استمع إلى الملخص
- يواجه عون تحديات داخلية تشمل الإصلاح ومكافحة الفساد وحقوق الإنسان، وضغوطاً لإعادة النازحين السوريين، وسط اتهامات بتأثيرات سياسية خارجية، لكنه يحظى بدعم دولي وإقليمي لتحسين العلاقات.
- اعتُبر خطاب عون تاريخياً، حيث وضع خريطة طريق لسيادة الدولة والإصلاح الاقتصادي، لكن نجاحه يتطلب تعاون القوى السياسية ودعماً دولياً، خاصة مع استمرار حزب الله في الاحتفاظ بسلاحه.
تحديات "كبرى" أمام جوزاف عون
مرر عون الكثير من الرسائل السياسية في خطاب القسم
دبلوماسي أميركي: نأمل تشكيل حكومة جديدة سريعاً
طوى لبنان يوم 9 يناير/ كانون الثاني 2025 صفحة طويلة من الشغور الرئاسي بانتخابه قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، ليبدأ كتابة مرحلة جديدة من تاريخه تقوم على سلّة من التعهدات والوعود الشعبية والتحديات التي تنتظره في خضمّ التغيرات والتحولات الكبرى في المنطقة.
ومن على منبر مجلس النواب، أدى الرئيس المنتخب جوزاف عون، أمس الخميس، القسم الدستوري، في كلمة مرّر خلالها الكثير من الرسائل السياسية، الداخلية والخارجية، لا سيما لحزب الله ومحوره، ملقياً على عاتقه والحكومة المنتظر تشكيلها، والبرلمان، مسؤوليات ومهام عديدة، يُخشى أن تكون على غرار وعود أسلافه، آخرهم الرئيس السابق ميشال عون، الذي لُقّب بـ"بيّ الكل" (والد الجميع)، ورفع رايات بناء "الدولة القوية"، وإذ بعهده يشهد إحدى أشد الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
ولعلّ أبرز التعهدات التي أطلقها الرئيس المنتخب في خطاب القسم المفصَّل تأكيد حق الدولة باحتكار حمل السلاح، ومنع التهريب ومكافحة تجارة المخدرات، ومحاربة الإرهاب، واحترام اتفاق الهدنة، وتطبيق القرارات الدولية، ومنع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، وإزالة الاحتلال الإسرائيلي، والدعوة إلى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة، بالإضافة إلى إعادة الإعمار، وإقرار مشروع قانون جديد لاستقلالية القضاء، والدعوة إلى استشارات نيابية سريعة لتكليف رئيس حكومة، وتفعيل علاقات لبنان الخارجية، وإقامة علاقات مع الدول العربية، ومنع أي "تآمر" على أنظمتها وسيادتها، وممارسة سياسة الحياد الإيجابي.
كذلك، لم يكن تفصيلاً حديث جوزاف عون عن أن البلاد في أزمة حكم يفترض فيها تغيير الأداء السياسي، ما يضعه أمام مرحلة مواجهة مع الطبقة التي لطالما انتقد قائد الجيش طريقة إدارتها وضرورة معالجتها، خصوصاً أنها انعكست على المؤسسة العسكرية مالياً، علماً أنه في الوقت نفسه بعث برسالة واضحة بأنّ الفئات كلها يجب أن تكون قائمة "وانكسار فئة منا انكسار لنا جميعاً".
ورسم عون خريطة طريق لم يكتفِ بذكر عناوينها بل غاص بعض الشيء ببنودها، سواء محلياً أو خارجياً على صعيد الملفين السوري والفلسطيني، وأيضاً اقتصادياً، خصوصاً أن البلاد رغم خروجها من حرب دامية وحاجتها إلى الاستقرار الأمني تعاني أصلاً من انهيار مالي، فكانت وعود الرئيس المنتخب "الحفاظ على الاقتصاد الحر، والتزام المصارف تحت سقف الحوكمة والشفافية، من دون التهاون في حماية أموال المودعين".
في الإطار، قال وزير الخارجية اللبناني الأسبق عدنان منصور، لـ"العربي الجديد"، إنّ "انتخاب الرئيس بداية إشعاع أو خلاص للبنان من أزمة يعيشها منذ خمس أو ست سنوات، ويأتي في ظلّ أزمة اقتصادية ومالية صعبة جداً وصولاً إلى العدوان الإسرائيلي الكبير على لبنان. من هنا، فإن الآمال معلّقة على عون الذي من خلال خطابه أعطى الأمل للبنانيين على أساس تنفيذ هذه الوعود من دون أن ننسى أن الرئيس أمام طبقة سياسية معمّرة في البلد منذ عقود طويلة، وهي بالأساس السبب وراء ما وصل إليه لبنان في الوقت الحاضر".
واعتبر منصور أنّ "أمام الرئيس المنتخب مهمة كبيرة بمواجهة الداخل في ما يتعلّق بالإصلاح ومكافحة الفساد وتصويب القضاء على الفساد داخل الجسم القضائي وتعزيز الحريات وحقوق الإنسان، وأيضاً توفير العدالة والبناء المتوازن في لبنان". وأضاف أنّ "هذه أمور داخلية لا بد منها مع العمل على إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، فهم يشكّلون ضغطاً اقتصادياً كبيراً على لبنان".
