10 ابريل 2019
السودان وصياغة جديدة لمفهوم الإرهاب
أثار التئام الملتقى العربي لظاهرة الإرهاب في الخرطوم، الأسبوع الماضي، عدة أسئلة بشأن المقصود بالإرهاب، فإذا كان ما حلّ بمنطقة الشرق الأوسط، وتمثله الجماعات الإسلامية المتطرفة، فلا يُعدُّ السودان بحدوده المفتوحة مسرحاً مهمّاً بالنسبة لهذه الأحداث، ولا يقارب أهمية دول عربية وإفريقية مجاورة. أما إذا كان إرهاباً آخر يتلمّس أبعاد مفهومه الدارسون، فإنّ أصدق تعبيرٍ يقع على هذه الحالة، ويُوجّه إلى النظام الحاكم، هو قول المؤرخ الأميركي والسياسي العالمي هيوارد زين: كيف يمكن أن تشنّ حرباً على الإرهاب، فيما الحرب بحد ذاتها إرهاب؟
الإرهاب، وبمحيطه الشرق أوسطي، ظاهرة عالمية، استطاعت أن تنتقل إلى مسارح عدة، لم تستثن السودان، حتى ولو على سبيل النموذج الداعشي المصغّر الذي تم استنساخه في كل مكان، ولكن ليس بالدرجة التي يُقام فيها ملتقىً باسمه هناك.
وعلى الرغم من أنّ إحدى الأوراق المقدّمة كشفت أنّ السودان يتعامل حالياً مع 260 عنصراً متطرفاً عبر الحوار والمناصحة، إلّا أنّ هذا العدد يظلُّ متواضعاً بالنسبة لما يحدث حول السودان، وأيضاً لا يرتقي إلى مستوى الظاهرة.
بؤس التعاريف، والتنصل من مشكلات أخرى، وحده ما يجعل الحكومة السودانية تنحو باتجاه إحاطة ظاهرة الإرهاب بالنموذج العربي تارة، والإفريقي تارة أخرى، وقد يبدو العنف الإفريقي الكامن أقوى من نظيره العربي. ولمّا لم يتم التوصل إلى تعريفٍ محدّد للإرهاب، فقد كانت إحصائياتٌ عديدة تأخذ في طريقها نشاطات المنظمات الثورية والجماعات التي تطالب بالتغيير، ومنها حركات ناشطة، وذات إرث نضالي عريق.
تعود جذور الحركات النضالية في أفريقيا إلى ستينات القرن الماضي وسبعينياته. وبعد أن تحرّرت معظم الدول الأفريقية، واستبدلت أنظمتها الاستعمارية بأنظمةٍ عسكرية في أغلبها، نشأت جماعات أخرى تطالب بالديمقراطية. ووسط هذه الجماعات، تسربت تياراتٌ إسلامية تنادي بالعدالة، فتكوّن هذا الهجين الذي تغذّى بالأفكار الثورية التي تروّج التغيير بالعنف، وأخذ الصبغة الإسلامية التي كانت تعاني تمييزاً أيضاً، وسط الديانة الرسمية المسيحية وطوائف أخرى تدين بالروحانيات.
وجد الإرهاب أسبابه الموضوعية، وتربة خصبة في أفريقيا جنوب الصحراء، نسبة لتداخل
العوامل الأيديولوجية مع الأفكار المتطرفة، وحالات عدم الرضى العام من عدم المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وتُعتبر الظروف التي نشأت فيها هذه الجماعات، خصوصاً التي ازداد فيها نشاط الجماعات ذات الصبغة الإسلامية، وارتباطها بتنظيم القاعدة، وحتى مقتل زعيمه، أسامة بن لادن، ظروفاً حملت كثيراً من بواعث البقاء. ولكن، رغماً عن ذلك، يظلُّ إرهاباً وارداً، وليس أصيلاً.
تعاني دول إفريقيا جنوب الصحراء من استشراء التطرف والعنف، وقد مثلت بلدانٌ، مثل مالي وتشاد والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى وأثيوبيا والصومال، من التطرّف، بوصفه التحدّي الأكثر أهمية الذي يواجهها. وهذه الدول الغارقة في ديماغوجيتها واستبدادها فشلت في محاربة العنف والتطرّف، كما فشلت في مكافحة المجاعات والأمراض المستوطنة والجماعات الإرهابية.
ويستشري في القارة، الغنية بمواردها، والفاشلة في إدارتها، عنصر الفساد مع عدم الاستقرار السياسي، ما أدى إلى تفاقم الخسائر المادية والبشرية الناتجة عن جرائم القتل الجماعي.
تُعتبر مواجهة هذه الجماعات التي يتفاقم نفوذها، والتي طوّرت من نشاطاتها وقدراتها، في ظل انشغال حكومات المنطقة بالتشبث بكراسي الحكم، هي التحديات الجسيمة التي تجابه أفريقيا جنوب الصحراء. هناك أمورٌ متنازعةٌ تدفع المنطقة إلى مزيدٍ من الانفجارات التي ربما تكون جزءاً من كل، فالإرهاب ظاهرة مستمرة، وسط أجواء مخيمة من اليأس، وكلما قطعت رأساً نبتت في مكانه عدة رؤوس.
