تفتح صواريخ "توماهوك" الـ 59 التي أطلقتها مدمرات أميركية على مطار (قاعدة) الشعيرات قرب حمص، فجر أمس الجمعة، فصلاً جديداً من التحولات في المشهد السوري يعد الأهم منذ سنوات، في ظل الرسائل العسكرية والسياسية الحاسمة التي تحملها الضربة العسكرية الأميركية، سواء في ما يتعلق بمدى الانخراط الأميركي خلال المرحلة المقبلة في سورية، أو في ما يتعلق بالخطوط الحمراء التي لم يعد مسموحاً للنظام السوري تجاوزها.
كما أن الضربة الأميركية تحمل رسائل واضحة إلى حلفاء النظام، تحديداً روسيا، بأن المضي في دعم بشار الأسد لن يكون بعد اليوم بلا تبعات، تحديداً على صعيد العلاقات الأميركية الروسية. وهو ما يفسر إلى حد بعيد الاستنفار الروسي عقب الضربة الأميركية، حتى بدا خلال الساعات الأولى التي أعقبت استهداف قاعدة الشعيرات أن موسكو، عبر مسؤوليها ووكالات أنبائها، تخوض المعركة الكلامية بالنيابة عن النظام السوري، فظهرت منذ ساعات الفجر توصيفات "العدوان الأميركي الذي يخالف القانون الدولي"، والذي استوجب تعليق العمل بالاتفاقية الأميركية ــ الروسية حول سلامة الطيران الجوي في سورية، مع تنديد لم يصل، حتى الآن، إلى مستوى التهديد، ما خلا الوعيد الروسي بأن الضربة الأميركية ستؤثر على مستقبل العلاقات الأميركية ــ الروسية التي تشكل ثقلاً يرغب ترامب ربما بالتخفيف من حمله، فضلاً عن إبداء مجلس الأمن القومي الروسي القلق من "العواقب السلبية الحتمية من الأعمال العدائية المماثلة التي ستؤثر على الجهود المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب".
اقــرأ أيضاً
وجاءت المواقف الروسية، التي واكبها موقف إيراني مماثل، في مواجهة التحول الأميركي الذي لاقى تأييداً وتفهماً دولياً وعربياً واسعاً. تفهم لا ينفصل عن التوقيت والظروف الذي نفذت فيه الضربة العسكرية، إذ إنها أتت بعد أيام من الهجوم الكيمياوي الذي نفذه النظام السوري في خان شيخون، وما تبعه من عجز دولي عن اتخاذ أي قرار في مجلس الأمن ضد النظام السوري بفعل الدور الذي تؤديه روسيا في الدفاع عن بشار الأسد ومنع تعرضه لأي محاسبة، فيما بدا اجتماع مجلس الأمن أمس الجمعة كموعد إضافي لتكريس الانقسام حيال الملف السوري، بعدما انقسمت الكلمات بين مؤيد للضربة ومعارض لها.
دلالات الضربة الأميركية
ووضعت الضربة الأميركية، الأولى من نوعها ضد النظام السوري، حداً للتساؤلات حول ما إذا كان إدارة دونالد ترامب مستعدة للانخراط بشكل أكبر عسكرياً في سورية، بعدما كان الاعتقاد السائد يفيد بأنها لن تبتعد كثيراً عن استراتيجية إدارة باراك أوباما في ما يتعلق بالملف السوري، لا سيما بعدما كان مسؤولو إدارة ترامب الأكثر مجاهرة بعدم الرغبة في تغيير رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال الأيام التي سبقت هجوم خان شيخون. إلا أن الضربة جاءت لتؤكد أن إدارة ترامب مستعدة للذهاب بعيداً، وإن بدا واضحاً حرصها على وضع أغلب الحلفاء وحتى الروس في أجواء الغارة قبل تنفيذها بوقت قصير. ما يشير إلى أن الأهداف السياسية للضربة أكبر من أهدافها العسكرية، وأنها أقرب إلى ذلك النوع من الضربات التي ينحصر الهدف منها بالقول إن أميركا جاهزة للحرب ولا تخشاها كحال أوباما في الأمس القريب، حتى بدت أنها أقرب إلى مجرد ضربة ــ إنذار ربما تليها خطوات لا تتوقف التسريبات الأميركية حولها، من نوع تحييد المطارات العسكرية للنظام وصولاً إلى فرض حظر جوي فوق سورية، مروراً بإعادة منح الثقة للفصائل السورية المسلحة التي لا يجمعها مع تنظيمي "داعش" و"النصرة" سوى العداء والحرب، انتهاءً ربما بإقامة مناطق آمنة من الإرهابَين الداعشي والأسدي.
