05 نوفمبر 2024
العراق .. توفيق علاوي والمهمة المستحيلة
في خطاب تكليفه بتشكيل الحكومة، والذي يمكن وصفه بخطاب التعهدات، أعلن رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد توفيق علاوي، تعهدات تتناغم كثيراً مع مطالب المتظاهرين وثورتهم، سعى إلى أن تكون جسراً بينه وبينهم، عله بذلك يكسب ولو قليلاً من رضا الشارع المنتفض. غير أن كلمة الشارع سبقت كلمة علاوي وتعهداته، ولحقت بتلك الكلمة، حيث خرج المتظاهرون ليل السبت، لإعلان الرفض المطلق لعلاوي، كونه أحد الفاعلين في العملية السياسية منذ 2003، فقد كان وزيراً للاتصالات في عهد رئيس الحكومة الأسبق، نوري المالكي، وهو عضو في البرلمان، وحزبيٌّ عمل ضمن كوادر حزب الدعوة سنوات طويلة.
وبغض النظر عن خلفية الرجل الذي رفضته ساحات التظاهر سريعاً؛ فإن الحديث الآن عن إمكاناته في إخراج العراق من عنق الزجاجة، بعد أربعة أشهر من التظاهرات، والتي دفعت العملية السياسية برمتها إلى حافّة الهاوية، فهل يمكن لعلاوي أن يشكّل علامة فارقة في تاريخ العراق، وينجح في إخراج العراق من وضعه المأزوم؟ بالعودة إلى سيرته السياسية عقب 2003، تم اختياره خلال حكومتي نوري المالكي من 2006 - 2014 وزيرا للاتصالات. في الأولى استقال بعد نحو عام ونصف العام، وفي الثانية كذلك، والسبب، كما قيل، خلافاته مع المالكي. وربما كانت استقالته المبكّرة مؤشّرا على أنه لا يقوى على المواجهة، خصوصاً مع شخصية عرف عنها أنها عنفية ودموية وديكتاتورية كالمالكي، بينما علاوي كان في كل مرة يفضل الاستقالة على الخضوع لرغبات المالكي وإملاءاته، ما يعني نزعة الرجل الاستقلالية في اتخاذ القرارات. ولكن ذلك لا يكفي في عراقٍ ليس لمسؤول فيه أن يستمر من دون أن يكون مدعوماً من هذا الطرف أو ذاك.
جاء توفيق علاوي هذه المرة إلى رئاسة الحكومة حلا وخيارا لأحزابٍ كثيرة باتت تشعر أن ضغط الشارع بل ثورته قد تفقدها مكاسبها. صحيحٌ أنه لم يكن مرشّح كل الأحزاب والكتل السياسية، إلا أنه يكفي أن يكون مرشّح إيران الأخير التي رأت فيه حلاً ومخرجاً، فهي الأخرى تعاني من ضغط الشارع العراقي الرافض لها وللأحزاب والمليشيات التي تدعمها. ولا تريد إيران أن تفرّط بالعراق، الدجاجة التي تبيض لها ذهباً، وهي تدرك أن مهمة السيطرة على
العراق، عقب مقتل الجنرال قاسم سليماني، صعبة جداً. ومن هنا كان تكليف محمد كوثراني مسؤول ملف العراق في حزب الله اللبناني، ليقوم بمهمّة فرض مرشّح تقبل به إيران حتى لو لم يكن مرشحها المفضل.
أكبر داعمي علاوي هو التيار الصدري الذي سارع زعيمه، مقتدى الصدر، إلى مباركة هذا الاختيار، ووصفه خيار الشعب، بينما كان الشعب يهتف في الشوارع رفضاً له. ولم يكتف الصدر بهذه المباركة، بل عمد إلى توجيه أنصاره إلى النزول إلى ساحة التحرير وطرد المعتصمين منها، وإذاعة بيان تأييد لعلاوي، من على منصّة المطعم التركي. وقد يشكل دعم الصدر عامل قوة لعلاوي، لكنه لن يكون كافياً، فالرجل ألزم نفسه بتعهداتٍ لا يبدو أنه يمكن أن يحقق ولو جزءًا يسيراً منها، خصوصا وأنه جاء مرشّحاً انتقالياً لفترة قد لا تتجاوز العام ونصف العام، ناهيك عن أن أغلبية تعهداته تتعارض مع القوى والأحزاب الحاكمة فعلياً، ومن خلفها إيران. ومن أهم التعهدات، وسقط فيها علاوي سريعاً، حماية المتظاهرين الذين طالبهم بالاستمرار في ثورتهم، كونها داعمة له في مسيرته الإصلاحية التي يريد العمل عليها، فبعد أقل من ساعة على خطابه، نزل أتباع مقتدى الصدر إلى ساحة التحرير، وطردوا المعتصمين، وجرى اعتقال عشرات منهم وتعذيبهم، من دون أن يُسمع صوت لعلاوي الذي تعهد بحمايتهم.