وتوقف منصور عند اتهامات غربية وعربية، وُجّهت خلال الفترة الماضية، بأن القرار اللبناني السياسي ممسوك ومصادر من جهة معينة، وقال: "اليوم، أتى الرئيس المنتخب برضى الغرب والعرب، ما يعني أنّ هذه مرحلة جديدة أمام عون لإعادة تصويب العلاقات اللبنانية العربية واللبنانية الغربية، وهنا الدور على الدول التي امتنعت عن تقديم المساعدات للبنان بالذريعة المذكورة، وقد انتفت اليوم"، مضيفاً أنّ باستطاعة توظيف هذه العلاقات لمساعدة البلاد خصوصاً لإعادة بناء ما تهدّم من جراء العدوان الإسرائيلي وتقديم المعونات لتصحيح الأوضاع المالية اللبنانية.
وحول التعهّد بحصر السلاح بيد الدولة، قال وزير الخارجية الأسبق: "هذا الحق لا أحد ينكره بما في ذلك المقاومة التي قالت إنها لا تحمل السلاح من أجل السلاح، لكن ذلك يتطلب خطة دفاعية، عندها لا لزوم لحمل السلاح من أي جهة، ونحن اليوم أمام واقع حقيقي بوجود عدو إسرائيلي متربّص بلبنان وشهيته واسعة على القضم والضم. هذا الأمر الظاهر من خلال عدوانه المتواصل الذي يتخطى كلمة التجاوزات لقرار وقف إطلاق النار، وبالتالي، إذا كانت للدولة القدرة على مواجهة العدو، وبناء جيش يتصدى له، فليكن"، مشيراً إلى أن "أي دولة عندما تتعرّض لعدوان، على الشعب كله أن يتحرك وليس فقط حزب معين".
تحديات "كبرى" أمام جوزاف عون
تبعاً لذلك، اعتبر منصور أنّ "الرئيس الجديد أمام تحديات ومهام كبرى، والآمال المعقودة عليه كبيرة، لكن في الوقت نفسه لا يستطيع وحده تحقيق ذلك، ولا يجب تحميله المسؤولية فقط، بل كل الفريق السياسي، والطبقة السياسية عليها أن تكون مسؤولة لتحقيق البرنامج الذي وعد بتنفيذه".
من جهته، رأى رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبّور أنّ "خطاب قسم الرئيس جوزاف عون هو خطاب رجل دولة بامتياز، تناول فيه كل العناوين التي ترسم خريطة طريق لقيام الدولة المطلوبة بدءاً من السيادة المفقودة لجهة ترسيم الحدود واحتكار السلاح، والأمن المستتب ودور الدولة في الحماية والدفاع عن لبنان وسيادته مروراً بالواقع الاقتصادي والمالي والاصلاحي، وصولاً إلى موضوع القضاء الذي يشكّل العمود الفقري للدولة والمؤسسات، وختاماً بتحقيق المساواة للمواطن الذي يريد أن يشعر بهيبة دولة فعلية كانت مفقودة منذ عقود".
واعتبر جبّور، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن خطاب جوزاف عون "كان تاريخياً لمرحلة جديدة وأمام التحديات الكبيرة في ظل واقع إقليمي متفجر وواقع سياسي داخلي مع تمسّك حزب الله بسلاحه وبأدبياته، فيما تبقى الأنظار إلى كيفية تعامل الممانعة مع عهده وما إذا كانت ستضع العراقيل، خصوصاً أن مشروع الدولة هو نقيض الدويلة"، لافتاً إلى أنّ عون "يحتاج إلى تعاون النواب والقوى السياسية لتشكيل دينامية وصولاً إلى تحقيق المشروع المطلوب".
ويرى جبّور أن هناك تحديات خارجية وداخلية كبيرة، "لكن الرئيس المنتخب مستفيد من واقع دولي وإقليمي داعم له ودينامية داخلية أيضاً، فالكل يريد أن يمنحه فرصة، لكن تبقى الموانع المتعلقة بمشروع الممانعة الذي سيكون عقبة أمام قيام دولة"، وفق قوله. مع ذلك، أشار جبّور إلى أن "الاندفاعة الخارجية والداخلية" قد تدفع مشروع الدولة خطوات إلى الأمام.
دبلوماسياً، قال مصدر دبلوماسي في السفارة الأميركية في بيروت، لـ"العربي الجديد"، إنّ "واشنطن ستدعم لبنان كما دائماً، وتأمل أن يصار سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة، من وزراء يتمتعون بالمواصفات المطلوبة للقيام بالإصلاحات التي يطلبها المجتمع الدولي وصندوق النقد، من أجل مساعدة البلاد على النهوض الاقتصادي"، معرباً عن سعادته بنجاح الجهود التي بُذلت من أجل إتمام الاستحقاق" الرئاسي.
وأضاف المصدر أنّ "لبنان أمام مرحلة مهمة، والخارج مدّ يده للمساعدة على إنهاء الأزمة الرئاسية، واليوم، جوزاف عون أمام تحديات كبيرة، والخارج يعوّل عليه لإتمام مشروع بناء الدولة والحفاظ على الاستقرار والأمن وتطبيق القرارات الدولية وتثبيت قرار وقف إطلاق النار، وبناء أفضل العلاقات، وغيرها من الملفات العالقة، وسبق أن عبّر المجتمع الدولي عن تمتع عون بالمواصفات المطلوبة، والأمل كبير في نقل البلاد إلى مرحلة جديدة يتطلع اليها الشعب اللبناني".