السودان والقمة العربية: مع قوة مشتركة... ومع الحوار

11 مارس 2015
الجيش السوداني شارك سابقاً في قوات عربية (فرانس برس)
+ الخط -

بدأت جامعة الدول العربية مشاورات مكوكية بين الدول الأعضاء لتشكيل قوة مشتركة للتدخل السريع لمواجهة "المجموعات الإرهابية" في البلدان العربية، ويُنتظر أن تتم المصادقة عليها في اجتماعات القمة نهاية الشهر الحالي في شرم الشيخ. واستبق السودان الاجتماعات معلناً تأييده لتفعيل معاهدة الدفاع المشترك التي أقرتها جامعة الدول العربية في العام 1950. وأكد تعميم صادر عن وزارة الخارجية السودانية، أن اجتماعات الجامعة على مستوى وزراء الخارجية (التي عُقدت قبل يومين في القاهرة)، ستناقش ثلاثة مشاريع قرار تتصل بالشأن السوداني، بينها قضية دعم السلام والتنمية في الدولة التي تعاني من حروب أهلية في سبع من ولاياتها الغربية والجنوبية، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الخرطوم بسبب انفصال الجنوب وفقدان خزينة الدولة لما يقارب الـ70 في المائة من إيرادات النفط الجنوبي، ويتصل القرار الثاني وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السودانية بالحصار الاقتصادي المفروض على السودان من قِبل الولايات المتحدة الأميركية.

يرى مراقبون أن السودان سيشارك في قوة عربية ما إن تقرر تشكيلها، وهي الفكرة التي وجدت ترحيباً وتأييداً من قبل كل من الحكومة الليبية في طبرق، ومن الأردن، ولا سيما أن للخرطوم تجارب سابقة في هذا المجال، إذ شاركت في حربي 1973 و1976، كما شاركت ضمن قوات أمن جامعة الدول العربية وأرسلت قوات إلى الكويت لمناصرتها ضد العراق في 1961 إلى جانب الأردن والسعودية والإمارات.

وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن الخرطوم، وعلى الرغم من تأييدها للقوة المشتركة، إلا أنها تقف مع الحوار، خصوصاً مع الجماعات الإسلامية. وأشارت المصادر إلى تحركات سودانية لقيادة مبادرة لإجراء مصالحات مع الإسلاميين في كل من مصر وليبيا، عبر إشراكهم في العمل السياسي في تلك البلدان.

وكانت جامعة الدول العربية، بدأت في فبراير/شباط الماضي، بإعداد مقترحات بشأن القوات العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب، بعدما اقترحت على وزراء الخارجية العرب في يناير/كانون الثاني بحث تشكيل قوة تدخّل عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب الذي ظهر في المنطقة العربية، وعرض حينها الأمين العام للجامعة نبيل العربي دراسة تُظهر إمكانية تشكيل هذه القوة بناء على ميثاق الجامعة العربية ومعاهدة الدفاع المشترك للعام 1950.

اقرأ أيضاً: جنوب السودان أمام 3 خيارات صعبة بعد فشل المفاوضات

والخطوة التي تجدّدت المطالبة بها أخيراً بعد إقدام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على ذبح 21 مصرياً في ليبيا، ليست بالجديدة، فقد وُقّعت بعد حرب 1948 معاهدة الدفاع العربي المشترك، لكن لم يكن لها أي تطبيق فعلي في معظم التحديات التي واجهتها الدول العربية.

وفي القمة العربية عام 2007، قرر الحكام العرب تفعيل النشاطات العسكرية وإنشاء قوات طوارئ لحماية "المناطق الساخنة" مثل العراق ودارفور وجنوب لبنان والصومال، بعدما أقروا في القمة التي عُقدت في الخرطوم عام 2006 تشكيل مجلس الأمن والسلم العربي، وصادقت عليه وقتها 12 دولة عربية.

إلا أن الخطوتين لم يتم تفعيلهما، خصوصاً أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة ترفض أي خطوة عربية أو أفريقية تتصل بأي عمل عسكري مشترك، يمكن أن يهدد مصالحها في المنطقة ويقلص من دورها وتأثيرها على معظم الدول العربية التي تدور في فلكها، وبالتي تنجح في إسقاط كثير من تلك المقترحات وعدم انتقالها إلى التطبيق.

يرى مراقبون أن الخرطوم تعوّل كثيراً على القمة العربية التي ستُعقد نهاية الشهر الحالي لتحقيق جملة من المكاسب السياسية والاقتصادية، لا سيما بعد تغيير مواقف السودان وسياسته الخارجية أخيراً واقترابه من المعسكر الخاص بـ "محاربة الإرهاب".

لكن المحلل السياسي محمد لطيف يستبعد تماماً أن يسعى السودان في الوقت الراهن للمشاركة في أي قوة عربية، لا سيما أن الخطوة برمتها مرتبطة بالوضع الليبي.

ويوضح لطيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "خطوة كهذه يمكن أن تُوقِع الخرطوم في تقاطعات سياسية وإقليمية هي في غنى عنها في هذه المرحلة"، مضيفاً: "لذا ربما لا ترفض الحكومة السودانية هذه الخطوة علانية، لكنها ستسعى لإقناع مصر بتأجيلها باعتبار أن الوقت غير مناسب، وتطالب بالبحث عن حلول أخرى لمواجهة التطورات التي تشهدها المنطقة، بما فيها اقتراحها لمبادرات تتصل بإقناع القوى الإسلامية الحاملة للسلاح بنزعها أو الضغط عليها للتراجع عن العنف".

من جهته، يقول الخبير العسكري اللواء محمد العباسي لـ"العربي الجديد"، إن التفكير في قوة عربية مشتركة يأتي من خلال ما تشهده المنطقة العربية من مشاكل لا حصر لها مع ظهور جماعات مسلحة مختلفة، الأمر الذي يحتاج إلى حلول وقيادة عسكرية عربية موحّدة. لكنه يشير إلى أن "العقبة الأساسية تكمن في أن المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي لا يرغبان في أن تقوم منظمات مثل جامعة الدول العربية بمهام كبيرة، وبالتالي يسعيان لإسقاطها وإبعادها عن أعمالها العسكرية حتى يتسنى لهما التدخل في المنطقة العربية وفقاً لمصالحهما"، معتبراً أن "تشكيل هذه القوة يحتاج إلى حنكة وذكاء وتوصيف سليم للمهام المقبلة، وأن تكون لها صلاحيات واضحة المعالم وتدار عبر سياسة موحّدة"، لافتاً إلى أن السودان لن يبتعد عن تلك القوة لا سيما أنها ستسهم في حسم كثير من قضاياه بما فيها الداخلية.

المساهمون