25 يناير 2024
العراق.. رئيس حكومة في مسرح دمى
لم تجد المرجعية الدينية في العراق، وزعيمها علي السيستاني، من وسيلةٍ لإنقاذ الحكومة العراقية وعمليتها السياسية المفبركة من قبضة الثورة الشعبية، سوى التضحية برئيسها عادل عبد المهدي، جرّاء عجزه عن إنهاء هذه الثورة والقضاء عليها، سواء بالقوة العسكرية أو عبر الإصلاحات الترقيعية، ظنّاً من المرجعية أن هذه التضحية ستقنع الثوار بترك ساحات التحرير، والعودة إلى بيوتهم، خصوصاً أنها كانت قد فشلت في سياسة مسك العصا من الوسط، عبر خطبها ونصائحها ومواعظها الملتوية. ولم يتردّد عبدالمهدي في قبول هذه التضحية بطريقةٍ تدعو إلى الشفقة، حيث استهلّ خطاب الاستقالة بالآية القرانية الكريمة، "يا أبتِ افعل ما تؤمر وستجدني إن شاء الله من الصابرين". وهو بذلك قد شبّه السيستاني بالنبي إبراهيم، وشبّه نفسه بابنه إسماعيل. وكان الأجدر به توجيه خطابه إلى الثوار، عسى أن يكفّر عن جانبٍ من ذنوبه جرّاء الجريمة الشنيعة التي ارتكبها بحقهم، وراح ضحيتها مئات الشهداء وآلاف الجرحى، أو على الأقل لحفظ ماء الوجه.
لكن رد الثوار كان سريعاً ومخيّباً لظنونهم، حيث وصفوا هذه الاستقالة بأنها مسرحية بائسة وخدعة لا تنطلي على أحد. وأكدوا، في بيان لهم، أنهم لن يغادروا ساحات التحرير في جميع المدن العراقية الثائرة قبل تحقيق مطالبهم كاملة، وأهمها تقديم عادل عبد المهدي وأعضاء حكومته إلى المحاكم بتهمة القتل العمد، وحلّ البرلمان وكتابة دستور جديد، وصولاً إلى إزالة ما تُسمى العملية السياسية برمتها. فسيل الدماء الزكية لا يعوّضه تبديل رئيس حكومة برئيس جديد، أو تبديل وزارة بأخرى. ولن يغير من هذه المواقف الثابتة إذا حدث واستقال رئيس
الجمهورية، أو رئيس البرلمان، فهذه تدخل أيضاً ضمن فصول تلك المسرحية البائسة، لكون جميع القادمين الجدد سيولدون من رحم العملية السياسية ذاتها، ومن الأحزاب والمليشيات المسلحة الحاكمة. وخير دليل على ذلك الأسماء المرشحة التي يجري تداولها بين الناس، مثل محمد شياع السوداني، وهو من حزب الدعوة، وعلي علاوي من القائمة العراقية، وقصي السهيل من كتلة الفتح، وعلي الشكري من كتلة سائرون، وفائق زيدان من المجلس الإسلامي، وأسعد العيداني من كتلة النصر. وهؤلاء جميعاً شغلوا مناصب وزارية في حكومات سابقة. وإذا حدث وتبوأت هذا المنصب أو ذاك شخصيات مستقلة، فإنها لن تخرج عن نطاق أخطبوط سكان المنطقة الخضراء.
