تواجه خمس سلع غذائية أساسية في اليمن خطرا يهدد تراجعها التدريجي في الأسواق، والذي قد يصل إلى النفاد وارتفاع أسعارها بصورة تفوق قدرات اليمنيين، في سيناريو مشابه لأزمة الوقود المستمرة منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي.
ويشهد اليمن اضطرابات سياسية وعسكرية متواصلة أدت إلى تدهور سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية، خاصة مع نفاد الاحتياطي النقدي من الدولار، والذي كان عبارة عن وديعة سعودية بملياري دولار مخصصة لاستيراد خمس سلع غذائية مدعومة، وهي القمح والدقيق والأرز والسكر والأدوية، إلى جانب توفير العملة الصعبة لتجار المشتقات النفطية لاستيراد الوقود.
ويجد القطاع التجاري صعوبة بالغة في توفير العملة الصعبة وفتح الاعتمادات المستندية للاستيراد، في حين تعاني الحكومة من عجز مالي كبير وفقدانها نحو 70% من الموارد التي كانت متاحة قبل الحرب، مثل النفط وإيرادات الضرائب والجمارك.
وتشهد الأسواق اليمنية غلاءً فاحشا في أسعار السلع الغذائية مثل الدقيق الذي ارتفع سعره من 12 ألف ريال للكيس (50 كيلوغراما) إلى 15 ألفا، وزاد سعر كيس الأرز (50 كيلوغراما) من 35 ألف ريال إلى 45 ألف ريال (الدولار = 598 ريالا في صنعاء و765 ريالا في عدن).
وقال عضو المرصد الاقتصادي اليمني (منظمة أهلية) وأستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، علي سيف كليب، إن قوت اليمنيين أصبح عرضة للصراعات السياسية، ولابتزاز دولتي التحالف السعودية والإمارات، وتقلبات سعر صرف العملة المتواصل أمام العملات الأجنبية، مع ضعف القدرات الحكومية والبنك المركزي على التدخل لإدارة السياسة النقدية وضبط الأسواق التي تعاني من اختلالات واسعة على كافة المستويات.
وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن مختلف هذه الاختلالات والصعوبات وانعكاسات الصراع الدائر والتخبط الذي تعيشه الحكومة التي تفقد تواجدها على الأرض بشكل متواصل وتعمل بدون أي برنامج حكومي أو موازنة عامة، تصب في الأخير في اتجاه واحد، هو دفع المواطن نحو جحيم التضخم ونار الغلاء وانحسار سبل العيش.
وأصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أمس الأربعاء، قراراً جمهورياً، قضى بتكليف معين عبد الملك سعيد، بتشكيل الحكومة الجديدة التي ستتألف من 24 حقيبة، مع استمرار الحكومة الحالية لتصريف الأعمال. وفي محاولة لتهدئة الصراعات السياسية، سيتم تقاسم الحكومة المرتقبة بالمناصفة بين المحافظات الشمالية والجنوبية.
وأجرى البنك المركزي في عدن آخر عملية مصرفية من الوديعة السعودية لبيع الدولار للتجار المستوردين المستفيدين منها، قبل حوالي ثلاثة أشهر بنحو 140 مليون دولار، وهو آخر ما تبقى من الاحتياطي النقدي، وفق مصادر مصرفية رسمية في البنك تحدثت لـ"العربي الجديد"، في ظل رفض الرياض التي تقود مع شريكتها أبوظبي تحالفاً للحرب في اليمن، تجديد الوديعة.
ويعاني البنك، حسب المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، من عجز كبير في العملة الصعبة، الأمر الذي يجعله غير قادر على مواجهة المتطلبات المتعلقة بتوفير العملة الصعبة للتجار للاستيراد، خصوصاً أن الأسواق اليمنية تعاني من أزمة سلعية وانخفاض كبير في معروض عدد من السلع الغذائية المدعومة من الوديعة.
وكان البنك المركزي في عدن قد استأنف، منذ بداية الربع الأخير من عام 2018، تمويل واردات السلع الأساسية من قمح ودقيق وأرز وسكر وأدوية بسعر صرف رسمي ميسر للمستوردين الحصول على العملة الصعبة وفتح الاعتمادات المستندية، حيث تستغرق إجراءات الموافقة على التمويل 12 يوم عمل.
وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تنخفض مدفوعات رواتب القطاع العام بسبب محدودية الإيرادات الحكومية، مع معاناة اليمنيين وعدم قدرتهم على توسيع كسب الدخل.
ويشكو تجار من صعوبة بالغة في الحصول على عملة الاستيراد في الأسواق المحلية المختلفة، وعبء فارق سعر الصرف الذي تجاوز نسبة 15% بين إصدارات الفئات الورقية المتداولة في كل منطقة وفق السلطات الحاكمة لها.
وحذروا من استمرار هذا الوضع، مع تواصل الاضطرابات السياسية والعسكرية، ونفاد الوديعة، والذي أصبح يشكل خطرا محدقا سيؤدي إلى تأكل المخزون الاستراتيجي الذي يعول عليه في مجابهة التحديات الإضافية التي خلفها فيروس كورونا.
وحسب بيانات حديثة اطلعت عليها "العربي الجديد"، فقد تراجعت واردات المواد الغذائية إلى اليمن، خصوصاً من موانئ البحر الأحمر المتمثلة في ميناءي الحديدة والصليف إضافة إلى ميناء عدن، بشكل غير مسبوق خلال الشهرين الماضيين بنسبة تتجاوز 65%، مقارنة بالمتوسط الشهري للواردات لشهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وأرجع عضو في الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية، علي عيسي، السبب في ذلك إلى عدة عوامل أسهمت في انكماش الواردات، بما في ذلك التباطؤ التجاري الذي صاحب تفشي فيروس كورونا، ونفاد الاحتياطي النقدي من الدولار، وتوقف تمويل البنك المركزي في عدن الواردات السلعية من المواد الغذائية الأساسية.
ويتحدث عيسى لـ"العربي الجديد"، عن تأثر الأسواق اليمنية بالصراع الدائر المتعلق بتفتيش السفن المحملة بالبضائع والمشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة غربي اليمن، إذ أن هناك سفنا تجارية محملة بالمواد الغذائية محتجزة في عرض البحر، إلى جانب العراقيل التي يواجهها القطاع التجاري في حال الاستيراد عبر ميناء عدن جنوبي اليمن الخاضع لسيطرة قوات عسكرية موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، وما يصاحب الاستيراد كذلك عبر ميناء عدن من ارتفاع مضاعف في أجور النقل.
ويستورد اليمن معظم احتياجاته الغذائية من الخارج، وتقدر فاتورة استيراد القمح والدقيق حالياً بأكثر من مليار دولار سنوياً.
ويوضح متعهد تجاري في الأسواق اليمنية، عبد الجبار الحسامي، أن الحرب فرضت العديد من الصعوبات على المستوردين، بما فيها ارتفاع تكلفة التأمين على الشحنات، والتأخير في تصاريح الموانئ وإجراءات التخليص الجمركي، وانخفاض قدرات الموانئ، إضافة وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى تعقد الوضع أكثر مع انقسام السلطة النقدية.