السيسي يخطط لعاصمة بدون "عشوائيات مزدحمة"

08 ابريل 2019
محاصرة أهالي الوراق أصبحت في مراحل متقدمة (فايد الجزيري/Getty)
+ الخط -


في ما يعتبر أول إعلان حكومي رسمي عن موعد مبدئي لإتمام تنفيذ مخططات نظام عبد الفتاح السيسي ورئيس وزرائه مصطفى مدبولي لإزالة العشوائيات ومساحات واسعة من الأحياء المكتظة بالسكان لإعادة تصميم العاصمة، وتخصيص معظم أجزائها لأغراض سياحية واستثمارية، أعلن نائب وزير الإسكان المصري خالد عباس عما سماه "إزالة المناطق السكنية اللارسمية في موعد أقصاه 2024". ويقصد عباس بذلك المناطق العشوائية المزدحمة الخارجة عن أطر التخطيط العمراني، وذلك بحسب ما قال في الجلسة التي حضرها الخميس الماضي في منتدى "لافارج" السادس في الجامعة الأميركية في القاهرة.

ولم يحدد نائب وزير الإسكان طريقة التخلص من هذه المناطق، لكنه زعم أن الحكومة تستهدف إنشاء مساكن بديلة في المناطق الجديدة شرق القاهرة، رغم أن الرقم الإجمالي للمساكن الذي تحدث عنه على مستوى الإسكان الاجتماعي والمتوسط لا يتجاوز 900 ألف وحدة، وهو رقم يبدو أقل بكثير مما تستوعبه المناطق التي وصفها بـ"اللارسمية". ورغم انتقاد الحضور، ومنهم عدد من المستثمرين الأجانب، لمسلك عباس في سرد إنشاءات مدينة العلمين الجديدة، والمجمعات السكنية الفارهة التي تنافس بها الحكومة القطاع الخاص، باعتبارها من إنجازات الوزارة، إلا أن إعلان تاريخ الإزالة بدا النقطة الأهم في حديث المسؤول، في ظل استمرار الأزمات القائمة في 3 مناطق أساسية تبتغي الحكومة إعادة هيكلتها بالكامل، وهي جزيرة الوراق في الجيزة، ومثلث ماسبيرو ببولاق أبو العلا في القاهرة، ونزلة السمان في الهرم.

وتقول مصادر في مجلس الوزراء إن إجراءات إخلاء مثلث ماسبيرو "ستتم قبل نهاية العام الحالي، أياً كانت المشاكل"، حيث ما زالت هناك مشكلة بشأن 915 قطعة أرض رفض مُلاكها المشاركة بمشروع تطوير المنطقة، أو لم يتقدموا بالمستندات الدالة على الملكية بواقع مسطح 67 ألف متر مربع، تبلغ قيمة تقييمها، وفقاً لتقدير لجنة التقييم العقاري لتكاليف نزع ملكيتها مبلغ 735 مليونا و700 ألف جنيه (نحو 43 مليون دولار)، وتمثل القسم الأكبر من أراضي المنطقة، بينها أراضٍ تابعة لشركة كويتية للاستثمار العقاري. وتضيف المصادر أن وزارة الإسكان صرفت حتى الآن أكثر من ربع التعويضات المقررة لملاك الأراضي الذين قبلوا بالتسوية في منطقة ماسبيرو، بواقع 700 مليون من إجمالي ملياري جنيه مخصصة في موازنة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في العام المالي الحالي لإنهاء هذا الملف تماماً.

وصدر الشهر الماضي قرار من مدبولي بنزع ملكية جميع قطع الأرض المتأخرة. وحدد القرار خيارين لاقتضاء تعويضات نزع الملكية لملاكها، الأول هو اقتضاء التعويض على أساس قيمة الأنصبة في أراضي المنطقة طبقاً لما جاء في تقييم لجنة التقييم العقاري الصادر بها قرار محافظ القاهرة، والخيار الثاني هو اقتضاء التعويض بعد تنفيذ مشروع إعادة التخطيط على أساس تقدير نصيب الأرض المنزوعة ملكيتها من القيمة الإجمالية لقطع الأراضي في المنطقة بقيمتها الجديدة وفق تقديرات الجهات المختصة، وذلك بعد استبعاد التي تم تخصيصها للطرق، والخدمات العامة وخصم تكاليف تنفيذ المشروع. وتوضح المصادر أنه بعد الانتهاء من تمرير التعديلات الدستورية خلال الاستفتاء المرتقب نهاية إبريل/نيسان الحالي، فسيكون الطريق مفتوحاً لتنفيذ الإخلاء وغلق هذا الملف تماماً قبل نهاية العام الحالي.