ولأنّ الجماعات الإرهابية في أفريقيا سبقت الجماعات الجهادية الإسلامية بفترة طويلة، فإنّ تحويل بعضهم لها إلى أيديولوجيا قد يضمن لها الإستمرار حيناً، ولكنها ستفشل في التحول إلى عقيدة سياسية في معظم الأحيان. ومن شأن هذا الأمر أن ينهي حالتها المكسية بإهاب الدين، ووسط هذه الأجواء، سيعود إلى أفريقيا العنف الذي تعرفه، ليسود في الواجهة إلى حين.
أما في شمال أفريقيا والسودان جزءٌ من هذا المكون الجغرافي، فإنّ الإرهاب يكمن في عنف الحكام واستبدادهم. الإرهابي هو الحاكم الذي يحوّل شعبه إلى أجساد هائمة على وجوهها، بلا أرواح، يقتل فيها جدوى أن تثور.
والإرهاب يعني التعذيب في بيوت الأشباح وقسوته حتى الموت، فهذه البيوت، فيما حُكي عنها، تعود إلى بدائية الإنسان قبل بزوغ أول خيطٍ من إشعاع الحضارة الإنسانية، والتي تبيح له أن يفعل ما يراه بشأن معارضيه أو أسراه، إذ كان مصيرهم أن يذبحوا أو يقدّموا قرابين للآلهة. ثم ذهب التفكير السلطوي الوحشي إلى أكثر من ذلك بأن أحلّ استرقاقهم، فقد عذبت الفرس والإغريق، ونكّلت بالأسرى وعرضتهم للتعذيب والصلب والقتل. ثم تطورت فكرة الإهانة والانتشاء بإذلال الآخر الضعيف، فكان الرومان يستخدمون الأسرى وسائل للتسلية والترفيه، فقد كانوا يضعونهم في أقفاص مغلقة مع الحيوانات المفترسة، ويستمتع الوزراء والأمراء بمشاهدتها وهي تفترسهم.
والإرهاب يعني استغلال الدين للتشبث بالسلطة، والاستيلاء على الثروة، وإشاعة أنواع الفساد بفقه التحلّل، ويعني، فيما يعني، تكميم الأفواه ومصادرة الصحف وحرية التعبير وإطلاق الرصاص على رؤوس المعارضين الذين جاء احتجاجهم بعد سنواتٍ تكلّلت بالضيم المتنامي عبر ما يقارب الثلاثة عقود. الإرهاب أن يقف من يحمل اسم السودان أمام القمة العربية ليرفض قراراً يقضي بإحالة مسؤولين إسرائيليين للمحكمة الجنائية الدولية، بالتهمة المشهودة جرائم ضد الإنسانية تُرتكب في حق الفلسطينيين.
هذا الملتقى لم ينجح في مناقشة إرهابٍ قائم في مكان آخر، لكنه لفت النظر إلى ضرورة وجود تعريفٍ لما يحدث في الحدود الجغرافية للسودان.
الإرهاب، وبمحيطه الشرق أوسطي، ظاهرة عالمية، استطاعت أن تنتقل إلى مسارح عدة، لم تستثن السودان، حتى ولو على سبيل النموذج الداعشي المصغّر الذي تم استنساخه في كل مكان، ولكن ليس بالدرجة التي يُقام فيها ملتقىً باسمه هناك.
وعلى الرغم من أنّ إحدى الأوراق المقدّمة كشفت أنّ السودان يتعامل حالياً مع 260 عنصراً متطرفاً عبر الحوار والمناصحة، إلّا أنّ هذا العدد يظلُّ متواضعاً بالنسبة لما يحدث حول السودان، وأيضاً لا يرتقي إلى مستوى الظاهرة.
بؤس التعاريف، والتنصل من مشكلات أخرى، وحده ما يجعل الحكومة السودانية تنحو باتجاه إحاطة ظاهرة الإرهاب بالنموذج العربي تارة، والإفريقي تارة أخرى، وقد يبدو العنف الإفريقي الكامن أقوى من نظيره العربي. ولمّا لم يتم التوصل إلى تعريفٍ محدّد للإرهاب، فقد كانت إحصائياتٌ عديدة تأخذ في طريقها نشاطات المنظمات الثورية والجماعات التي تطالب بالتغيير، ومنها حركات ناشطة، وذات إرث نضالي عريق.
