في سنة 2011 جاء الربيع العربي قبل انقضاء الشتاء. من الجارة تونس، حيث أحرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه، احتجاجا على امتهان كرامته في دولة كانت توصف بالبوليسية. البوعزيزي احترق فأشعل جذوة الحياة في الشباب العربي. وكما لو كانوا ينتظرون من يوقظ الشرارة، امتلأت شوارع تونس بشباب قرروا أن ساعة "الشعب يريد" قد حانت، وأن الطريق إلى إرادة الشعب تبدأ من قول "ارحل" لمن اغتصبها.
من تونس إلى مصر وليبيا وإلى اليمن والمغرب والبحرين وسورية.. انتشرت بقعة زيت الثورة ومطالب إسقاط الفساد والاستبداد عن رقعة العالم العربي. انجلى ليل جمهوريات بن علي ومبارك والقذافي وصالح، ولم يعد الحال في ممكلتي المغرب والبحرين كما كان، فيما صار ليل سورية أحلك.
لم يكن أكثر الثوار تشاؤما يتوقع أن ربيعهم الذي أزاح شتاء أنظمة استبدادية، ستأتي عليه رياح الارتداد الهوجاء، في أقل من ثلاث سنوات، لكن كذلك كان.
بين "الإحباط" وإعادة المحاولة
في حديث لـ "جيل العربي الجديد" يرى مراد المخنتر، الناشط في حركة 20 فبراير المغربية، أنه "بعد مرور ثلاث سنوات على انطلاق ما سمي بالربيع العربي، إن جاز حاليا تسميته بذلك، شهدنا مآلاته في جل الدول التي مسها".
الناشط الشاب الذي كان من بين من كانوا يرفعون أصواتهم في شوارع العاصمة المغربية الرباط للمطالبة بـ "إسقاط الفساد والاستبداد" و"إقرار ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم" و"فصل الثروة عن السلطة"، يعتبر أن "هذه المآلات في نظري لا بد أن تسبب الإحباط، وطبيعي أن ينتج هذا الإحباط خصوصا لدى فئة الشباب الذين كانوا فاعلين أساسيين في الحراك".
لا يحتاج مراد المخنتر الكثير من الكلام لتوصيف أسباب ما اعتبره إحباطا اعترى شبابا كانوا يرون أن ساعة قطف أزهار ربيعهم آن أوانها، فيقول في جملة واحدة أن "منسوب الطموح والنظرة المتفائلة التي ولدتها اللحظة تبخرت".
وكما تفاوتت آمال الشباب العربي المنتفض من قطر عربي إلى آخر، كذلك كانت "إحباطاتهم"، وفي ذلك يقول مراد "طبعا درجة الإحباط ستكون متفاوتة بين الدول فلكل كان له طموحه، في المغرب مثلا شاهدنا أن تراجع الحراك أدى إلى نوع من الإحباط لدى الشباب خصوصا الفاعلين في حركة 20 فبراير، أي المناضلين، أما في سورية وفي ليبيا فهناك مأساة حقيقية، فمن يرى ما يحصل هناك سيقول اللهم الوضع الحالي ولا ما يحصل في تلك الدول.
الصورة ليست قاتمة تماما، والارتداد ليس قدرا محتوما للربيع العربي عند الناشط المغربي الشاب والباحث في العلوم السياسية مراد المخنتر، فـ "قد يمكننا الحديث عن بعض الإحباط لكننا لا نتحدث عن يأس، فالسياسي من طبيعته إعادة المحاولة دائما، وفي جميع الأحوال هناك ديناميات أخرى نتجت عن الحراك الذي انطلق سنة 2011"، يختم حديثه.
"ظواهر" ما بعد الربيع
في محاولته لقراءة "ظواهر" ما بعد الربيع العربي يقول عبد الحكيم كريم، الباحث في العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط، إن "مأزق المرحلة الانتقالية بارتداداتها العنيفة التي شكلت انتكاسا على الحالة الرومانسية للثورة في بدايتها، أنتج حالة من اليأس والتوجس من الغد لدى فئات عريضة من الشباب، وكذلك حالة الانفصال عن المجتمع"، مضيفا أن "الحالة المصرية تشكل نموذجا دالا في هذا الصدد، خاصة بعد تحولات 30 يونيو وما رافقها من عنف وانسداد في الأفق السياسي".
حالة انتحار الناشطة المصرية زينب المهدي لم تغب في تحليل عبد الحكيم كريم فـ "انتحار الناشطة المصرية زينب المهدي والتي عرفت بحيويتها أيام الثورة، مؤشر قوي على حالة الانكسار والهزيمة أمام الواقع المعقد الجديد، واختفاء زينب سبقه وواكبه اختفاء رمزي لنشطاء آخرين فضلوا الانسحاب من المجال العام بعد أن كانوا أهم فاعل فيه".
ثمة ثلاث سناريوهات أو توجهات يتوقعها الباحث المغربي لمواجهة ما سماه انسداد الأفق السياسي والهوس الأمني والتضييق على النشطاء في مصر على الأقل، "أولها تزايد حالة الانسحاب من الفعل العام والاختفاء من واجهة الأحداث (حالة زينب ووائل غنيم)، ثانيها العودة إلى الفضاء الافتراضي كما حدث قبل 25 يناير 2011، وبوتيرة أكبر يمكن الوقوف عليها من خلال زيارة مواقع التواصل الاجتماعي التي سجلت إبداعات شبابية متميزة في إطار ما يمكن تسميته بهدير الأفكار التي وفرت وسائط التواصل الحديثة سرعة تداولها، وثالثها الاتجاه للعنف خاصة لدى المحسوبين على التوجه الاسلامي".
خاتمة القول، إن مخرجات الحراك العربي أبرزت ظواهر جديدة في المجتمعات العربية، لم تقتصر على الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية التي شهدت تحولات عميقة فرضها تدفق الحالة الثورية، بل شملت أيضا أبعادا أخرى مثيرة تستحق الدراسة، خاصة الأبعاد الإدراكية والنفسية لفئات المجتمع المختلفة، وتمثلها للواقع السياسي والاجتماعي الجديد.
*المغرب