بما يشبه المصارحة، أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أمام نخبة من الأكاديميين وأساتذة الجامعات، مرور العراق بأزمة اقتصادية. وبدا العبادي كتاجر وهو يُعدّ مدخولات البلاد وحاجتها إلى المصاريف، كمرتبات لموظفي الدولة فضلاً عن ارتفاع تكاليف الحرب المتصاعدة ضد تنظيم "داعش"، الذي يسيطر على مساحة ثلث البلاد.
صدمتان فوق الفساد
ومنذ يونيو/ حزيران من العام 2014، تعرض الاقتصاد العراقي لصدمتين، أضيفتا إلى حجم الهدر والفساد المالي الكبير، الأولى تمثلت باجتياح تنظيم "داعش" لثلاث محافظات، مما سبب خسائر، وفق التصريحات الرسمية، بلغت أكثر من 150 مليار دولار، وخفضت النمو الاقتصادي بنسبة تجاوزت 10%. أما الصدمة الثانية فجاءت بعد انخفاض أسعار النفط بنسبة أكثر من 60%، الأمر الذي جعل العجز المالي يفوق 35 مليار دولار خلال العام الحالي. علاوة على هذا، لم يستثمر العراق الأموال التي دخلت خزينته منذ العام 2003 وحتى عام 2014، والتي تجاوزت 700 مليار دولار لإعادة الأمل للصناعة والزراعة والخدمات.
إذ ما زال الاقتصاد محملاً بأعباء دعم التعليم والصحة والكهرباء والغذاء، بمليارات الدولارات سنوياً، بالإضافة إلى وجود ما يقارب ثمانية ملايين عراقي تمنحهم الدولة سنوياً ما يقارب 51 تريليون دينار أي ما يعادل 42 مليار دولار كمرتبات، موزعة بين موظفين ومتقاعدين ورعاية اجتماعية. والحال هذه، دخل الاقتصاد العراقي مرحلة الكساد لعدم قدرته على تلبية المتطلبات العامة، إذ ما زالت القطاعات الإنتاجية معطلة عن العمل بسبب الفساد المالي والإداري، الذي يسيطر على مجريات النظام السياسي القائم منذ العام 2003.
الحكومة العراقية ورئيسها العبادي في موقف محرج جداً. قال العبادي، في أثناء الاجتماع، إن قيمة النفط المصدر تقترب من 59 ترليون دينار، وهناك كلفة لإنتاج النفط، ناهيك عن وجود ديون متراكمة، مما يعني أن ما يبقى من المبالغ تقريباً يصل إلى 40 ترليون دينار، بينما تقدر الرواتب والتقاعد بنحو 50 ترليون دينار، فكيف يتم الصرف على الحرب والصحة والتعليم والزراعة والخدمات والفقراء وغيرها؟.
اقرأ أيضاً:خصخصة المصارف العراقية الحكومية... حلّ أم أزمة؟
حلول ترقيعية
إزاء سؤال العبادي، وضعت الحكومة العراقية عدة خيارات وصفتها بأنها "إنقاذية" لاقتصاد البلد من الانهيار الحتمي، تتمثل باقتراض داخلي وخارجي يقدر بنحو 12 مليار دولار للعام 2016، ودعم قطاعات الصناعة والزراعة والإسكان بمبلغ خمسة مليارات دولار من قبل البنك المركزي، توزع على شكل قروض صغيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، إلا أنها لم تطلق حتى الآن خوفاً من نهبها، مع إعادة النظر بالقرارات التي وضعتها اللجنة المختصة، وفرض ضرائب على بعض الخدمات والسلع، وتخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار بمرحلتين، الأولى تخفيض بنسبة 10% والثانية بنسبة 20% مما سيوفر للموازنة المالية ما يقارب تسعة تريليونات دينار . وقد دفعت سلّة التدابير وزارة التخطيط إلى حذف 296 مشروعاً بقيمة 9 مليارات دولار، وتأجيل 2169 مشروعاً بقيمة 30 مليار دولار لعدم جودتها في الوقت الراهن، من أجل تخفيف العبء على موازنة العام 2016 ، التي وصلت إلى اللجنة المالية في البرلمان لمناقشتها وإقرارها قبل نهاية العام الحالي.
