03 مارس 2022
الصين.. خطوة إلى الوراء
كأن الصين تتخلص من "الثورة الثقافية" إلى الأبد، وترمي آخر تراث الزعيم ماو تسي تونغ في كتب التاريخ. أم أن هناك تفسيرا آخر لموافقة مجلس الشعب الصيني على إدخال تعديلات على دستور البلاد، تلغي القيود المفروضة على مدة ولايات حكم رئيس البلاد ونائبه، وكانت محددة بولايتين، مدة كل منها خمس سنوات، وفتح الباب لإمكانية انتخاب الرئيس لفترات غير محدودة، أي لمدى الحياة.
قبل خمسين سنة تقريبا، وبالضبط بين العامين 1966 و1976، ثار الشباب الصيني في محاولة لتطهير البلاد من "الحرس القديم"، استجابة لنداء الزعيم ماو تسي تونغ، مُفجر الثورة الثقافية، الذي حث على تشكيل "الحرس الأحمر" لمعاقبة البرجوازية والأزياء والثقافة والعادات والأفكار القديمة. ثار الشباب والطلاب استجابة لنداء القائد، ونظموا أنفسهم في المجموعات الأولى من الحرس الأحمر، ثم لحق بهم العمال والجنود، وراحت "الثورة الثقافية" تحرق المعابد والكنائس والمساجد، وكذلك النصوص المقدسة والتماثيل الدينية، وأطاح الحرس الأحمر مناهضي الثورة البرجوازيين، وعُقد ما عُرفت آنذاك بـ "جلسات تعذيب" لأصحاب الأفكار الرأسمالية، والتي غالبا ما كانت تنتهي بموت المُستجوب، أو رميه في غياهب السجون حتى الموت.
غير أن الثورة الثقافية التي أرادت إيقاف "القفزة الكبرى إلى الأمام"، التي وضعها تسي تونغ لتحويل الصين من بلد زراعي إلى بلد صناعي، انحرفت عن مسارها، وجرفت الصين إلى الفوضى، والاقتتال الداخلي بين الجيش والحرس الأحمر، وتعطل التعليم بإغلاق المدارس وملاحقة المعلمين، وزادت متاعب الاقتصاد الصيني الذي كان منهكاً أصلا بسبب فشل خطة. وسرعان ما تحولت الثورة الثقافية الى صراع داخل الحزب الشيوعي على السلطة والمراكز. حتى انتهى الأمر بسيطرة زوجة ماو تسي تونغ وثلاثة من المقرّبين منها عرفوا بـ"عصابة الأربعة" على مفاصل الحكم ودواليب الدولة.
بوفاة الرئيس الصيني، شو آن لاي، في العام 1976، ثم وفاة ماو تسي تونغ في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، انتهت حقبة "الثورة الثقافية"، الأسوأ في تاريخ الصين الحديث، وعاد الرائد الإصلاحي، دينغ هسياو بينغ، إلى السلطة في العام 1978، بعد أن أطاحته الثورة في العام 1966. أخذ بينغ بقيادة الصين نحو مرحلة جديدة عنوانها "الإصلاح والانفتاح". ومنذ ذلك الحين، سارت الصين نحو تحجيم مركزية السلطة، وترشيد القطاع العام وجذب الاستثمارات الخارجية، وتنمية القطاع الخاص بالمشاركة مع الشركات الاجنبية.
وطوال نصف قرن منذ نهاية الثورة الثقافية، عملت القيادات السياسية المتعاقبة، بمن فيهم الرئيس الحالي، شي جين بينغ، على ترسيخ دعائم الإصلاح السياسي والدستوري في البلاد، خصوصا داخل الحزب الشيوعي الحاكم والدولة والاقتصاد والمجتمع. والأهم من ذلك، اتخاذ قرارات تتعلق بضرورة تداول قمة القيادة السياسية داخل الحزب (الأمين العام) والكوادر القيادية في اللجنة المركزية والمكتب السياسي. كما أولت الصين في هذه المرحلة عدداً من القضايا السياسية قدراً كبيراً من الأهمية عن ذي قبل، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان. ففي كلمة لرئيس الوزراء الصيني، وين جيابو، في الجلسة الختامية لمجلس الشعب الوطني في مارس/ آذار 2007 قال "إن كلاً من الديمقراطية والقانون والحرية وحقوق الإنسان والإخاء ليست خصائص مميزة للرأسمالية. إنها النتائج المشتركة للحضارة، جاءت إلى الوجود في تاريخ العالم برمته، ضمن القيم التي تسعى إليها البشرية جمعاء".
بينما يرى أنصار التوجهات الصينية التعديلات الدستورية ضروريةً لأن متطلبات الصراع بين الصين والولايات المتحدة تفرض ترتيباتٍ داخليةً تختلف عن التي كانت قائمة بين البلدين منذ ثمانينيات القرن الماضي، يرى آخرون أن التعديلات الدستورية تكرس الديكتاتورية والحكم الشمولي الفردي في الصين، وتقضي على آمال ملايين الصينيين في الديمقراطية. وما بين هذا وذاك، تظل الصين تراوح بين "خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف"، على طريقة فلاديمير لينين، لترجع مجدداً إلى الخلف، حتى قبل أن تتعافى تماماً من ندوب "الثورة الثقافية".