إرباك النظام السوري
في موازاة ذلك، بدا النظام السوري وحلفاؤه كمن يحاول استيعاب الصدمة. فمن يتابع ردود الفعل الغاضبة لمعسكر داعمي النظام السوري، المغلّفة بشعار "كنا نتوقّعها" أو حتى الترويج إلى المعرفة المسبقة بها، وفي نفس الوقت الهجوم عليها، يدرك حجم الإرباك في التعامل مع التحول الأميركي وارتداداته السياسية، والذي لا بد أن يترك أثراً عسكرياً سيكون حاسماً في تحديد وجهة وشكل إقفال الملف السوري يوماً ما، لا سيما أن الضربة تنطوي على رسالة واضحة مفادها أن زمن باراك أوباما قد تغير، وأن الاستمرار الروسي في دعم نظام الأسد له تبعات وعواقب.
وتولت وكالة الأنباء التابعة للنظام السوري "سانا" نشر بيانات حول الضربة وعدم تأثير الضربة الأميركية على نظرة دمشق لخيار الحسم العسكري والنية بالمزيد من التصعيد. وفي السياق، أصدرت الرئاسة السورية بياناً اعتبرت فيه أن الضربة الأميركية تصرف "أرعن غير مسؤول ولا ينم الا عن قصر نظر وضيق أفق وعمى سياسي وعسكري عن الواقع".
واعتبرت الرئاسة السورية أن هذا "الفعل المشين عبر استهداف مطار لدولة ذات سيادة يوضح بالدليل القاطع مرة أخرى (...) أن تعاقب الإدارات لهذا النظام لا يغير من السياسات العميقة لكيانه المتمثلة باستهداف الدول وإخضاع الشعوب ومحاولة الهيمنة على العالم".
وأشارت إلى أن "هذا العدوان زاد من تصميم سورية على ضرب هؤلاء العملاء الإرهابيين وعلى استمرار سحقهم ورفع وتيرة العمل على ذلك أينما وجدوا على مساحة الأراضي السورية".
اقــرأ أيضاً
وكان الجيش الأميركي قد أطلق فجر الجمعة، 59 صاروخاً عابرا من طراز "توماهوك" استهدفت مطار الشعيرات العسكري في محافظة حمص في وسط البلاد.
وقالت القيادة العامة لجيش النظام السوري إن الاستهداف عند الساعة 3.42، ما أدى إلى مقتل 6 عسكريين فضلاً عن إصابة آخرين. كما أشارت إلى سقوط مدنيين، واعترفت بوقوع "أضرار مادية كبيرة" في المطار، فيما قالت مصادر محليّة لـ"العربي الجديد" إنّ "مطار الشعيرات خرج من الخدمة، نظراً للأضرار الكبيرة التي لحقت به".
من جهتها، أبدت المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، ارتياحها للضربة العسكرية. ورحبت فصائل الجيش السوري الحر بالعملية العسكرية، معتبرة أنها "خطوة أولى بالاتجاه الصحيح نحو تحمل المنظومة الدولية مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية لحماية المدنيين السوريين وإنقاذهم من حرب الإبادة التي أطلقها رأس النظام ومجرم الحرب بشار الأسد على السوريين منذ عام 2011 مفلتاً من أي عقاب على أفعاله ومستفيداً من تردد الإدارة الأميركية السابقة وتقاعس المجتمع الدولي".
من جهته، رأى كبير المفاوضين في وفد المعارضة المفاوض في محادثات جنيف، محمد صبرا، أن "ضربة قاعدة الشعيرات"، فجر الجمعة، "حملت رسائل كثيرة، ولجهات متعددة"، مضيفاً: "أولى هذه الرسائل إلى نظام بشار الأسد أنه لن يستطيع التحرك بحرية في قمع السوريين إلى ما لا نهاية، والرسالة الثانية لروسيا، وهي أن زمن الاستفراد وفرض الوقائع على الأرض قد انتهى".
بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، التابعة للمعارضة السورية، رياض نعسان آغا، إن الهدف من ضربة قاعدة الشعيرات "إبلاغ النظام أنه لا يملك تفويضاً بقتل كامل الشعب السوري، والاستمرار في تحدي البشرية".