وبشكل قاطع، علّق الاقتصادي سلام عادل على الواقع الاقتصادي العراقي قائلاً إنه "يمر بأزمة كبيرة". وقال عادل لـ "العربي الجديد" إن جميع القطاعات الصناعية متوقفة، وخسائر اقتصاد البلد تجاوزت سنوياً أكثر من 45 مليار دولار، مشيراً إلى أن "في الأشهر المقبلة سيعلن العراق إفلاسه وسيسرح الآلاف من موظفيه"، وبالإضافة إلى النظرة السوداوية التي يحملها عادل، قال إن "الأزمة المالية التي يعيشها البلد أثرت بشكل كبير على المواطنين، فما زالت الشخصيات الفاسدة مستعدة لنهب أموال العراقيين".
وأوضح أن "الشخصيات الاقتصادية الكفؤة حوربت وطردت من البلاد، لذلك فإن الذين يقودون اقتصاد البلد ليست لديهم علاقة بالواقع الاقتصادي وهمهم الوحيد كيفية زيادة أرباحهم على حساب الشعب". ويبدو عادل أكثر تشاؤماً تجاه التدابير الاقتصادية التي يصفها بـ "الترقيعية"، فالكارثة الاقتصادية ستحل بالعراق وجميع ما يطرحه الاقتصاديون حالياً هي حلول مداها قصير، وستنعكس بشكل سلبي على المدى الطويل، وفق عادل.
غياب القطاع الخاص
في الواقع، يفتقر العراق إلى قطاع خاص نظامي، إذ تحاربه الدولة منذ تطوير القطاع النفطي في خمسينيات القرن الماضي، حيث يشكل حالياً نسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي، ويحتضن 25% من القوة العاملة في العراق، التي تقدر بنحو عشرة ملايين شخص، إضافة إلى أنه يتكون من 10399 شركة صغيرة ومتوسطة و412 شركة كبيرة أغلبها شركات عائلية. على العكس من عادل، يبدو الأستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد، إحسان جبر، أكثر تفاؤلاً، وهو يطرح حلولاً لإنقاذ الاقتصاد العراقي، حيث قال" يجب تأسيس رؤية اقتصادية تتجاوز المفهوم الضيق للنخبة السياسية الحاكمة، التي فشلت طيلة السنوات الماضية، في وضع توصيف لنظام اقتصادي ممكن نجاحه، لأنها عكفت بكل ما تمتلك من وسائل خبيثة، وخطط فاشلة لتعظيم مصالحها على حساب تدمير اقتصادنا ونهب ثروتنا وقتل أحلام الأجيال". وأضاف أن "حل معضلة الاقتصاد العراقي يبدأ من الإدارة الرشيدة، من خلال السيطرة على الإنفاق وحماية المنتج المحلي ضمن إطار قانوني ضريبي واقتصادي".
وأردف قائلاً إن "الإصلاحات في اقتصاد البلد تتطلب استخدام عائدات القطاع النفطي للتنمية، وبناء قطاع خاص رصين وفقاً لخطط تنموية حكومية داعمة له، الأمر الذي يجعلنا نضطر إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، كسبيل لتمويل تلك الخطط، لكن يجب ألا يتم ذلك بمعزل عن توفير إرادة، وإدارة نزيهة وكفؤة تتولى أمر تنفيذها، لأن الفشل يعني فقداننا القدرة على تسديد الديون السيادية وتحميل الأجيال أعباء متضاعفة". حتّى الآن، جوبهت قرارات الحكومة العراقية الرامية إلى تقليل العبء على الاقتصاد بالرفض، لا سيما عندما أصرت على تقليل الإنفاق ورواتب الموظفين، والتي ستوفر للدولة نحو 3 مليارات دولار سنوياً، مما أجبر الحكومة على التخلي عنها بعد التظاهرات الكبيرة لموظفيها.
