أظهرت الهجمات الـ23 التي ضربت محافظة ديالى، في أقل من شهر، أنها ليست بمنأى عن التوترات الأمنية، رغم تصدّر الملفين الانتخابي والأمني في شمال العراق وجنوبه واجهة الأحداث. 23 اعتداءً ضربت المحافظة شرقي البلاد، وسقط ضحيتها العديد من المدنيين، فربط مراقبون ذلك بـ"الموجة الاعتيادية" التي تسبق كل انتخابات، كما حصل في أعوام 2006 و2010 و2014. وعادة ما يفضي ذلك إلى تغيّب مكوّن محدد من العراقيين عن المشاركة في الانتخابات.
وعلى الرغم من صدور نحو 40 بياناً عن القيادات العسكرية في المحافظة، في الأشهر القليلة الماضية، أكدت خلالها قيادة عمليات دجلة وكذلك قيادة شرطة ديالى ومجلس المحافظة "القضاء على إرهابيي تنظيم داعش"، بمن في ذلك جيوبهم وخلاياهم النائمة في المحافظة، إلا أن الاعتداءات الأخيرة جعلتهما في حرجٍ بين الاعتراف بخطأ إعلاناتهما السابقة أو اتهام جهات أخرى مرتبطة بفصائل مسلحة ومليشيات وأحزاب مشاركة في العملية السياسية بالوقوف وراء هذه الهجمات.
وتفاوتت الهجمات بين قصف بقذائف الهاون وعبوات ناسفة واغتيالات وهجمات مسلحة. وفي الأسبوع الحالي، قُتلت طبيبة مع زوجها وأطفالها كانت في طريق عام متجهة إلى جلولاء شرقي ديالى، بينما قُتل مختاران في المقدادية. وتبنّى تنظيم "داعش" 9 اعتداءات من أصل 23، وظلّت الهجمات الأخرى مسجّلة ضد مجهول.
وشهدت مناطق وقرى سنسل والعالي والأحمر والمقدادية وشروين والصدور والمخيسة وبهرز خان بني سعد ودلي عباس وجلولاء ونهر الإمام والتحرير وقرية الحلوة، غالبية تلك الهجمات، وهي مناطق شمال ديالى وشمال شرقها. ولم تصدر الشرطة أي توضيح حولها، نافية وقوع اعتداءات أخرى بعد تناول وسائل إعلام محلية لها في وقت سابق.
بدوره، أكد مسؤول رفيع في جهاز الشرطة بمدينة بعقوبة، العاصمة المحلية لمحافظة ديالى، "تسجيل خروق أمنية كبيرة ومحزنة إنسانياً في مناطق عدة بديالى"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "هناك خشية لدى الحكومة المحلية والقيادات الأمنية من احتمال تصاعد العنف مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في مايو/أيار المقبل".
وبيّن أن "من بين الهجمات ما هو إرهابي ويقف تنظيم داعش خلفها، وعادة ما يعلن عن تبنيه لها، لكن هناك هجمات انتخابية أو طائفية، تقف وراءها جماعات وأحزاب تملك أجنحة مسلحة في المحافظة. لكن لا أحد يوافق على التصريح أو الاعتراف بذلك. والهدف هو منع سكان من طائفة ما أو قومية ما من المشاركة في الانتخابات، لحصول طرف معين على أغلبية انتخابية في دائرة ديالى ضمن انتخابات البرلمان". وتابع "بالتأكيد الهجمات والاعتداءات ستكون مانعا أمام خروج الناس من منازلهم إلى مراكز الاقتراع".
وأشار المسؤول إلى أن "عددا من مدن وبلدات ديالى كالسعدية والمقدادية وخانقين ومناطق أخرى، تشهد حوادث متفرقة، لكن بعضها خطير يتطلب وقفة جادة لعدم تكراره"، لافتاً إلى "قيام قوات عراقية تساندها قوة من مليشيا الحشد الشعبي، باعتقال عشرات الأشخاص من بلدة السعدية شمال شرقي ديالى، على خلفية هجوم على دورية للحشد".
