قبل نحو شهر تقريباً، "احتفلت" قرية العراقيب الفلسطينية في النقب، بمئوية هدمها من قبل السلطات الإسرائيلية، ضمن محاولات الحكومة الإسرائيلية إرهاب أهلها وتفريغ القرية من السكان حتى يتسنى لها الاستيلاء على أراضيهم. لم يبق لأهالي العراقيب أكثر من نحو 1300 دونم من أصل آلاف الدونمات كانت حكومة إسرائيل صادرتها منذ النكبة، سوية مع مئات آلاف الدونمات من الأراضي العربية في النقب، بحجة أنها أراضي دولة ولا يملك أصحابها أوارقاً تثبت تسجيلهم لها في "الطابو" العثماني، علماً أن هناك وثائق رسمية تثبت عكس ذلك.
المهم في الحكاية أن العراقيب هي حكاية النقب كله. عشرات القرى في النقب قائمة قبل النكبة وقبل وجود إسرائيل، إلا أن الأخيرة ابتدعت تعبيراً غريباً غير موجود في أي مكان سوى في واحة الديمقراطية: تعبير "قرية غير معترف بها"، وهو تعريف بات مصطلحاً قضائياً في إسرائيل يمنح الدولة حق حرمان أهلها، وهو حق يستند إلى قوة الحاكم وليس إلى شيء آخر، من كل حقوقهم الطبيعية والإنسانية الأساسية؛ من الماء، والكهرباء، والبناء، والتعليم، وخدمات الصحة إلى درجة التهديد الحقيقي لوجودهم وبقائهم في أرضهم.
خطر عدم البقاء في الأرض يشمل أيضاً أكثر من 40 ألف فلسطيني يعيشون في النقب في قرى تحمل توصيف العراقيب نفسه، "قرى غير معترف بها". ويحتفظ هؤلاء حتى اليوم بنحو مليون دونم في النقب تسعى إسرائيل لأخذها بالقوة، وعبر مخططات مشبوهة كان آخرها مخطط برافر، الذي عُلّق مؤقتاً ولم ينته أو يختف من الوجود خلافاً للانطباع الذي تحاول الأحزاب العربية في الداخل الترويج له، ربما في محاولة للحفاظ على جذوة النضال بإعطاء الجيل المقبل أملاً بجدوى النضال.
وقد يكون السبب أيضاً للتخفيف من حقيقة تراجع فاعلية وتأثير النشاطات الاحتجاجية للعرب في الداخل مقابل تغوّل وتفاقم سياسات التضييق والتمييز الممزوجة، أخيراً، بنزعات فاشية معلنة أبرزها مثلاً مخطط اقتلاع قرية أم الحيران العربية الفلسطينية لبناء "حيران" اليهودية في المكان نفسه وعلى الأرض نفسها. أياً كان السبب، فإنه لا يلغي حقيقة أن العراقيب تقف في وجه إسرائيل اليوم وحيدة.