في خطوة مفاجئة، أقرّ مجلس النواب السوداني قبل يومين، تعديلات دستورية وصلت إلى 18 تعديلاً، وفي مقدّمتها تعديل يتصل بمهام ووظائف جهاز الأمن السوداني وتحويله من خانة جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة بشأنها إلى قوات نظامية معترف بها ذات مهام عسكرية وسياسية واقتصادية، مع منح الأمن ضوءاً أخضر في إنشاء المحاكم الخاصة به.
وشكّلت التعديلات مفاجأة لمعظم الأحزاب السياسية، بما فيها "المؤتمر الشعبي" المعارض بزعامة حسن الترابي، وحركة "الإصلاح الآن" برئاسة غازي صلاح الدين ولا سيما أنّ التعديلات المتصلة بوظائف الأمن لم تكن معلنة أو متوقعة. ولم تأت ضمن التعديلات الثلاثة التي أودعها الرئيس السوداني عمر البشير أمام البرلمان في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والمتعلقة بتعيين حكام الولايات من قبل رئيس الجمهورية بدلاً من انتخابهم عبر الشعب، إلى جانب تعديل يتصل بمنح قرارات الرئيس حصانة ضدّ الطعن فيها من قبل المحكمة الجنائية، إضافة إلى تعديل ثالث مرتبط بالأراضي الاستثمارية.
وصادق البرلمان على التعديل المرتبط بمهام الأمن يوم لأحد الماضي، وأصبح ساري المفعول فور التوقيع عليه من قبل الرئيس عمر البشير، وهو ينصّ على أن يكون جهاز الأمن قوة نظامية قومية مثلها مثل القوات المسلّحة، مهمتها رعاية الأمن الوطني الداخلي والخارجي ورصد الوقائع المتصلة بذلك وتحليلها واتخاذ التدابير الوقائية منها إلى جانب إنشاء محاكم خاصة.
كما شملت مهام الأمن مكافحة التهديدات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الإرهاب والجرائم العابرة للحدود.
وفجّر التعديل المرتبط بالأمن أزمة بين المؤتمرين "الوطني" الحاكم و"الشعبي" المعارض بزعامة حسن الترابي، بعدما شهدت العلاقة بينهما تقارباً واضحاً خلال الفترة الماضية. وانسحب نواب "المؤتمر الشعبي من جلسات البرلمان التي خصصت لمناقشة التعديلات احتجاجاً، ورهنت الكتلة استنئاف الجلسات بتراجع البرلمان عن التعديلات والنظر فقط في التعديلات الثلاث التي أودعها البشير.
وأكّدت مصادر داخل "المؤتمر الشعبي" لـ"العربي الجديد " أنّ الحزب تفاجأ بالتعديلات الخاصة بالأمن، الأمر الذي شكل صدمة وخيبة لديهم رغم محاولاتهم وتشبثهم بقضية الحوار، مشيرةً إلى أنّ "الشعبي" بدأ فعلياً في مراجعة وتقييم موقفه من الحوار والعودة إلى مربع المعارضة.
وبحسب "المؤتمر الشعبي"، فإنّ التعديلات المرتبطة بالأمن خطيرة وتعزّز من القبضة الأمنية، وتمثل تراجعاً عما جرى الاتفاق عليه في الحوار. وقال رئيس كتلة المؤتمر الشعبي في البرلمان إسماعيل حسين فضل، في مؤتمر صحافي، إنّ التعديلات عمدت الى تقنين ما يقوم به الأمن حالياً من اعتقال وغيره، وتمثل تغييراً جذرياً في وظيفة الأخير، وتجعله الحكم والخصم في وقت واحد فضلاً عن تحويله إلى قوة نظامية، كما هو حال القوات المسلّحة والشرطة، الأمر الذي من شأنه أن يغير طبيعة الدولة لتصبح بوليسية "بحتة".
