لا ينسى المصريون قصة السيدة المصرية التي اضطرت إلى ولادة طفلها في الشارع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بسبب رفض إدارة المستشفى إدخالها لعدم امتلاكها المال الكافي لعملية الولادة. فهي تشبه قصص ملايين المصريين الذين يعانون من تردي الخدمات الصحية في بلادهم، رغم الزيادات التي تعلنها الحكومات المتعاقبة في النسبة المخصصة لقطاع الصحة في الموازنة العامة للدولة.
ويوضح عضو مجلس نقابة الأطباء المصرية، الدكتور حسام كمال لـ"العربي الجديد": أن الخدمات الصحية في مصر ليست جيدة، فالمستشفيات الحكومية تقدم خدمات رديئة للمواطنين، فضلا عن النقص الشديد الذي تعانيه في الأجهزة الطبية والأدوية العلاجية ووسائل السلامة والنظافة والعناية بالمرضى.
وذلك على الرغم من الزيادة التي أضافتها الحكومة على النسبة المخصصة لقطاع الصحة من الموازنة العامة للدولة، حيث وصلت إلى 4.8 في المائة بدل 4.6 في المائة من الموازنة.
نصوص غير مطبقة
ويشير كمال إلى أن مصر وقعت في 2001 على اتفاقية "أبوجا" والتي تُلزم الحكومة برفع ميزانية الصحة لحد أدنى 15 في المائة من ميزانية الدولة، وهو ما لم تلتزم به أي من الحكومات التي توالت على البلاد من وقتها.
كما أن الاستحقاق الدستوري الأخير "دستور 2014"، ينص في جزء من مادة 18 على أنه "لكل مواطنٍ الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 في المائة من الناتج القومي الإجمالي - ما يعادل 9 في المائة من الموازنة العامة - تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية"، "ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة".
سؤال صعب
وحول قدرة الدولة، على علاج مواطنيها، وهي تعاني هذا الخلل في مستوى الخدمات الصحية، خاصة من الأمراض المنتشرة في البلاد كمرض التهاب الكبد الوبائي فيروس سي، والذي تسجل فيه مصر المركز الأول عالميا، إذا علمنا أن تكلفة العلاج بالعقار الجديد
سوفالدي هي 900 دولار في مدة علاج عام كامل، وأن التأمين الصحي سيتحمل تكلفة هذا العلاج لمن يغطيهم التأمين.
يوضح كمال "لا ألمس أية نية من الحكومة الحالية لتحسين الخدمات الصحية، ناهيك عن الميزانية الضعيفة المخصصة للصحة والتي لا تصل كلها للقطاعات المخصصة لها، نتيجة الفساد والإهدار المتعمد في المخصصات المالية، فكيف لها أن تعالج هذا العدد الكبير من المرضى بمستشفيات متهالكة، وتتحمل تكلفة العلاج دون موارد مالية كافية.
ميزانيات الصحة
وتقول أمين عام نقابة الأطباء، الدكتورة منى مينا إنه، وعلى الرغم من وجود زيادة في نسبة الإنفاق الصحي في 2014 وصلت 0.1 في المائة من الناتج القومي عن العام الماضي، لكن في المقابل نجد أن الميزانية المخصصة لدعم الأدوية وألبان الأطفال انخفضت في العام المالي الحالي إلى 300 مليون جنيه، بدلا من 655 مليون جنيه في العام المالي الماضي.
كما أن مخصصات شراء الأدوية والأمصال والطعوم كانت في العام المالي السابق 3.395 ملايين جنيه، لتصبح 3.397 ملايين جنيه، ومع حساب نسبة التضخم يتضح أنها انخفضت بحوالي 10 في المائة، كما انخفض دعم التأمين الصحي الشامل في العام المالي الحالي إلى صفر، بدلا من 1500 مليون جنيه في العام المالي السابق.
وبالتالي فإن الزيادة لم يشعر بها المواطن، ولم يجد تحسنا في الخدمات الصحية المقدمة ولا في توافر الأدوية ومستلزمات العلاج بالمستشفيات.
وأشارت مينا إلى أن هذه الزيادة في ميزانية الصحة لم تذهب أيضا لزيادة أجور الأطباء وأعضاء الفريق الطبي، والتي أقرت في قانون 14، متسائلة: أين ذهبت الزيادة في ميزانية الصحة؟
الفحم الحجري
وفيما يتعلق بالجانب الوقائي، فإنه بالإضافة للانتهاكات التي تقوم بها الدولة تجاه حق المواطنين في العيش في بيئة صحية توفر لهم الوقاية من الأمراض، حيث تنوعت مظاهر أزمة تلوث الهواء الناتج عن أدخنة المصانع المحيطة بالمناطق السكنية أو عوادم السيارات أو عمليات حرق القمامة.
كان الأمر الأكثر وضوحا في آثاره الكارثية على صحة المصريين خلال عام 2014، هو قرار حكومة إبراهيم محلب في إبريل/نيسان الماضي، استخدام الفحم الحجري في صناعة الإسمنت وتوليد الكهرباء بدلا من الغاز الطبيعي، لتضيف كارثة بيئية وصحية جديدة، أهم نتائجها، كما يوضح ائتلاف "مصريون ضد الفحم"، هي إصابة المواطنين بأمراض القلب وتصلب الشرايين وسرطان الرئة.
بالإضافة إلى أن استخدام الفحم سيكلف وزارة الصحة 24 مليار جنيه لعلاج الأمراض الناجمة عنه، وهو ما يساوي تقريبا 75 في المائة من ميزانية الصحة 2013 -2014، كما سيكلف الدولة أكثر من ضعف الفائدة الاقتصادية المرجوة من استعمال الفحم.