وأعرب نعسان آغا، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن ما وصفها بـ"الضربة الإنذارية" ستجعل روسيا "تدرك أيضاً أنها ليست مطلقة الصلاحية بتدمير ما تبقى من سورية، وأن على إيران أن تعيد النظر بمشروعها التوسعي، وأن تدرك أن تغييراً كبيراً حدث في أميركا مع رحيل باراك أوباما الذي سلم الملف السوري لروسيا لتتفرد به، وأعطى إيران ضوءاً أخضر للتوسع والسيطرة الكاملة على العراق ولبنان وسورية، وسمح لها بأن تمتد إلى اليمن".
اقــرأ أيضاً
كما أن الضربة الأميركية تحمل رسائل واضحة إلى حلفاء النظام، تحديداً روسيا، بأن المضي في دعم بشار الأسد لن يكون بعد اليوم بلا تبعات، تحديداً على صعيد العلاقات الأميركية الروسية. وهو ما يفسر إلى حد بعيد الاستنفار الروسي عقب الضربة الأميركية، حتى بدا خلال الساعات الأولى التي أعقبت استهداف قاعدة الشعيرات أن موسكو، عبر مسؤوليها ووكالات أنبائها، تخوض المعركة الكلامية بالنيابة عن النظام السوري، فظهرت منذ ساعات الفجر توصيفات "العدوان الأميركي الذي يخالف القانون الدولي"، والذي استوجب تعليق العمل بالاتفاقية الأميركية ــ الروسية حول سلامة الطيران الجوي في سورية، مع تنديد لم يصل، حتى الآن، إلى مستوى التهديد، ما خلا الوعيد الروسي بأن الضربة الأميركية ستؤثر على مستقبل العلاقات الأميركية ــ الروسية التي تشكل ثقلاً يرغب ترامب ربما بالتخفيف من حمله، فضلاً عن إبداء مجلس الأمن القومي الروسي القلق من "العواقب السلبية الحتمية من الأعمال العدائية المماثلة التي ستؤثر على الجهود المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب".
وجاءت المواقف الروسية، التي واكبها موقف إيراني مماثل، في مواجهة التحول الأميركي الذي لاقى تأييداً وتفهماً دولياً وعربياً واسعاً. تفهم لا ينفصل عن التوقيت والظروف الذي نفذت فيه الضربة العسكرية، إذ إنها أتت بعد أيام من الهجوم الكيمياوي الذي نفذه النظام السوري في خان شيخون، وما تبعه من عجز دولي عن اتخاذ أي قرار في مجلس الأمن ضد النظام السوري بفعل الدور الذي تؤديه روسيا في الدفاع عن بشار الأسد ومنع تعرضه لأي محاسبة، فيما بدا اجتماع مجلس الأمن أمس الجمعة كموعد إضافي لتكريس الانقسام حيال الملف السوري، بعدما انقسمت الكلمات بين مؤيد للضربة ومعارض لها.
دلالات الضربة الأميركية
ووضعت الضربة الأميركية، الأولى من نوعها ضد النظام السوري، حداً للتساؤلات حول ما إذا كان إدارة دونالد ترامب مستعدة للانخراط بشكل أكبر عسكرياً في سورية، بعدما كان الاعتقاد السائد يفيد بأنها لن تبتعد كثيراً عن استراتيجية إدارة باراك أوباما في ما يتعلق بالملف السوري، لا سيما بعدما كان مسؤولو إدارة ترامب الأكثر مجاهرة بعدم الرغبة في تغيير رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال الأيام التي سبقت هجوم خان شيخون. إلا أن الضربة جاءت لتؤكد أن إدارة ترامب مستعدة للذهاب بعيداً، وإن بدا واضحاً حرصها على وضع أغلب الحلفاء وحتى الروس في أجواء الغارة قبل تنفيذها بوقت قصير. ما يشير إلى أن الأهداف السياسية للضربة أكبر من أهدافها العسكرية، وأنها أقرب إلى ذلك النوع من الضربات التي ينحصر الهدف منها بالقول إن أميركا جاهزة للحرب ولا تخشاها كحال أوباما في الأمس القريب، حتى بدت أنها أقرب إلى مجرد ضربة ــ إنذار ربما تليها خطوات لا تتوقف التسريبات الأميركية حولها، من نوع تحييد المطارات العسكرية للنظام وصولاً إلى فرض حظر جوي فوق سورية، مروراً بإعادة منح الثقة للفصائل السورية المسلحة التي لا يجمعها مع تنظيمي "داعش" و"النصرة" سوى العداء والحرب، انتهاءً ربما بإقامة مناطق آمنة من الإرهابَين الداعشي والأسدي.