أمام فشل هذه الخدعة المكشوفة، كان من المفترض أن يرفع هؤلاء الأشرار الراية البيضاء، ويحزموا حقائبهم ويلوذوا بالفرار، ولكن ما يحدث عكس ذلك تماماً، فكل المؤشرات تنبئ بإصرار هؤلاء على مواصلة النهج الدموي نفسه، وارتكاب مزيد من المجازر على غرار ما حدث في الناصرية وكربلاء والنجف قبل أيام. وإلا، فبماذا نفسّر ترويج الدعايات والاتهامات الباطلة باستخدام الثوار السلميين العنف ضد قوات ما تُسمى مكافحة الشغب وشرطة
المحافظات، أو حرق المباني الحكومية أو مقر القنصلية الإيرانية في النجف أو قطع الطرق والاعتداء على الممتلكات الخاصة؟ ثم ماذا يعني عزف أسطوانة المندسّين والمخربين والإرهابيين من جديد، على الرغم من أنها أصبحت مشروخة؟ ألا يعني ذلك تهيئة مسرح الجريمة قبل فتح الستارة؟
هذا التمسّك بالسلطة وتجاهل ثورة الشعب المظلوم ليس غريباً أو مستغرباً، فالمخطط الأميركي الإيراني لتدمير العراق، دولة ومجتمعاً، يتطلب وجود مثل هؤلاء الأشرار، فهم أكثر من غيرهم استعداداً لتنفيذ هذا المخطط الغادر، وخصوصاً أن هؤلاء قد أثبتوا جدارتهم بالإجرام والقتل وامتهان كرامة هذا الشعب العظيم وتجويعه وإذلاله واستعباده وسفك دمه والتفنن بسرقة أمواله وموارده، وحرمانه أبسط مقومات الحياة، كالهرباء والماء والدواء والأمن، في بلدٍ يُعَدّ من البلدان الغنية في العالم. مثلما أثبتوا جدارتهم باستخدام القوة الوحشية ضد جميع الانتفاضات الشعبية التي قامت طوال السنين الماضية. وقد نجد نموذجاً عنها في قمع انتفاضة البصرة ومدن أخرى في جنوب العراق قبل أقل من ستة أشهر، التي راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، لمجرد مطالبتهم بتوفير أبسط مقومات الحياة، كالماء والكهرباء.
لكن هذا ليس كل شيء، فهؤلاء، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، قد أسسوا ما تُسمى الدولة العميقة التي يعلم الثوار مدى فاعليتها، لكونها تستند إلى عناصر قوية تشمل مجموعاتٍ داخل ضباط الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والقضائية والإعلامية، ولها نفوذ أيضاً في المفوضيات والهيئات الخاصة، إضافة إلى المؤسسات الدينية، وأبرزها المرجعية الدينية العليا. وقد حدّدت مهمتها بالتصدّي لأي تهديد من أية جهة، والعمل على إبقاء الوضع
على ما هو عليه. أما مقومات قوتها، فهي استخدام العنف والعمل بحرية استثنائية خارج إطار القانون. بمعنى أوضح، هذه الدولة العميقة هي تكتل وشبكة معقدة من العلاقات المتداخلة بين أجهزة ومجموعات عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية ومدنية ودينية، لمقاومة أي تغيير يطرأ، من شأنه أن يهدّد المصالح الحيوية التي يتوقف عليها وجود الدولة والقائمين عليها. وهذا ما يفسّر بوضوح استمرار وجود المالكي في العملية السياسية، أو منظومة ما تسمى الدولة العراقية، رجلاً قوياً يحكم العراق من وراء الستار، بل يمكن اعتباره الدولة ذاتها. ولذلك، وضع الثوار أمر تفكيك هذه الدولة في مقدمة جدول أعمال الحكومة الوطنية، لكونها العقبة الأكبر في وجه بناء المشروع الوطني الشامل.
باختصار، العملية السياسية التي فرضها المحتل الأميركي، بالتنسيق الكامل مع ملالي طهران وبمباركة المرجعية الدينية، قد جرى تصميمها، كما جرى تصميم الدستور، من أجل دمار البلاد وخرابها وهلاك العباد. وخير دليل على ذلك النتائج التي أفرزتها على مدى سنوات الاحتلال العجاف، حيث الدمار والخراب الشامل، وانتشار الفواحش والجرائم، والعجز التام في تقديم الخدمات والأمن، والتهجير والتفريط بالسيادة وضياع الثروات، والقائمة بهذا الخصوص طويلة ومؤلمة. وجرّاء ذلك كله، لن تراهن هذه الثورة العظيمة أبداً على تغيير العملية السياسية من داخلها، سواء عبر تغيير حكومة بأخرى أو عبر الانتخابات المزورة أو غيرها من الوسائل الأخرى. وبالتالي، أصبحت مطالب الثوار بإسقاط النظام وعمليته السياسية بكل حلقاتها من حكومة وبرلمان ودستور مطالب لا يمكن التنازل عنها.