تعود جذور الحركات النضالية في أفريقيا إلى ستينات القرن الماضي وسبعينياته. وبعد أن تحرّرت معظم الدول الأفريقية، واستبدلت أنظمتها الاستعمارية بأنظمةٍ عسكرية في أغلبها، نشأت جماعات أخرى تطالب بالديمقراطية. ووسط هذه الجماعات، تسربت تياراتٌ إسلامية تنادي بالعدالة، فتكوّن هذا الهجين الذي تغذّى بالأفكار الثورية التي تروّج التغيير بالعنف، وأخذ الصبغة الإسلامية التي كانت تعاني تمييزاً أيضاً، وسط الديانة الرسمية المسيحية وطوائف أخرى تدين بالروحانيات.
وجد الإرهاب أسبابه الموضوعية، وتربة خصبة في أفريقيا جنوب الصحراء، نسبة لتداخل
تعاني دول إفريقيا جنوب الصحراء من استشراء التطرف والعنف، وقد مثلت بلدانٌ، مثل مالي وتشاد والنيجر وجمهورية إفريقيا الوسطى وأثيوبيا والصومال، من التطرّف، بوصفه التحدّي الأكثر أهمية الذي يواجهها. وهذه الدول الغارقة في ديماغوجيتها واستبدادها فشلت في محاربة العنف والتطرّف، كما فشلت في مكافحة المجاعات والأمراض المستوطنة والجماعات الإرهابية.
ويستشري في القارة، الغنية بمواردها، والفاشلة في إدارتها، عنصر الفساد مع عدم الاستقرار السياسي، ما أدى إلى تفاقم الخسائر المادية والبشرية الناتجة عن جرائم القتل الجماعي.
تُعتبر مواجهة هذه الجماعات التي يتفاقم نفوذها، والتي طوّرت من نشاطاتها وقدراتها، في ظل انشغال حكومات المنطقة بالتشبث بكراسي الحكم، هي التحديات الجسيمة التي تجابه أفريقيا جنوب الصحراء. هناك أمورٌ متنازعةٌ تدفع المنطقة إلى مزيدٍ من الانفجارات التي ربما تكون جزءاً من كل، فالإرهاب ظاهرة مستمرة، وسط أجواء مخيمة من اليأس، وكلما قطعت رأساً نبتت في مكانه عدة رؤوس.
ولأنّ الجماعات الإرهابية في أفريقيا سبقت الجماعات الجهادية الإسلامية بفترة طويلة، فإنّ تحويل بعضهم لها إلى أيديولوجيا قد يضمن لها الإستمرار حيناً، ولكنها ستفشل في التحول إلى عقيدة سياسية في معظم الأحيان. ومن شأن هذا الأمر أن ينهي حالتها المكسية بإهاب الدين، ووسط هذه الأجواء، سيعود إلى أفريقيا العنف الذي تعرفه، ليسود في الواجهة إلى حين.
أما في شمال أفريقيا والسودان جزءٌ من هذا المكون الجغرافي، فإنّ الإرهاب يكمن في عنف الحكام واستبدادهم. الإرهابي هو الحاكم الذي يحوّل شعبه إلى أجساد هائمة على وجوهها، بلا أرواح، يقتل فيها جدوى أن تثور.
والإرهاب يعني التعذيب في بيوت الأشباح وقسوته حتى الموت، فهذه البيوت، فيما حُكي عنها، تعود إلى بدائية الإنسان قبل بزوغ أول خيطٍ من إشعاع الحضارة الإنسانية، والتي تبيح له أن يفعل ما يراه بشأن معارضيه أو أسراه، إذ كان مصيرهم أن يذبحوا أو يقدّموا قرابين للآلهة. ثم ذهب التفكير السلطوي الوحشي إلى أكثر من ذلك بأن أحلّ استرقاقهم، فقد عذبت الفرس والإغريق، ونكّلت بالأسرى وعرضتهم للتعذيب والصلب والقتل. ثم تطورت فكرة الإهانة والانتشاء بإذلال الآخر الضعيف، فكان الرومان يستخدمون الأسرى وسائل للتسلية والترفيه، فقد كانوا يضعونهم في أقفاص مغلقة مع الحيوانات المفترسة، ويستمتع الوزراء والأمراء بمشاهدتها وهي تفترسهم.
والإرهاب يعني استغلال الدين للتشبث بالسلطة، والاستيلاء على الثروة، وإشاعة أنواع الفساد بفقه التحلّل، ويعني، فيما يعني، تكميم الأفواه ومصادرة الصحف وحرية التعبير وإطلاق الرصاص على رؤوس المعارضين الذين جاء احتجاجهم بعد سنواتٍ تكلّلت بالضيم المتنامي عبر ما يقارب الثلاثة عقود. الإرهاب أن يقف من يحمل اسم السودان أمام القمة العربية ليرفض قراراً يقضي بإحالة مسؤولين إسرائيليين للمحكمة الجنائية الدولية، بالتهمة المشهودة جرائم ضد الإنسانية تُرتكب في حق الفلسطينيين.
هذا الملتقى لم ينجح في مناقشة إرهابٍ قائم في مكان آخر، لكنه لفت النظر إلى ضرورة وجود تعريفٍ لما يحدث في الحدود الجغرافية للسودان.