إرباك النظام السوري
في موازاة ذلك، بدا النظام السوري وحلفاؤه كمن يحاول استيعاب الصدمة. فمن يتابع ردود الفعل الغاضبة لمعسكر داعمي النظام السوري، المغلّفة بشعار "كنا نتوقّعها" أو حتى الترويج إلى المعرفة المسبقة بها، وفي نفس الوقت الهجوم عليها، يدرك حجم الإرباك في التعامل مع التحول الأميركي وارتداداته السياسية، والذي لا بد أن يترك أثراً عسكرياً سيكون حاسماً في تحديد وجهة وشكل إقفال الملف السوري يوماً ما، لا سيما أن الضربة تنطوي على رسالة واضحة مفادها أن زمن باراك أوباما قد تغير، وأن الاستمرار الروسي في دعم نظام الأسد له تبعات وعواقب.
وتولت وكالة الأنباء التابعة للنظام السوري "سانا" نشر بيانات حول الضربة وعدم تأثير الضربة الأميركية على نظرة دمشق لخيار الحسم العسكري والنية بالمزيد من التصعيد. وفي السياق، أصدرت الرئاسة السورية بياناً اعتبرت فيه أن الضربة الأميركية تصرف "أرعن غير مسؤول ولا ينم الا عن قصر نظر وضيق أفق وعمى سياسي وعسكري عن الواقع".
واعتبرت الرئاسة السورية أن هذا "الفعل المشين عبر استهداف مطار لدولة ذات سيادة يوضح بالدليل القاطع مرة أخرى (...) أن تعاقب الإدارات لهذا النظام لا يغير من السياسات العميقة لكيانه المتمثلة باستهداف الدول وإخضاع الشعوب ومحاولة الهيمنة على العالم".
وأشارت إلى أن "هذا العدوان زاد من تصميم سورية على ضرب هؤلاء العملاء الإرهابيين وعلى استمرار سحقهم ورفع وتيرة العمل على ذلك أينما وجدوا على مساحة الأراضي السورية".
وكان الجيش الأميركي قد أطلق فجر الجمعة، 59 صاروخاً عابرا من طراز "توماهوك" استهدفت مطار الشعيرات العسكري في محافظة حمص في وسط البلاد.
وقالت القيادة العامة لجيش النظام السوري إن الاستهداف عند الساعة 3.42، ما أدى إلى مقتل 6 عسكريين فضلاً عن إصابة آخرين. كما أشارت إلى سقوط مدنيين، واعترفت بوقوع "أضرار مادية كبيرة" في المطار، فيما قالت مصادر محليّة لـ"العربي الجديد" إنّ "مطار الشعيرات خرج من الخدمة، نظراً للأضرار الكبيرة التي لحقت به".
من جهتها، أبدت المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، ارتياحها للضربة العسكرية. ورحبت فصائل الجيش السوري الحر بالعملية العسكرية، معتبرة أنها "خطوة أولى بالاتجاه الصحيح نحو تحمل المنظومة الدولية مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية لحماية المدنيين السوريين وإنقاذهم من حرب الإبادة التي أطلقها رأس النظام ومجرم الحرب بشار الأسد على السوريين منذ عام 2011 مفلتاً من أي عقاب على أفعاله ومستفيداً من تردد الإدارة الأميركية السابقة وتقاعس المجتمع الدولي".
من جهته، رأى كبير المفاوضين في وفد المعارضة المفاوض في محادثات جنيف، محمد صبرا، أن "ضربة قاعدة الشعيرات"، فجر الجمعة، "حملت رسائل كثيرة، ولجهات متعددة"، مضيفاً: "أولى هذه الرسائل إلى نظام بشار الأسد أنه لن يستطيع التحرك بحرية في قمع السوريين إلى ما لا نهاية، والرسالة الثانية لروسيا، وهي أن زمن الاستفراد وفرض الوقائع على الأرض قد انتهى".
بدوره، قال المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، التابعة للمعارضة السورية، رياض نعسان آغا، إن الهدف من ضربة قاعدة الشعيرات "إبلاغ النظام أنه لا يملك تفويضاً بقتل كامل الشعب السوري، والاستمرار في تحدي البشرية".
وأعرب نعسان آغا، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن ما وصفها بـ"الضربة الإنذارية" ستجعل روسيا "تدرك أيضاً أنها ليست مطلقة الصلاحية بتدمير ما تبقى من سورية، وأن على إيران أن تعيد النظر بمشروعها التوسعي، وأن تدرك أن تغييراً كبيراً حدث في أميركا مع رحيل باراك أوباما الذي سلم الملف السوري لروسيا لتتفرد به، وأعطى إيران ضوءاً أخضر للتوسع والسيطرة الكاملة على العراق ولبنان وسورية، وسمح لها بأن تمتد إلى اليمن".