ليس المقصود من استعراض قوة هؤلاء الأشرار إشاعة الخوف في النفوس، بل إبراز عظمة هذه الثورة العملاقة التي تحقق الانتصار تلو الآخر، وهي لا تملك سوى العلم العراقي وشعار "نريد وطن" الذي أصبح سلاحاً يضاهي، في قوته، كل ما يملكون من قوة الحديد والنار، ودعم إقليمي مثل إيران، أو دولي مثل أميركا. الأمر الذي جعل من إمكانية الوقوف بوجه هذه الثورة العملاقة والقضاء عليها صعبة التحقق، خصوصاً أن نيران الثورة تزداد لهيباً يوماً بعد يوم، وإصرار أبنائها على مواصلتها أصبح أكثر شدة، ورفض الاستسلام أو المهادنة أو الخضوع لمنطق القوة يترسخ في نفوس الثائرين. في المقابل، أصبح حجم الطاقات والإمكانات الثورية والإبداعية لدى الجماهير هائلاً، والقيادات الشابة التي أفرزها طريق الكفاح على مدى السنين الماضية أصبحت أكثر وعياً وإدراكاً لمسؤولياتها الوطنية. وبالتالي، أصبح انتصار الثورة النهائي قاب قوسين أو أدنى. هذه هي الحقيقة، فالشعب العراقي ليس أقل تضحية وفداءً من الشعوب الأخرى التي سارت على الطريق نفسه.
ليس كاتب هذه السطور وحده الذي يتطلع إلى اليوم الذي يتحقق فيه هذا الأمل، وعودة العراق محرّراً ومستقلاً وموحداً، بل يتطلع إليه شعب العراق، بل ويتطلع إليه كل العرب، لما للعراق من موقع ومكانة في قلوبهم وعقولهم ووجدانهم.
أمام فشل هذه الخدعة المكشوفة، كان من المفترض أن يرفع هؤلاء الأشرار الراية البيضاء، ويحزموا حقائبهم ويلوذوا بالفرار، ولكن ما يحدث عكس ذلك تماماً، فكل المؤشرات تنبئ بإصرار هؤلاء على مواصلة النهج الدموي نفسه، وارتكاب مزيد من المجازر على غرار ما حدث في الناصرية وكربلاء والنجف قبل أيام. وإلا، فبماذا نفسّر ترويج الدعايات والاتهامات الباطلة باستخدام الثوار السلميين العنف ضد قوات ما تُسمى مكافحة الشغب وشرطة
هذا التمسّك بالسلطة وتجاهل ثورة الشعب المظلوم ليس غريباً أو مستغرباً، فالمخطط الأميركي الإيراني لتدمير العراق، دولة ومجتمعاً، يتطلب وجود مثل هؤلاء الأشرار، فهم أكثر من غيرهم استعداداً لتنفيذ هذا المخطط الغادر، وخصوصاً أن هؤلاء قد أثبتوا جدارتهم بالإجرام والقتل وامتهان كرامة هذا الشعب العظيم وتجويعه وإذلاله واستعباده وسفك دمه والتفنن بسرقة أمواله وموارده، وحرمانه أبسط مقومات الحياة، كالهرباء والماء والدواء والأمن، في بلدٍ يُعَدّ من البلدان الغنية في العالم. مثلما أثبتوا جدارتهم باستخدام القوة الوحشية ضد جميع الانتفاضات الشعبية التي قامت طوال السنين الماضية. وقد نجد نموذجاً عنها في قمع انتفاضة البصرة ومدن أخرى في جنوب العراق قبل أقل من ستة أشهر، التي راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، لمجرد مطالبتهم بتوفير أبسط مقومات الحياة، كالماء والكهرباء.