وانتقد بشدّة إبقاء الجهاز تحت إشراف رئيس الجمهورية دون البرلمان، رغم التعديلات الضخمة التي تمت لوظائفه، وأوضح "هل يعقل بعدما نال الأمن صلاحيات الشرطة والنيابة والجيش ألا يخضع لرقابة البرلمان؟"
وينظر مراقبون إلى التعديلات الجديدة المتصلة بالأمن على أنّها تمثل عودة لأيام النظام الأولى، التي أعقبت الانقلاب العسكري في يونيو/حزيران 1979، ويرون أنّها ستحكم القبضة الأمنية على البلاد. وتُطلق يد الأمن من دون أن يجرؤ أحد على انتقاده باعتبار أنّ الأمر أصبح مقنناً وفقاً للدستور.
واللافت في التعديلات أنها تعترف بقوات الدعم السريع "الجنجويد" المثيرة للجدل، والتي تعد جزءاً من جهاز الأمن، وكان عليها اعتراض سابقاً وشكوك حول دستوريتها، على اعتبار أن الدستور لا يسمح لجهاز الأمن بتكوين قوات مقاتلة ويختصر مهامه في جمع المعلومات وتحليلها فقط.
وتؤثر التعديلات بشكل مباشر على عملية الحوار، خصوصاً أنّ الأحزاب المعارضة، التي رضيت بالحوار تطمح إلى إقناع الحزب الحاكم بإلزام الأمن بمهام جمع المعلومات وتحليها فقط، وفقاً للدستور، دون أن يلجأ الى الاعتقالات أو إغلاق الصحف ومصادرتها.
بدوره، وجّه نائب رئيس حركة "الإصلاح الآن"، حسن رزق، انتقادات لاذاعة للتعديلات وقال لـ"العربي الجديد": "كنا نعترض على قانون جهاز الأمن الذي نعتبره مخالفاً للدستور باعتبار أنه يمنح الأمن الحق في التدخل في كل صغيرة وكبيرة". وأضاف "والآن يراد له أن يصبح قوة نظامية مما يحيله إلى قوة أكبر بدلاً من إضعافه".
وقال "واضح أن الدولة تريد أن تحمي نفسها بالقوة الأمنية وتصبح دولة أمنية قمعية".
وفي السياق نفسه، رأى المحلل السياسي عبدالمنعم أبو إدريس، أن أخطر التعديلات الفقرة التي تتحدث عن مهام الأمن في حماية البلاد من التهديدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى مكافحة الجريمة العابرة للحدود، باعتبار أنها تترك للأمن تفسير التهديدات، وفقاً لرؤيته مما يمثل تهديداً للعملية السياسية، مشيراً إلى أنّ الأمن يتمدّد في سلطاته وتفويضه ليتحول عملياً الى جهاز مسيطر ويتحكم في كل شيء.
في المقابل، لم تجد رئيسة اللجنة البرلمانية التي نظرت في التعديلات بدرية سليمان، أنّ تلك التعديلات حملت جديداً، مؤكّدةً أنّ التعديل المرتبط بقانون الأمن نقل حرفياً من دستور البلاد لعام 1998 والذي سبق دستور 2005 الذي يحكم البلاد حالياً وسنّ بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل مع الحركة "الشعبية" بقيادة جون قرنق، موضحة أن الحال عاد إلى ما قبل اتفاقية السلام.
ودافع القيادي في المؤتمر الوطني وعضو اللجنة البرلمانية محمد الحسن الأمين عن التعديلات، وقال لـ"العربي الجديد": "لا جديد في التعديلات، وانما هي تقنين للوضع الماثل الآن، لأن الأمن بالفعل لديه قوات مقاتلة".
وأوضح "كما أن وضع السودان مختلف، لذا نجد أن حماية الأمن الداخلي مسؤولية الشرطة، غير أنّ الجيش يتدخل لقتال المتمردين لأنهم مجهزون بأسلحة قتالية، والجيش نفسه استعان بالأمن، والأخير طور قواته وسلّحها، لذا لا بد أن يُعترف له بهذه القوات، ويُعطى لها حق دستوري". غير أنّه قال إن الوضع استثنائي بسبب الظرف الذي تمرّ به البلاد".
