ويُظهر السيسي ولاءه واعتماده على المؤسسة العسكرية في أكثر من مناسبة، من خلال الخطابات التي يلقيها أمام الضباط والجنود، حتى أنّه ارتدى الزي العسكري خلال احتفالات تفريعة قناة السويس الجديدة، وفي زيارة إلى سيناء في الأوّل من يوليو/تموز الماضي. وكان السيسي أصدر قراراً جمهورياً بمنح عدد من ضباط الصف والجنود المتطوعين والمجندين السابقين في القوات المسلحة والمستحقين عنهم، رواتب استثنائية، وهي من ضمن محاولات الرجل كسب مزيد من الولاء له داخل الجيش.
ومع تعدد الأزمات التي بدأت تشهدها مصر يومياً، وخصوصاً من الناحية الاقتصادية، لجأ السيسي إلى المؤسسة العسكرية، معتمداً عليها بدلاً من الحكومة والمحافظين وأجهزة الدولة المختلفة. وتدخلت قوات الجيش في المحافظات التي شهدت أمطاراً غزيرة، وتحديداً الإسكندرية والبحيرة، لإزالة المياه من الشوارع بعد غرق أجزاء واسعة من تلك المحافظات.
وفي مشهد غريب، التقى السيسي، الأحد الماضي، مستشار وزير الدفاع للمشروعات، اللواء أمير سيد أحمد، ورئيس هيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة، اللواء عبد المرضي عبد السلام، ومدير إدارة المهمات، لبحث أزمة ارتفاع الأسعار.
وثارت تساؤلات كثيرة حول طبيعة اللقاء، وخصوصاً أنّ الاجتماع لم يكن مع وزراء في الحكومة، أو حتى حضروا الاجتماع، وكان بشكل منفرد مع قيادات في الجيش. وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، السفير علاء يوسف، إن الاجتماع جاء في إطار متابعة توجيهات الرئيس بتوفير احتياجات المواطنين من السلع الغذائية الأساسية بأسعار مناسبة مع نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
لكن يبدو أنّ تراكم الأزمات التي تواجه السيسي وفشله في إدارة البلاد، جعله يلجأ إلى بيته الأول، وهو الجيش لانتشاله من هذه الأزمات. وتكشف مصادر داخل المؤسسة العسكرية المصرية، لـ"العربي الجديد"، عن وجود حالة من التململ من سياسات السيسي المتّبعة في الاعتماد على الجيش في كل شيء. وتقول المصادر العسكرية إن "هذه الحالة تنتشر بين قطاع كبير من ضباط الجيش، وبدأت تتزايد مع تصاعد الأزمات"، مضيفة أنّ الأزمة ليست في أداء دور في خدمة الوطن، ولكن تحميلَ الجيش كل الأزمات ومطالبته بأداء دور الحكومة وأجهزة الدولة المختلفة، أمرٌ صعب ومرهق.
اقرأ أيضاً كارثة الطائرة... العزلة الدولية لنظام السيسي في ذروتها
وتشير المصادر نفسها إلى أنّ "التخوف الكبير يكمن في وضع السيسي الجيش في الصدارة أمام كل الأزمات، وفي حال فشل الرجل في التعامل معها، ستكون المؤسسة العسكرية في الواجهة أمام الشعب"، مؤكدة أنّ فكرة تحميل الجيش مسؤولية فشل السيسي، أمر مقلق للغاية، في ظل عدم وجود أفق لحل الأزمات ولا سيما الاقتصادية.
وتلفت المصادر العسكرية إلى وجود تقارير تتحدث عن تراجع شعبية السيسي خلال الأشهر القليلة الماضية بشكل حاد، "وهذا سيدفع ثمنه الجيش باعتباره كان وزيراً للدفاع، ويعتمد على الجيش في كل شيء"، مرجّحة انتقال هذه الصورة والتخوفات التي يشعر بها ضباط الجيش، إلى القيادات العليا، ويبقى أن يكون هناك حدّ لتوريط الجيش في وَحْل الأزمات. وتشدد هذه المصادر على أنّ الجيش مؤسسة وطنية تخدم الوطن، لكن مسألة أن تكون في المواجهة مع الشعب، أمر خطير ليس فقط على نظام السيسي، بل على الأمن القومي والدولة وتماسكها.
وتعكس تخوفات ضباط في الجيش، الخلافات التي بدأت تظهر بين السيسي ووزير الدفاع صدقي صبحي، والتي تمحورت بشكل أساسي حول تدخل الأول في عمل القوات المسلحة، والمعركة ضد تنظيم "ولاية سيناء"، التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وبحسب مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، فإنّ صبحي اشتكى إلى بعض الأصدقاء المشترَكين بينه وبين السيسي، من إصرار الأخير على التدخل في الشؤون الدقيقة للقوات المسلحة وتجاهله تماماً. وقالت مصادر خاصة، في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذا الخلاف كان السبب الحقيقي وراء عدم ظهور وزير الدفاع، وقائد منطقة سيناء العسكرية، الفريق أسامة عسكر، إلى جوار السيسي خلال زيارته مقرّ الجيش الثاني في مدينة العريش، في حين ظهر رئيس الأركان، محمود حجازي وقائد الجيش الثاني، ناصر العاصي، فقط".
من جانبه، يقول خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية، إنّ "مسألة الخلافات بين صبحي والسيسي واردة في ضوء الأزمات التي تمرّ بها مصر"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الجيش كمؤسسة له حسابات خاصة ودقيقة وتقديرات موقف، ولن يقف مع السيسي، إذا ما خرج الناس ضده.
ويشير الخبير السياسي إلى أنّ "الجيش انحاز لثورة يناير ولم يواجه المتظاهرين بشكل واضح، باستثناء الموقف من موقعة الجمل وترك البلطجية من اقتحام ميدان التحرير، ولكن في النهاية لم يرفع السلاح ضد الشعب"، مؤكّداً أنّ الجيش لن يأخذ صف السيسي إذا تحرك الناس ضده في أي وقت، لأن الدفاع عنه يعني الدخول في مواجهة مباشرة مع الشعب، وبالتالي تكرار النموذج السوري، موضحاً أنّ الخلافات بين السيسي وصبحي تؤكد أن الانحياز الأوّل ليس للسيسي، كما يعد مؤشراً إلى إمكانية التخلي عنه في أية لحظة.
اقرأ أيضاً: 60 قضية فساد في مصر خلال أكتوبر الماضي