020 وتضعه ضمن تحدياتها الأخرى.
على الضفة الأخرى، يرسم المحامي عمر كابو صورة قاتمة للسودان في العام الجديد، مؤكداً أنه لن يكون أمل في تحقيق تطلعات التنمية والاستقرار إلا عبر إنجاز مشروع المصالحة الشاملة والتسوية السياسية الكامل، باعتباره الطريق الوحيد والأوحد للوصول إلى حالة الاستقرار المنشود، والذي هو المدخل المرضي والطبيعي لإنجاز التنمية المستدامة. ويضيف كابو، لـ"العربي الجديد"، أن التحدي الثاني هو البحث عن مشروع السلام، بما يكمل التحدي الأول، ولا ينفصل عنه ومن دونه ستبقى الأوضاع كما هي، مشدداً على "ضرورة بناء منظومة أخلاقية تنقل البلاد إلى مرحلة الاستعداد لانتخابات مبكرة". ويطالب بصياغة خطاب سياسي رشيد ينبذ العنف ولغة الكراهية ويزيل حالة الاحتقان. ويوضح كابو أن الملف الاقتصادي هو الذي عجّل برحيل نظام البشير، وإذا لم تهتم به الحكومة الجديدة فستكون عواقب ذلك وخيمة على الشعب، مقترحاً إقامة مؤتمر اقتصادي خلال 2019 تدعو له الحكومة كل الاقتصاديين السودانيين والخبراء الذين ينتشرون في العالم لوضع رؤية متكاملة، تعيد هيكلة الاقتصاد وترتب الأولويات وتجد إجابات واضحة لمشاكل السودان الاقتصادية.
في المقابل، يراهن القيادي في "تحالف الحرية والتغيير" شريف محمد عثمان، على إرادة ورغبة وقدرة الحكومة الانتقالية على تحقيق كل ما يحلم به السودانيون في عامهم الجديد، سواء ما يختص بالسلام والعدالة الانتقالية والرخاء الاقتصادي. ويوضح، لـ"العربي الجديد"، أن كل مكونات التحالف والحكومة تمضي في عمل دؤوب لتحقيق شعارات الثورة، المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة وتحسين الوضع المعيشي للسودانيين، والاستفادة من كل الفرص الاقتصادية وزيادة الإنتاج وجودته، وتخفيف وطأة الفقر وتوظيف الشباب وغيرها من التطلعات الاقتصادية. ويضيف أن موضوع المصالحة السياسية والتسوية بين الجميع غير مطروح الآن مع النظام السابق، لا بالنسبة لـ"الحرية والتغيير" ولا جموع الشعب السوداني.
أما الصحافي ياسر كردي فيشير إلى أن حلمه كان رحيل نظام البشير وعصابته إلى مزبلة التاريخ، مضيفاً "لأنَّ النَّفْس البشرية مجبولة على سقف الأُمنيات المفتوحة، فها نحن نفرح بإنجاز ثورة شعبية عظيمة وضعنا لبِنَتها في التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2018 وقطفنا ثمارها في 11 إبريل/نيسان الماضي، وما زلنا نواصل كرنفالات الأفراح بذلك النصر الذي تحقَّق على نظام شمولي دموي، كان يمكن أن يبيد نصف شعبه ليبقى هو في سُدَّة الحكم". ويشير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "سقف الأمنيات يصل إلى أن يعُمَّ السلام أرجاء الوطن، لأن الحرب والتنمية المُستدامة خطان متوازيان يستحيل لقاؤهما، وبالتالي نفوس السودانيين تتوق لأنَّ تحتكم حركات الكفاح المُسلَّح لصوت العقل، وأن تقدِّم حكومة الفترة الانتقالية الغالي والرخيص من أجل تحقيق السلام"، مضيفاً "إذا اجتمع السودانيون على كلمة سواء، وسكت صوت البُندقية، فكل الآمال ستتّجهُ إلى بناء دولة المؤسسات التي دمَّرها تدميراً كاملاً وبشكل ممنهج النظام البائد". ويلفت كردي إلى أن الشعب كله يطمح في العام الجديد والأعوام التي تليه أن ينطلقَ قطار الاقتصاد، خصوصاً أن كل المقومات موجودة، من معادن يضيق بها باطن الأرض وثروة حيوانية هائلة وأراض خصبة فيما كانت الإدارة الرشيدة مفقودة طيلة 3 عقود، معبراً عن تطلعه لتطبيق الشعارات التي رفعتها حكومة الفترة الانتقالية، بمجانية التعليم، لأنَّ معظم الدول التي وصلت إلى مصاف التقدُّم إنما بلغت ذلك بالاستثمار في العُنصر البشري.