وشكّلت التعديلات مفاجأة لمعظم الأحزاب السياسية، بما فيها "المؤتمر الشعبي" المعارض بزعامة حسن الترابي، وحركة "الإصلاح الآن" برئاسة غازي صلاح الدين ولا سيما أنّ التعديلات المتصلة بوظائف الأمن لم تكن معلنة أو متوقعة. ولم تأت ضمن التعديلات الثلاثة التي أودعها الرئيس السوداني عمر البشير أمام البرلمان في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والمتعلقة بتعيين حكام الولايات من قبل رئيس الجمهورية بدلاً من انتخابهم عبر الشعب، إلى جانب تعديل يتصل بمنح قرارات الرئيس حصانة ضدّ الطعن فيها من قبل المحكمة الجنائية، إضافة إلى تعديل ثالث مرتبط بالأراضي الاستثمارية.
وصادق البرلمان على التعديل المرتبط بمهام الأمن يوم لأحد الماضي، وأصبح ساري المفعول فور التوقيع عليه من قبل الرئيس عمر البشير، وهو ينصّ على أن يكون جهاز الأمن قوة نظامية قومية مثلها مثل القوات المسلّحة، مهمتها رعاية الأمن الوطني الداخلي والخارجي ورصد الوقائع المتصلة بذلك وتحليلها واتخاذ التدابير الوقائية منها إلى جانب إنشاء محاكم خاصة.
كما شملت مهام الأمن مكافحة التهديدات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الإرهاب والجرائم العابرة للحدود.
وفجّر التعديل المرتبط بالأمن أزمة بين المؤتمرين "الوطني" الحاكم و"الشعبي" المعارض بزعامة حسن الترابي، بعدما شهدت العلاقة بينهما تقارباً واضحاً خلال الفترة الماضية. وانسحب نواب "المؤتمر الشعبي من جلسات البرلمان التي خصصت لمناقشة التعديلات احتجاجاً، ورهنت الكتلة استنئاف الجلسات بتراجع البرلمان عن التعديلات والنظر فقط في التعديلات الثلاث التي أودعها البشير.
وأكّدت مصادر داخل "المؤتمر الشعبي" لـ"العربي الجديد " أنّ الحزب تفاجأ بالتعديلات الخاصة بالأمن، الأمر الذي شكل صدمة وخيبة لديهم رغم محاولاتهم وتشبثهم بقضية الحوار، مشيرةً إلى أنّ "الشعبي" بدأ فعلياً في مراجعة وتقييم موقفه من الحوار والعودة إلى مربع المعارضة.
وبحسب "المؤتمر الشعبي"، فإنّ التعديلات المرتبطة بالأمن خطيرة وتعزّز من القبضة الأمنية، وتمثل تراجعاً عما جرى الاتفاق عليه في الحوار. وقال رئيس كتلة المؤتمر الشعبي في البرلمان إسماعيل حسين فضل، في مؤتمر صحافي، إنّ التعديلات عمدت الى تقنين ما يقوم به الأمن حالياً من اعتقال وغيره، وتمثل تغييراً جذرياً في وظيفة الأخير، وتجعله الحكم والخصم في وقت واحد فضلاً عن تحويله إلى قوة نظامية، كما هو حال القوات المسلّحة والشرطة، الأمر الذي من شأنه أن يغير طبيعة الدولة لتصبح بوليسية "بحتة".
