قبل نحو خمسة أسابيع من موعد الانتخابات التشريعية في العراق، المقرر أن تجرى في 12 مايو/أيار المقبل، تسعى الأحزاب الكردية، والتي قررت خوض غمار الانتخابات منفردة، إلى لملمة شتاتها والتحضير لتحالفات سياسية تحافظ على المكاسب التي حصل عليها أكراد العراق بعد العام 2003. وفيما أكد نواب أكراد أن المطالبة بمنصب رئيس البرلمان شرعية ولا تتناقض مع الدستور، قالت مصادر سياسية من إقليم كردستان إن الأحزاب الكردية ستسعى للظفر بوزارات سيادية. في هذا الوقت، دعت أطراف كردية لعدم المشاركة في الانتخابات في المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية، معتبرة أن عدم إشراك البشمركة بالملف الأمني لهذه المناطق سيؤدي إلى "ضياع أصوات الأكراد وتمثيلهم الحقيقي".
وأكد رئيس اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، النائب عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، محسن السعدون، أن الخارطة السياسية الكردية تبدو غير واضحة، وذلك للمرة الأولى منذ انطلاق التجربة البرلمانية بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، لافتاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى وجود تنافس بين القوى السياسية الكردية. وأضاف "قبل الانتخابات السابقة، كان هناك تحالف بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لخوض الانتخابات في عدد من مناطق العراق"، مبيناً أن هذا التحالف أفرز تعاوناً وتنسيقاً بين الحزبين. وتابع "أما الآن، فكل حزب يدخل الانتخابات بمفرده"، مشيراً إلى احتمال تشكيل تحالفات سياسية كردية بعد الانتخابات. وأشار السعدون إلى أن مساحة الأحزاب الكردية في هذه الانتخابات ستكون مختلفة، لافتاً إلى وجود حظوظ لحصول الأكراد على مقاعد في المناطق المتنازع عليها وفي نينوى وديالى وبغداد وواسط، موضحاً أن الانتخابات السابقة شهدت فوز الأكراد بمقعد برلماني للأكراد الفيليين في محافظة واسط جنوب العاصمة العراقية. ولفت إلى أن القوى الكردية ستحصل على أصوات من مختلف مناطق العراق، مشدداً على ضرورة الحفاظ على الثقل الكردي في العملية السياسية.
وبشأن المطالبات الكردية الأخيرة بتولي رئاسة البرلمان بدلاً من رئاسة الجمهورية، أكد السعدون أن هذه المطالبة، إن تمت، فإنها لن تكون مخالفة للدستور، الذي لم ينص صراحة على تقسيم المناصب بين الطوائف والقوميات كما هو الحال في الدستور اللبناني الذي يمنح رئاسة الجمهورية للمسيحيين، ورئاسة الوزراء للسنة، ورئاسة البرلمان للشيعة. وقال النائب عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، محسن السعدون، إن "رئيس الوزراء يتم اختياره من قبل الكتلة البرلمانية الكبرى، وهي الكتلة الشيعية"، مبيناً أن التنافس على رئاسة البرلمان يبقى محصوراً بين الأكراد والسنة، والمطالبة بالمنصب مشروعة لأي طرف.
مصدر سياسي كردي مطلع أكد أن المطالبات الكردية بالمناصب لن تقتصر على رئاسة البرلمان، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن الأكراد سيطالبون بتولي مرشحيهم إدارة وزارات سيادية، كالخارجية أو الدفاع أو الداخلية. وأشار إلى أن الأكراد سيطالبون بضمانات في حال اشتراكهم في الحكومة المقبلة، كي لا تتكرر مشكلة وزارة المالية التي أقيل وزيرها القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، هوشيار زيباري، في العام 2016، وبقيت الوزارة شاغرة طيلة المدة التي تلت هذا التاريخ، لافتاً إلى وجود نقاشات معمقة بين القوى الكردية من أجل التوصل إلى اتفاق لتشكيل تحالف كبير بعد الانتخابات.
لكن طريق الأكراد نحو رئاسة البرلمان لن يكون سهلاً وفقاً لما يراه عضو البرلمان العراقي عن كتلة "منظمة بدر"، حنين القدو، الذي أوضح أن للأكراد مواقف سياسية تجعلهم بعيدين عن هذا المنصب، مبيناً، خلال تصريح صحافي، أن مطالبة الأكراد، وحث رئيس إقليم كردستان السابق، مسعود البارزاني، لهم للحصول على رئاسة البرلمان أمر مرفوض من قبل جميع الكتل السياسية والأحزاب. وأكد عضو البرلمان السابق والسياسي الكردي، محمود عثمان، أن الحوار سيكون هو الأساس لحل جميع الأمور المختلف عليها بين الأكراد والقوى السياسية في بغداد، مبيناً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاستحصال على الحقوق يجب أن يكون تحت سقف الدستور. وهذا ما يؤيده عضو "الاتحاد الوطني الكردستاني"، عمر أمين، الذي قال، لـ"العربي الجديد"، إن الأكراد لن يطالبوا بمنصب رئيس الوزراء لأنهم لا يمثلون الكتلة الكبرى في البرلمان، مؤكداً أن المطالبة بأي منصب آخر ستكون متاحة بسبب عدم وجود أية موانع دستورية. وأشار إلى ارتكاب القوى الكردية خطأ حين لم تدخل الانتخابات بتحالف واحد كبير، مبيناً أن قانون الانتخابات يميل لخدمة القوى والتحالفات الكبيرة على حساب الصغيرة. ولفت إلى أن القوى الكردية بدأت بلملمة شتاتها لتشكيل تحالف سياسي واسع يضم الأكراد بعد الانتخابات، موضحاً أن الوضع الانتخابي في المناطق المتنازع عليها ما يزال غير مستقر بالنسبة للأكراد.
وفي السياق، طالب عضو البرلمان عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، ماجد شنكالي، القوى الكردية الانسحاب من الانتخابات في المناطق المتنازع عليها في محافظات كركوك ونينوى وديالى في حال عدم إشراك القوات الكردية في ملف حفظ الأمن في هذه المناطق. واتهم بعض الأطراف، التي لم يسمها، باستهداف المكون الكردي بهدف إجراء تغيير ديمغرافي في المناطق المتنازع عليها، مبيناً، في حديث لوسائل إعلام محلية، أن هذا الأمر سيكون إحدى أدوات التزوير وسرقة أصوات الناخبين الأكراد. وأضاف أن "عدم إشراك قوات البشمركة (الكردية) بالملف الأمني يعني ضياع أصوات المكون الكردي وتمثيله الحقيقي، وبالتالي فإن مقاطعة الانتخابات والطعن بشرعيتها في ديالى ونينوى وكركوك هو الخيار الأنسب من المشاركة في انتخابات نتائجها معروفة مسبقاً". ونفت مصادر مقربة من الحكومة العراقية، في وقت سابق، الأنباء التي تحدثت عن وجود اتفاق بين بغداد وأربيل على عودة قوات البشمركة إلى كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها. كما رفض عضو البرلمان العراقي عن الجبهة التركمانية، حسن توران، عودة البشمركة إلى كركوك، معتبراً ذلك مخالفة لقرار البرلمان العراقي بهذا الشأن.