من جهته، كشف الزعيم القبلي الشيخ علي العامري لـ"العربي الجديد"، أن "مناطق أخرى في ديالى تشهد نشاطاً واضحاً للمليشيات والجماعات المسلحة الخارجة على القانون"، منوّهاً إلى "وجود حالات قتل واختطاف وتهديد تمت على يد أفراد بالعصابات والمليشيات".
وتابع "ندعو إلى تنفيذ حملة أمنية واسعة في ديالى تشمل إزالة جميع المظاهر المسلحة، سواء كانت تابعة لداعش أو أية جهة أخرى"، مبيناً أن "المحافظة خسرت ما يكفي من أبنائها، وليس لديها أي استعداد لدخول صراعات جديدة".
وكانت محافظة ديالى قد شهدت مواجهات طائفية وعمليات اختطاف وقتل على الهوية أثناء فترة العنف الطائفي في العراق (2006–2007) كما تعرضت بعض مدنها وبلداتها إلى عمليات تغيير ديموغرافي، بحسب برلمانيين وسياسيين عراقيين.
وفي شأن ذي صلة، أكد رئيس بلدة كنعان في محافظة ديالى، مهدي الشمري، أن "بعض مناطق المحافظة تحتوي على مناطق حوادث أمنية منذ عام 2006، بسبب وجود فراغات أمنية تسمح بتسلل الجماعات الإرهابية". ولفت إلى "معلومات تشير إلى وجود بعض العناصر الذين يعملون مع جماعات ارهابية يختبئون في ديالى"، موضحاً أن "الحل يكمن في نصب كاميرات حرارية للرصد من مسافات بعيدة، فضلاً عن نشر قوات أمنية وقوات من مليشيا الحشد الشعبي، لتعزيز الأمن والقضاء على المخاوف بشكل نهائي".
مليشيا "الحشد الشعبي" التي بدأت، يوم الإثنين الماضي، عمليات دهم وتفتيش في المناطق التابعة لبلدة السعدية على خلفية تعرّض دورية لها إلى هجوم في البلدة، اعتقلت عددا كبيرا من الشبان من دون مذكرات اعتقال أو أوامر من القضاء، وتمّ إطلاق سراح بعضهم والإبقاء على الآخرين. وهو ما يفتح مجدداً باب غياب القانون وعودة الاعتقالات الانتقائية، لكن هذه المرة على يد الحشد الشعبي".
ولا يرى العضو السابق في مجلس مدينة بعقوبة (مركز محافظة ديالى)، حميد العزاوي، في حملات الدهم والتفتيش التي تتم بعد التفجيرات والهجمات أية نتيجة تذكر، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "النتيجة الوحيدة لمثل هذه العمليات هي زيادة الاحتقان المذهبي". ويضيف أن "ملف الأمن في محافظة ديالى يخضع للقوات العراقية والحشد الشعبي، منذ سنوات، بشكل كامل، ولا يمكن لأية جهة أو طرف التدخل في هذا الملف"، موضحاً أن "هذه المسألة تجعل مسؤولية الخروق تقع على عاتق الجهات الممسكة بالملف الأمني".
ويتابع "لا بدّ من الاعتراف بوجود مناطق معينة في ديالى تشهد هجمات وخروقا بين الحين والآخر، مثل السعدية، لكن هذا الأمر لا يبرر، بأي حال من الأحوال، الإجراءات الأمنية المبالغ فيها التي تتعرّض لها البلدة"، معبّراً عن أمله في "مضي الحكومتين المحلية في ديالى، والاتحادية في بغداد، نحو حفظ الأمن في المحافظة، التي تضم مختلف مكونات الشعب العراقي. وعلى ضرورة رفض جميع الأجندات السياسية التي تستفيد من الارتباك السياسي لتحقيق مكاسب انتخابية".