أما ملف جزيرة الوراق، فيبدو كذلك في مراحل متقدمة من عملية محاصرة الأهالي الرافضين للتخلي عن أراضيهم، بعدما استطاعت الحكومة ترضية جميع الملاك الكبار تقريباً وعزل الأراضي التي يرفض أصحابها الإخلاء. ولم ينل من ذلك قرار محكمة القضاء الإداري إحالة النزاع إلى الخبراء في وزارة العدل، إذ يرى الأهالي أن القرار، ورغم ما بظاهره من ترضية لهم لإثبات حقوقهم، ألقى الكرة في ملعب جهة تنفيذية تابعة للحكومة، ولا تتمتع بأي قدر من الاستقلال، وبالتالي فلا يمكن التنبؤ بأن يصدر التقرير إيجابياً لصالح المواطنين، حتى مع توجيه المحكمة للخبراء بضرورة إثبات الحالة الواقعية لحيازة الأرض الظاهرة. بينما يواجه ملف نزلة السمان جموداً ربما يسبق عاصفة جديدة، إذ يروي عدد من الأهالي، على صفحاتهم المخصصة للتضامن ضد محاولات الإخلاء، أن الأجهزة المختلفة تحاول "تطفيشهم" من المنطقة بألاعيب مختلفة، من بينها رفع أسعار الكهرباء والمياه ومطالبتهم بسرعة رد قيمة مخالفات متراكمة منذ عقود، ومنع ترخيص محلات تجارية جديدة.

وتعود فكرة "إزالة المناطق اللارسمية" إلى مخطط مشروع القاهرة 2050 الذي طرحته آخر حكومات الرئيس المخلوع حسني مبارك، ثم أعيد إحياؤه أخيراً بصورة غير رسمية، إذ بدأت حكومة مدبولي (الذي كان مشاركاً في وضع المشروع بنسخته الأولى) في تنفيذ إجراءات فشِل نظام مبارك في اتخاذها. ويتضمن المشروع إخلاء مناطق عامرة بالسكان، لكنها تتسم بالتخطيط العشوائي وضعف البنية التحتية، بصورة كلية أو جزئية، هي عين شمس والمطرية، والبساتين ودار السلام، وشبرا الخيمة، والخصوص، وبولاق الدكرور وظهير شارع فيصل، وإمبابة، والمنيب. وتم التخطيط لإحلال طرق وحدائق بدلاً من معظم أجزاء منطقة البساتين ودار السلام على مساحة تزيد على 700 فدان. أما عين شمس والمطرية، وهما حيان سكنيان عملاقان شمال القاهرة، فكان من المخطط إنشاء مشروع باسم "مدينة الشمس" على معظم أجزائهما لإحياء "هليوبوليس" القديمة على مساحة 500 فدان. أما شبرا الخيمة، وهو حي عمالي ضخم بين القاهرة والقليوبية، فكان من المقرر تدشين حدائق وطرق في أجزاء عديدة منه. وكان المستهدف من إزالة بولاق الدكرور في الجيزة فتح طريق يؤدي للأهرامات باسم "خوفو أفينيو"، يمتد من شارع جامعة الدول العربية في المهندسين وينتهي في ميدان "خوفو بلازا" في سفح الأهرامات، بعرض 600 متر وطول 8 كيلومترات، ليصبح الزائر قادراً على مشاهدة الأهرامات من مناطق الجيزة الأخرى، وبحيث تنشأ حدائق بإجمالي 2000 فدان في الطريق للأهرامات. أما منطقة المنيب جنوب غرب النيل بالجيزة، والتي تفصل المدينة عن المراكز الحضرية والقروية الأخرى ويتمركز بها أكبر ميناء نقل بري لمحافظات الصعيد، فكان المخطط يستهدف إخلاءها أيضاً، وإنشاء ميناء بري جديد متعدد الطوابق، ومحطة قطار و3 فنادق فارهة، لتصبح هذه المنطقة واجهة جنوبية للقاهرة الكبرى، تستقبل القادمين من الصعيد والبحر الأحمر، وتمهد طريقاً يمتد إلى الأهرامات، وطريقاً آخر يمتد إلى منطقة سقارة الأثرية التي يقع بها هرم "زوسر" المدرج.