لكن هذا ليس كل شيء، فهؤلاء، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، قد أسسوا ما تُسمى الدولة العميقة التي يعلم الثوار مدى فاعليتها، لكونها تستند إلى عناصر قوية تشمل مجموعاتٍ داخل ضباط الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والقضائية والإعلامية، ولها نفوذ أيضاً في المفوضيات والهيئات الخاصة، إضافة إلى المؤسسات الدينية، وأبرزها المرجعية الدينية العليا. وقد حدّدت مهمتها بالتصدّي لأي تهديد من أية جهة، والعمل على إبقاء الوضع
باختصار، العملية السياسية التي فرضها المحتل الأميركي، بالتنسيق الكامل مع ملالي طهران وبمباركة المرجعية الدينية، قد جرى تصميمها، كما جرى تصميم الدستور، من أجل دمار البلاد وخرابها وهلاك العباد. وخير دليل على ذلك النتائج التي أفرزتها على مدى سنوات الاحتلال العجاف، حيث الدمار والخراب الشامل، وانتشار الفواحش والجرائم، والعجز التام في تقديم الخدمات والأمن، والتهجير والتفريط بالسيادة وضياع الثروات، والقائمة بهذا الخصوص طويلة ومؤلمة. وجرّاء ذلك كله، لن تراهن هذه الثورة العظيمة أبداً على تغيير العملية السياسية من داخلها، سواء عبر تغيير حكومة بأخرى أو عبر الانتخابات المزورة أو غيرها من الوسائل الأخرى. وبالتالي، أصبحت مطالب الثوار بإسقاط النظام وعمليته السياسية بكل حلقاتها من حكومة وبرلمان ودستور مطالب لا يمكن التنازل عنها.
ليس المقصود من استعراض قوة هؤلاء الأشرار إشاعة الخوف في النفوس، بل إبراز عظمة هذه الثورة العملاقة التي تحقق الانتصار تلو الآخر، وهي لا تملك سوى العلم العراقي وشعار "نريد وطن" الذي أصبح سلاحاً يضاهي، في قوته، كل ما يملكون من قوة الحديد والنار، ودعم إقليمي مثل إيران، أو دولي مثل أميركا. الأمر الذي جعل من إمكانية الوقوف بوجه هذه الثورة العملاقة والقضاء عليها صعبة التحقق، خصوصاً أن نيران الثورة تزداد لهيباً يوماً بعد يوم، وإصرار أبنائها على مواصلتها أصبح أكثر شدة، ورفض الاستسلام أو المهادنة أو الخضوع لمنطق القوة يترسخ في نفوس الثائرين. في المقابل، أصبح حجم الطاقات والإمكانات الثورية والإبداعية لدى الجماهير هائلاً، والقيادات الشابة التي أفرزها طريق الكفاح على مدى السنين الماضية أصبحت أكثر وعياً وإدراكاً لمسؤولياتها الوطنية. وبالتالي، أصبح انتصار الثورة النهائي قاب قوسين أو أدنى. هذه هي الحقيقة، فالشعب العراقي ليس أقل تضحية وفداءً من الشعوب الأخرى التي سارت على الطريق نفسه.
ليس كاتب هذه السطور وحده الذي يتطلع إلى اليوم الذي يتحقق فيه هذا الأمل، وعودة العراق محرّراً ومستقلاً وموحداً، بل يتطلع إليه شعب العراق، بل ويتطلع إليه كل العرب، لما للعراق من موقع ومكانة في قلوبهم وعقولهم ووجدانهم.
مقالات أخرى
26 نوفمبر 2023
15 يوليو 2022
05 أكتوبر 2021