تحذر جهات سياسية عراقية من إمكانية حدوث توتر أمني كبير مع بدء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تحركه لاستعادة السيطرة على المنافذ البرية والموانئ في البصرة من يد الجماعات المسلحة، خصوصاً تلك المدعومة من إيران، والتي باتت تمتلك نفوذاً كبيراً داخلها، وتستحوذ على واردات ضخمة فيها.
والثلاثاء الماضي، أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء أحمد ملا طلال، في مؤتمر صحافي، قرب بدء إجراءات وصفها بـ"الحازمة لفرض هيبة الدولة على المنافذ الحدودية في عموم البلاد"، مضيفاً أن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يجري اجتماعات متواصلة مع الجهات المعنية بشأن المنافذ". جاء ذلك بعد أيام من تصريح مماثل للكاظمي قال فيه "إننا نتكبد خسائر بمليارات الدولارات سنوياً في المنافذ، بسبب عصابات وجماعات وقطّاع طرق وأصحاب نفوذ يسيطرون في بعض الأحيان عليها، ولهذا ستكون هناك حملة قريبة لإعادة الاعتبار (السيطرة) إلى المنافذ"، مبيناً أن "الأموال الناجمة عن رسوم عبور المنافذ الحدودية ملك للشعب، وليست لأصحاب النفوذ أو أصحاب السلاح الذين يفرضون إرادتهم على حساب المصلحة العامة".
فتح هذا الملف قد يدفع إلى صدام مسلح بين قوات الأمن العراقية وعناصر المليشيات
وقال مسؤول عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "الكاظمي أسند مهمة إخضاع المنافذ الحدودية وموانئ البصرة على مياه الخليج إلى جهاز مكافحة الإرهاب ووحدة عمليات خاصة تابعة لاستخبارات وزارة الداخلية، ستتولى إصلاح الخلل في المنافذ الواحد تلو الآخر".
ويمتلك العراق أكثر من 22 منفذاً برياً مع إيران وتركيا والأردن وسورية والكويت، بينما ما زالت المنافذ البرية مع السعودية مغلقة رغم إنجاز عمليات تأهيلها منذ العام الماضي، بناء على مذكرة تفاهم أبرمت بين الطرفين، عدا عن موانئ البصرة التي وسعت طاقتها أخيراً ببناء أرصفة تحميل وتنزيل جديدة، خصوصاً في موانئ أم قصر والعميق وأبو فلوس.
وبحسب المسؤول، فإن رئيس هيئة المنافذ الحدودية العراقية عمر الوائلي قدم، منذ مدة، عبر كتاب رسمي، طلباً إلى الكاظمي لإرسال قوات لضبط أحد المنافذ مع إيران الذي يخرج عن السيطرة بعد الساعة الرابعة عصراً من قبل جماعات مسلحة خارجة عن القانون، بالتواطؤ مع موظفين ومسؤولين مدعومين من جهات سياسية. وكشف أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد انطلاق عملية مسك المنافذ الحدودية من قبل قوات خاصة، ومن المتوقع أن يسبب ذلك أزمة مع قوى سياسية وفصائل مسلحة تعتاش على عائدات تلك المنافذ منذ سنوات طويلة. ولم يستبعد أن ترد عبر اختلاق مشاكل أمنية. وبين أن "ضبط الحدود سيقلل دخول المخدرات للعراق بشكل كبير، ويوقف تهريب المطلوبين بتهم إرهابية وجنائية وفساد مالي من خلالها. كما أن هناك معلومات عن عمليات تهريب أسلحة، وهذا أخطر ما في الموضوع".
تحصيل واردات المنافذ بشكل كامل وصحيح سيحل جزءاً من الأزمة التي تمر بها البلاد
ويبلغ معدل التبادل التجاري للعراق عبر منافذه سنوياً أكثر من 50 مليار دولار، من المفترض أن تمثل عائدات رسوم الجمارك على الاستيراد والتصدير نحو 6 مليارات دولار. إلا أن ما يُحصّل سنوياً لا يتجاوز 600 مليون دولار في أفضل الحالات، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين حكوميين ونواب.
في المقابل، توقع النائب العراقي باسم خشان أن يؤدي فتح رئيس الوزراء لهذا الملف إلى صدام مسلح. وبين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ملف المنافذ هو الأخطر حالياً، فالجماعات المسلحة التي تسيطر عليها منذ سنين تمول نفسها مالياً وتقوي نفوذها من وارداتها، وكذلك حال بعض القوى السياسية الأخرى المتورطة بالموضوع أيضاً، وليس من السهل أن تتخلى تلك الجهات عن المنافذ. وقال إن "فتح هذا الملف قد يدفع إلى صدام مسلح بين قوات الأمن العراقية وعناصر المليشيات، التي تسيطر على المنافذ الحدودية، ولهذا يجب أن يكون هناك عزم وإصرار على فرض سيطرة الدولة والقانون على المنافذ، ويجب عدم التراجع بهذا الملف إذا قررت الحكومة فتحه بشكل جدي وحقيقي. ففتحه والتراجع عنه بسبب الضغوط، أو المخاوف من الاشتباك المسلح، سيعزز هيمنة وسيطرة المليشيات على المنافذ ووارداتها". وتابع "نعتقد أن جهاز مكافحة الإرهاب قادر على فرض سيطرة الدولة العراقية على المنافذ الحدودية، كما يجب التعامل مع أي قوة تحاول منع هذه المهمة على أساس أنها قوة خارجة عن القانون، وقوة إرهابية في حال استخدمت السلاح ضد قوات الأمن العراقية بهدف الاستمرار في الفساد والسرقات في المنافذ الحدودية".
ولم يستبعد رئيس مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري استخدام جهات سياسية ومسلحة القوة والتهديد لمنع فرض الحكومة سيطرتها على المنافذ الحدودية للعراق. وأضاف، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "هذه المنافذ تُدخل لجيوب تلك الجهات ملايين الدولارات يومياً من عمليات التهريب"، مضيفاً "على ما يبدو فإن حكومة الكاظمي عازمة على فرض هيبة الدولة على المنافذ الحدودية، خصوصاً في ظل الوضع المالي والاقتصادي الذي يمر به العراق. إن تحصيل واردات المنافذ بشكل كامل وصحيح إلى خزينة الدولة، سيحل جزءاً من الأزمة التي تمر بها البلاد". وأشار إلى "وجود منافذ غير رسمية أيضاً على الحكومة العراقية العمل على إغلاقها بشكل سريع، مع عملية فرض سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية الرسمية، وخصوصاً أن المنافذ غير الرسمية باتت ثقباً أسود للفساد بكافة أنواعه (النفط والسلاح والأموال والمخدرات والبضائع)، وإغلاقها سيستفز دولاً ومافيات وجهات وزعامات وسيهز العملية السياسية".