ورغم عدم احتلال تنظيم "داعش" للمدينة عندما اجتاح المدن العراقية الشمالية والغربية وأطرافاً من بغداد، إلاّ أنها ما زالت تعاني وضعاً إنسانياً مزرياً، وفقاً لمسؤول مركز "الرصد الحقوقي" في بغداد طلال المشهداني، الذي كشف في حديث لـ"العربي الجديد" عن "موجات نزوح للسكان غير معلنة بفعل الاستهداف المتكرر للمدينة من قوات الجيش والحشد الشعبي".
وأكّد المشهداني أن "السبب وراء استهداف المدينة هو السبب ذاته في استهداف مدينة المحمودية" جنوبي بغداد في الجانب الثاني من العاصمة، "فهناك على ما يبدو نوايا تغيير ديموغرافي جديدة تستهدف المدينتين بسبب وقوعهما على الطريق المفضي إلى العتبات المقدسة جنوب العراق وفي سامراء"، موضحاً أن "أكثر من خمسة آلاف عائلة غادرت الطارمية خلال عام 2017، خوفاً على أبنائها من الاعتقال والقتل. كما جرف أكثر من 900 دونم زراعي وأحرق 369 بستاناً، وجرفت عشرات المنازل فيها".
ونفذّت القوات العراقية في الطارمية، خلال العام ذاته، 21 عمليةً عسكريةً معلنةً بمشاركة الحشد الشعبي، كان آخرها ما أطلق عليه "السيل الجارف". إلاّ أنّ عمليات الدهم والتفتيش والاعتقال، مستمرة ولم تتوقف. وما يدفع السكان للجزم بأنهم مستهدفون طائفياً، أن المدينة لم تسجّل أي هجمات إرهابية منذ أشهر عدة.
وتقع مدينة الطارمية، ضاحية بغداد الشمالية وسلتها الغذائية، على بعد 25 كيلومتراً من مركز العاصمة، وهي أحد الأقضية الستة التي تحيط ببغداد وتعرف حالياً بمناطق "حزام بغداد"، وتربط العاصمة مع صلاح الدين وديالى والأنبار في طرفها الغربي. ويبلغ عدد سكانها نحو 91 ألف نسمة ومساحتها 300 كيلومتر مربع، ويقطنها خليط من عشائر عدة أبرزها المشاهدة وعبيد وشمر وبنو أسد والدليم والسلمان، ومهنتهم الرئيسة هي الزراعة. وكانت تعرف المدينة قبل العصر العثماني باسم ريف بغداد، إلاّ أنها سميت بالطارمية اشتقاقاً من الكلمة التركية "طغارمية" ومعناها الأرض الخصبة ذات الإنتاج المضاعف.
وقال مسؤولون في الشرطة المحلية بالمدينة، أمس الأربعاء، إن رجلاً في العقد الثالث من العمر عثر على جثته مرمياً على حافة نهر دجلة وعليه آثار تعذيب، مؤكدين أنه كان قد اعتقل قبل أيام من قبل قوة ترتدي زياً يشبه زي الجيش العراقي، بعد أن اقتحمت منزله ليلاً. ويرجح أن تكون هذه القوة تابعة للحشد الشعبي.
إلى ذلك، قال عضو البرلمان العراقي عن مدينة الطارمية أحمد المشهداني لـ"العربي الجديد" إن "النهج الذي كان مطبقاً على المدينة منذ الحكومة السابقة (حكومة نوري المالكي) يجب أن يتوقف الآن"، مضيفاً "اليوم انتهينا من صفحة داعش ويجب أن ينتهي كل شيء معها من حملات اعتقال منظمة أو عشوائية ومن جرائم القتل والتصفية والجثث المجهولة. مع الأسف الكثير من الذين تم خطفهم في السابق وجدوا جثثاً مرمية". وأوضح أن "الموضوع لا يتعلّق بأبناء مدينة الطارمية فقط، بل يتعدى إلى كل مناطق حزام بغداد الأخرى".
من جانبه، قال أحد الناشطين البارزين في مجال حقوق الإنسان في المدينة، ويدعى محمد حسن، إن "هناك عملية عزل لمدينة الطارمية ودفع خبيث لإفراغها من أهلها، ولا ندري هل يعلم رئيس الحكومة، حيدر العبادي، بذلك أم لا". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "مع الأسف حتى وسائل الإعلام لم يعد بمقدورها الدخول للمدينة، فالجيش يمنع دخول الصحافيين والكاميرات، حتى أنه منع أخيراً، تصوير المواطنين بهواتفهم الشخصية في الشوارع أو المناطق العامة"، مؤكداً أنّ "الخطف والاعتقالات ما زالت مستمرة والمليشيات تمعن في إذلال الناس، والغاية الأخيرة هي دفعهم لترك مناطقهم". ويوضح حسن أن "المنزل الذي كان سعره سابقاً 120 مليون دينار (نحو 100 ألف دولار)، صار اليوم لا يصل سعره لثلاثين مليوناً والأمر نفسه بالنسبة للبساتين".
أبو محمد أحد سكان المدينة، والذي اكتفى بذكر كنيته فقط، يقول إنه ما زال يبحث عن نجله رغم مرور ستة أشهر على اعتقاله من قبل قوة عسكرية اقتحمت منزلهم ليلاً، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أنه "بعد اقتحام منزلنا وحفلة من الضرب والشتائم للرجال والنساء من قبل القوة العسكرية، اعتقلوا ابني وحاولوا أخذي، لكن بسبب إعاقتي تركوني. ومنذ ذلك الحين لا أثر لابني. ذهبت للداخلية والدفاع والأمن الوطني والكل يقول الجواب نفسه؛ لا نعرف عنه شيئاً".
ويقول أبو محمد، إن ابنه لديه ثلاثة أطفال ويعمل مدرساً لمادة الرياضيات ولا سبب لاعتقاله سوى "السبب الطائفي"، مضيفاً "اكتشفت أخيراً، أنّ القوة التي اعتقلته هي من مليشيا العصائب ولديها سجن خاص في منطقة التاجيات شمال بغداد"، لكنه يقول، إنه يخاف الذهاب إلى هناك خشية من القتل أو الاعتقال، مطالباً الحكومة والمنظمات الدولية مساعدته على معرفة مصير ابنه.