ولعل التعهد الآخر الذي لا يبدو أن علاوي سيكون قادراً على تنفيذه؛ حديثه عن تشكيلةٍ حكوميةٍ من الكفاءات والخبرات المستقلين، وأنه سيرفض إملاءات الأحزاب، وسيكون صريحاً مع الشعب في حال تعرّضه لاي ضغوط منها، وهو خطابٌ يذكّر بخطاب سلفه المستقيل تحت ضغط الشارع، عادل عبدالمهدي، من دون أن يحقق منه شيئا. أما تعهد علاوي بحصر السلاح بيد الدولة، فلا يبدو أن علاوي الذي استقال لأنه لم يحتمل ضغوط وكيلة وزارته، هيام الياسري، إبّان فترة حكومة المالكي؛ المدعومة من أحد الأحزاب قبل سنوات، سيصمد كثيراً أمام أحزاب ومليشيات فاقت ميزانية بعضها ميزانية وزارة الدفاع، عدا عن المكاتب الاقتصادية التابعة لتلك الأحزاب، والتي تعهد علاوي في خطابه بإغلاقها. والحال كذلك؛ سيكون رئيس الوزراء بلا صلاحية حقيقية، ولا قدرة على إجراء التغييرات المطلوبة التي خرج من أجلها العراقيون. وبالتالي، فإن بقاءه في منصبه مرتبط بما يحققه لتلك الأحزاب والمليشيات من مصالح، لا بما يحققه للشعب العراقي.
بات العراق، بتكليف علاوي، في أزمة أشدّ، فهو تكليفٌ لم يأت موافقاً لتطلعات شارعٍ منتفض رافض كل الطبقة السياسية، وهو لتكريس هيمنة الأحزاب والمليشيات، ومن يدعمها من خارج الحدود، ما يعني غليانا أكبر للشارع، قد يقود إلى مواجهة شعبية؛ خصوصا مع إصرار مليشيات متنفذة على إنهاء التظاهرات بأي شكل وطريقة.
جاء توفيق علاوي هذه المرة إلى رئاسة الحكومة حلا وخيارا لأحزابٍ كثيرة باتت تشعر أن ضغط الشارع بل ثورته قد تفقدها مكاسبها. صحيحٌ أنه لم يكن مرشّح كل الأحزاب والكتل السياسية، إلا أنه يكفي أن يكون مرشّح إيران الأخير التي رأت فيه حلاً ومخرجاً، فهي الأخرى تعاني من ضغط الشارع العراقي الرافض لها وللأحزاب والمليشيات التي تدعمها. ولا تريد إيران أن تفرّط بالعراق، الدجاجة التي تبيض لها ذهباً، وهي تدرك أن مهمة السيطرة على
أكبر داعمي علاوي هو التيار الصدري الذي سارع زعيمه، مقتدى الصدر، إلى مباركة هذا الاختيار، ووصفه خيار الشعب، بينما كان الشعب يهتف في الشوارع رفضاً له. ولم يكتف الصدر بهذه المباركة، بل عمد إلى توجيه أنصاره إلى النزول إلى ساحة التحرير وطرد المعتصمين منها، وإذاعة بيان تأييد لعلاوي، من على منصّة المطعم التركي. وقد يشكل دعم الصدر عامل قوة لعلاوي، لكنه لن يكون كافياً، فالرجل ألزم نفسه بتعهداتٍ لا يبدو أنه يمكن أن يحقق ولو جزءًا يسيراً منها، خصوصا وأنه جاء مرشّحاً انتقالياً لفترة قد لا تتجاوز العام ونصف العام، ناهيك عن أن أغلبية تعهداته تتعارض مع القوى والأحزاب الحاكمة فعلياً، ومن خلفها إيران. ومن أهم التعهدات، وسقط فيها علاوي سريعاً، حماية المتظاهرين الذين طالبهم بالاستمرار في ثورتهم، كونها داعمة له في مسيرته الإصلاحية التي يريد العمل عليها، فبعد أقل من ساعة على خطابه، نزل أتباع مقتدى الصدر إلى ساحة التحرير، وطردوا المعتصمين، وجرى اعتقال عشرات منهم وتعذيبهم، من دون أن يُسمع صوت لعلاوي الذي تعهد بحمايتهم.
ولعل التعهد الآخر الذي لا يبدو أن علاوي سيكون قادراً على تنفيذه؛ حديثه عن تشكيلةٍ حكوميةٍ من الكفاءات والخبرات المستقلين، وأنه سيرفض إملاءات الأحزاب، وسيكون صريحاً مع الشعب في حال تعرّضه لاي ضغوط منها، وهو خطابٌ يذكّر بخطاب سلفه المستقيل تحت ضغط الشارع، عادل عبدالمهدي، من دون أن يحقق منه شيئا. أما تعهد علاوي بحصر السلاح بيد الدولة، فلا يبدو أن علاوي الذي استقال لأنه لم يحتمل ضغوط وكيلة وزارته، هيام الياسري، إبّان فترة حكومة المالكي؛ المدعومة من أحد الأحزاب قبل سنوات، سيصمد كثيراً أمام أحزاب ومليشيات فاقت ميزانية بعضها ميزانية وزارة الدفاع، عدا عن المكاتب الاقتصادية التابعة لتلك الأحزاب، والتي تعهد علاوي في خطابه بإغلاقها. والحال كذلك؛ سيكون رئيس الوزراء بلا صلاحية حقيقية، ولا قدرة على إجراء التغييرات المطلوبة التي خرج من أجلها العراقيون. وبالتالي، فإن بقاءه في منصبه مرتبط بما يحققه لتلك الأحزاب والمليشيات من مصالح، لا بما يحققه للشعب العراقي.
بات العراق، بتكليف علاوي، في أزمة أشدّ، فهو تكليفٌ لم يأت موافقاً لتطلعات شارعٍ منتفض رافض كل الطبقة السياسية، وهو لتكريس هيمنة الأحزاب والمليشيات، ومن يدعمها من خارج الحدود، ما يعني غليانا أكبر للشارع، قد يقود إلى مواجهة شعبية؛ خصوصا مع إصرار مليشيات متنفذة على إنهاء التظاهرات بأي شكل وطريقة.