قبل خمسين سنة تقريبا، وبالضبط بين العامين 1966 و1976، ثار الشباب الصيني في محاولة لتطهير البلاد من "الحرس القديم"، استجابة لنداء الزعيم ماو تسي تونغ، مُفجر الثورة الثقافية، الذي حث على تشكيل "الحرس الأحمر" لمعاقبة البرجوازية والأزياء والثقافة والعادات والأفكار القديمة. ثار الشباب والطلاب استجابة لنداء القائد، ونظموا أنفسهم في المجموعات الأولى من الحرس الأحمر، ثم لحق بهم العمال والجنود، وراحت "الثورة الثقافية" تحرق المعابد والكنائس والمساجد، وكذلك النصوص المقدسة والتماثيل الدينية، وأطاح الحرس الأحمر مناهضي الثورة البرجوازيين، وعُقد ما عُرفت آنذاك بـ "جلسات تعذيب" لأصحاب الأفكار الرأسمالية، والتي غالبا ما كانت تنتهي بموت المُستجوب، أو رميه في غياهب السجون حتى الموت.
غير أن الثورة الثقافية التي أرادت إيقاف "القفزة الكبرى إلى الأمام"، التي وضعها تسي تونغ لتحويل الصين من بلد زراعي إلى بلد صناعي، انحرفت عن مسارها، وجرفت الصين إلى الفوضى، والاقتتال الداخلي بين الجيش والحرس الأحمر، وتعطل التعليم بإغلاق المدارس وملاحقة المعلمين، وزادت متاعب الاقتصاد الصيني الذي كان منهكاً أصلا بسبب فشل خطة. وسرعان ما تحولت الثورة الثقافية الى صراع داخل الحزب الشيوعي على السلطة والمراكز. حتى انتهى الأمر بسيطرة زوجة ماو تسي تونغ وثلاثة من المقرّبين منها عرفوا بـ"عصابة الأربعة" على مفاصل الحكم ودواليب الدولة.
بوفاة الرئيس الصيني، شو آن لاي، في العام 1976، ثم وفاة ماو تسي تونغ في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، انتهت حقبة "الثورة الثقافية"، الأسوأ في تاريخ الصين الحديث، وعاد الرائد الإصلاحي، دينغ هسياو بينغ، إلى السلطة في العام 1978، بعد أن أطاحته الثورة في العام 1966. أخذ بينغ بقيادة الصين نحو مرحلة جديدة عنوانها "الإصلاح والانفتاح". ومنذ ذلك الحين، سارت الصين نحو تحجيم مركزية السلطة، وترشيد القطاع العام وجذب الاستثمارات الخارجية، وتنمية القطاع الخاص بالمشاركة مع الشركات الاجنبية.
وطوال نصف قرن منذ نهاية الثورة الثقافية، عملت القيادات السياسية المتعاقبة، بمن فيهم الرئيس الحالي، شي جين بينغ، على ترسيخ دعائم الإصلاح السياسي والدستوري في البلاد، خصوصا داخل الحزب الشيوعي الحاكم والدولة والاقتصاد والمجتمع. والأهم من ذلك، اتخاذ قرارات تتعلق بضرورة تداول قمة القيادة السياسية داخل الحزب (الأمين العام) والكوادر القيادية في اللجنة المركزية والمكتب السياسي. كما أولت الصين في هذه المرحلة عدداً من القضايا السياسية قدراً كبيراً من الأهمية عن ذي قبل، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان. ففي كلمة لرئيس الوزراء الصيني، وين جيابو، في الجلسة الختامية لمجلس الشعب الوطني في مارس/ آذار 2007 قال "إن كلاً من الديمقراطية والقانون والحرية وحقوق الإنسان والإخاء ليست خصائص مميزة للرأسمالية. إنها النتائج المشتركة للحضارة، جاءت إلى الوجود في تاريخ العالم برمته، ضمن القيم التي تسعى إليها البشرية جمعاء".
بينما يرى أنصار التوجهات الصينية التعديلات الدستورية ضروريةً لأن متطلبات الصراع بين الصين والولايات المتحدة تفرض ترتيباتٍ داخليةً تختلف عن التي كانت قائمة بين البلدين منذ ثمانينيات القرن الماضي، يرى آخرون أن التعديلات الدستورية تكرس الديكتاتورية والحكم الشمولي الفردي في الصين، وتقضي على آمال ملايين الصينيين في الديمقراطية. وما بين هذا وذاك، تظل الصين تراوح بين "خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف"، على طريقة فلاديمير لينين، لترجع مجدداً إلى الخلف، حتى قبل أن تتعافى تماماً من ندوب "الثورة الثقافية".