حمل الفتى مأمون الخطيب، صبيحة يوم الثلاثاء الماضي، حقيبته المدرسية بعد أن أعدت له أمه ولإخوته الصغار "ساندويتشات" الفطور ليصطحبها معه، ثم خرج كالمعتاد باتجاه مدرسته في بلدة بيت ساحور، شرقي مدينة بيت لحم، جنوب الضفة الغربية المحتلة.
في تمام التاسعة صباحا، تلقى والده، رائد الخطيب اتصالا من أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية في معكسر قبة بلال بن رباح، عند المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، يطلب منه الحضور الفوري للتحقيق معه دون تقديم أية تفاصيل حول ذلك.
توجه الأب إلى المعسكر. هناك خضع للانتظار لمدة ساعة من الزمن، وحينها تلقى عبر اتصالات هاتفية من معارفه نبأ استشهاد نجله مأمون، ابن السادسة عشرة، برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، عند مفترق مستوطنات "غوش عتسيون" جنوبي مدينة بيت لحم، جنوب الضفة الغربية المحتلة.
"لم أصدق أحداً، ولم أستطع التصديق". يحكي الأب، لـ"العربي الجديد"، قصة تلقيه نبأ استشهاد ابنه، ويضيف: "استيقظ مأمون في الصباح الباكر. ارتدى ملابسه، ثم حمل حقيبته وغادر باتجاه المدرسة. مأمون كان في المدرسة كالمعتاد، لا أدري ما الذي جرى".
رفض ضابط المخابرات الإسرائيلي أن يقدم أية معلومات إضافية عن مأمون. فقط اكتفى بالتحقيق مع الأب، وتأكيد خبر استشهاد ابنه، الذي نزل كالصاعقة على الأب، الذي يحمل علاقة صداقة تربطه مع نجله الأكبر، كذلك رفض السماح له برؤيته أو التعرف عليه.
في حياة الفتى الشهيد مأمون الخطيب تفاصيل كثيرة، ويملك الكثير من المواهب والأشياء التي يحب عملها في طقوسه اليومية.
أما رواية الاحتلال الإسرائيلي التي يقول فيها إن مأمون حاول تنفيذ عملية طعن لأحد جنود الاحتلال، عند مفترق مستوطنات "غوش عتسيون"، فهي مشكوك فيها، وقد يكون الشهيد بحسب الأب قد توجه إلى مدينة الخليل لزيارة بيت جده، وسبق له أن أبلغ أمه بأنه يشتاق لهم ويرغب في زيارتهم.
"كان يحكيلنا أنه مشتاق لبيت جده، وأبلغناه أننا سنزورهم حينما تهدأ الأمور. هو فتى صغير. أي طالب قد يترك مدرسته ويتوجه لأناس يرغب في زيارتهم. ولا أدري قد تكون حدثت معه مشكلة هناك عند مفترق المستوطنات. تلك الطريق المؤدية إلى مدينة الخليل وقتلوه"، يُضيف الوالد.
ومأمون، كأي فتى فلسطيني، يعيش حياة طبيعية، يقول الأب "كان يعيش حياة مرفهة، ويحب تبديل الملابس، وهو بشوش وكثير المزاح، وعلاقته جيدة مع العائلة، وهو الذي كان يخلق جو المرح والفرح والضجيج في المنزل، الذي سيفتقده كثيرا".
ولأن علاقة صداقة كانت تربطه مع أبيه، كانا يدخنان النرجيلة معا، ويتابعان مباريات فريقهم المفضل "برشلونة" مع بعضهما، وفي أوقات الفراغ، كانا يلعبان كرة القدم في باحة المنزل، والكثير من تفاصيل الحياة التي استعادها الوالد على عجالة، مع حشرجة من الحزن، خلال حديثه مع "العربي الجديد".
أبعدت رصاصات جنود الاحتلال الإسرائيلي مأمون عن حلمه في تنمية موهبة الغناء، التي كان يملكها، حيث كان الشاب يتمتع بصوت جميل ويشارك في الكثير من الفعاليات في مدرسته، التي وصل فيها إلى الصف الحادي عشر بتقدير جيد جدا، وبعد اليوم لن يجد الأب ابنه لتشجيعه في المشاركة حين يكبر ببرامج غنائية على صعيد العالم العربي.
لم يأبه جنود الاحتلال الإسرائيلي لأن مأمون لم يغادر عتبات الطفولة بعد، ولا حتى سمحوا له بالحياة حتى يكمل الثانوية العامة ويلتحق بالجامعة، ولم يتركوا لوالده فرصة تعليمه قيادة المركبات كما وعده، ولا ترتيب مخططاته في تزويج ابنه البكر حين يكبر.
ختم الأب الحزين على فراق ولده حديثه مع "العربي الجديد" وهو لا يزال غير مصدّقٍ أن ابنه قد استشهد، بينما ستبكي أمه عندما ستستيقط في كل صباح لتوقظ مأمون وتعدّ له "ساندويشاته" وتعطيه مصروفه كي يتوجه إلى مدرسته.
اقرأ أيضاً:استشهاد شاب برصاص الاحتلال في القدس المحتلة