وانتقد بشدّة إبقاء الجهاز تحت إشراف رئيس الجمهورية دون البرلمان، رغم التعديلات الضخمة التي تمت لوظائفه، وأوضح "هل يعقل بعدما نال الأمن صلاحيات الشرطة والنيابة والجيش ألا يخضع لرقابة البرلمان؟"
وينظر مراقبون إلى التعديلات الجديدة المتصلة بالأمن على أنّها تمثل عودة لأيام النظام الأولى، التي أعقبت الانقلاب العسكري في يونيو/حزيران 1979، ويرون أنّها ستحكم القبضة الأمنية على البلاد. وتُطلق يد الأمن من دون أن يجرؤ أحد على انتقاده باعتبار أنّ الأمر أصبح مقنناً وفقاً للدستور.
واللافت في التعديلات أنها تعترف بقوات الدعم السريع "الجنجويد" المثيرة للجدل، والتي تعد جزءاً من جهاز الأمن، وكان عليها اعتراض سابقاً وشكوك حول دستوريتها، على اعتبار أن الدستور لا يسمح لجهاز الأمن بتكوين قوات مقاتلة ويختصر مهامه في جمع المعلومات وتحليلها فقط.
وتؤثر التعديلات بشكل مباشر على عملية الحوار، خصوصاً أنّ الأحزاب المعارضة، التي رضيت بالحوار تطمح إلى إقناع الحزب الحاكم بإلزام الأمن بمهام جمع المعلومات وتحليها فقط، وفقاً للدستور، دون أن يلجأ الى الاعتقالات أو إغلاق الصحف ومصادرتها.
بدوره، وجّه نائب رئيس حركة "الإصلاح الآن"، حسن رزق، انتقادات لاذاعة للتعديلات وقال لـ"العربي الجديد": "كنا نعترض على قانون جهاز الأمن الذي نعتبره مخالفاً للدستور باعتبار أنه يمنح الأمن الحق في التدخل في كل صغيرة وكبيرة". وأضاف "والآن يراد له أن يصبح قوة نظامية مما يحيله إلى قوة أكبر بدلاً من إضعافه".
وقال "واضح أن الدولة تريد أن تحمي نفسها بالقوة الأمنية وتصبح دولة أمنية قمعية".
وفي السياق نفسه، رأى المحلل السياسي عبدالمنعم أبو إدريس، أن أخطر التعديلات الفقرة التي تتحدث عن مهام الأمن في حماية البلاد من التهديدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى مكافحة الجريمة العابرة للحدود، باعتبار أنها تترك للأمن تفسير التهديدات، وفقاً لرؤيته مما يمثل تهديداً للعملية السياسية، مشيراً إلى أنّ الأمن يتمدّد في سلطاته وتفويضه ليتحول عملياً الى جهاز مسيطر ويتحكم في كل شيء.
في المقابل، لم تجد رئيسة اللجنة البرلمانية التي نظرت في التعديلات بدرية سليمان، أنّ تلك التعديلات حملت جديداً، مؤكّدةً أنّ التعديل المرتبط بقانون الأمن نقل حرفياً من دستور البلاد لعام 1998 والذي سبق دستور 2005 الذي يحكم البلاد حالياً وسنّ بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل مع الحركة "الشعبية" بقيادة جون قرنق، موضحة أن الحال عاد إلى ما قبل اتفاقية السلام.
ودافع القيادي في المؤتمر الوطني وعضو اللجنة البرلمانية محمد الحسن الأمين عن التعديلات، وقال لـ"العربي الجديد": "لا جديد في التعديلات، وانما هي تقنين للوضع الماثل الآن، لأن الأمن بالفعل لديه قوات مقاتلة".
وأوضح "كما أن وضع السودان مختلف، لذا نجد أن حماية الأمن الداخلي مسؤولية الشرطة، غير أنّ الجيش يتدخل لقتال المتمردين لأنهم مجهزون بأسلحة قتالية، والجيش نفسه استعان بالأمن، والأخير طور قواته وسلّحها، لذا لا بد أن يُعترف له بهذه القوات، ويُعطى لها حق دستوري". غير أنّه قال إن الوضع استثنائي بسبب الظرف الذي تمرّ به البلاد".