اقرأ أيضاً:التباين العراقي في الأرقام
صدمتان فوق الفساد
ومنذ يونيو/ حزيران من العام 2014، تعرض الاقتصاد العراقي لصدمتين، أضيفتا إلى حجم الهدر والفساد المالي الكبير، الأولى تمثلت باجتياح تنظيم "داعش" لثلاث محافظات، مما سبب خسائر، وفق التصريحات الرسمية، بلغت أكثر من 150 مليار دولار، وخفضت النمو الاقتصادي بنسبة تجاوزت 10%. أما الصدمة الثانية فجاءت بعد انخفاض أسعار النفط بنسبة أكثر من 60%، الأمر الذي جعل العجز المالي يفوق 35 مليار دولار خلال العام الحالي. علاوة على هذا، لم يستثمر العراق الأموال التي دخلت خزينته منذ العام 2003 وحتى عام 2014، والتي تجاوزت 700 مليار دولار لإعادة الأمل للصناعة والزراعة والخدمات.
إذ ما زال الاقتصاد محملاً بأعباء دعم التعليم والصحة والكهرباء والغذاء، بمليارات الدولارات سنوياً، بالإضافة إلى وجود ما يقارب ثمانية ملايين عراقي تمنحهم الدولة سنوياً ما يقارب 51 تريليون دينار أي ما يعادل 42 مليار دولار كمرتبات، موزعة بين موظفين ومتقاعدين ورعاية اجتماعية. والحال هذه، دخل الاقتصاد العراقي مرحلة الكساد لعدم قدرته على تلبية المتطلبات العامة، إذ ما زالت القطاعات الإنتاجية معطلة عن العمل بسبب الفساد المالي والإداري، الذي يسيطر على مجريات النظام السياسي القائم منذ العام 2003.
الحكومة العراقية ورئيسها العبادي في موقف محرج جداً. قال العبادي، في أثناء الاجتماع، إن قيمة النفط المصدر تقترب من 59 ترليون دينار، وهناك كلفة لإنتاج النفط، ناهيك عن وجود ديون متراكمة، مما يعني أن ما يبقى من المبالغ تقريباً يصل إلى 40 ترليون دينار، بينما تقدر الرواتب والتقاعد بنحو 50 ترليون دينار، فكيف يتم الصرف على الحرب والصحة والتعليم والزراعة والخدمات والفقراء وغيرها؟.
اقرأ أيضاً:خصخصة المصارف العراقية الحكومية... حلّ أم أزمة؟
حلول ترقيعية
إزاء سؤال العبادي، وضعت الحكومة العراقية عدة خيارات وصفتها بأنها "إنقاذية" لاقتصاد البلد من الانهيار الحتمي، تتمثل باقتراض داخلي وخارجي يقدر بنحو 12 مليار دولار للعام 2016، ودعم قطاعات الصناعة والزراعة والإسكان بمبلغ خمسة مليارات دولار من قبل البنك المركزي، توزع على شكل قروض صغيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، إلا أنها لم تطلق حتى الآن خوفاً من نهبها، مع إعادة النظر بالقرارات التي وضعتها اللجنة المختصة، وفرض ضرائب على بعض الخدمات والسلع، وتخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار بمرحلتين، الأولى تخفيض بنسبة 10% والثانية بنسبة 20% مما سيوفر للموازنة المالية ما يقارب تسعة تريليونات دينار . وقد دفعت سلّة التدابير وزارة التخطيط إلى حذف 296 مشروعاً بقيمة 9 مليارات دولار، وتأجيل 2169 مشروعاً بقيمة 30 مليار دولار لعدم جودتها في الوقت الراهن، من أجل تخفيف العبء على موازنة العام 2016 ، التي وصلت إلى اللجنة المالية في البرلمان لمناقشتها وإقرارها قبل نهاية العام الحالي.
وبشكل قاطع، علّق الاقتصادي سلام عادل على الواقع الاقتصادي العراقي قائلاً إنه "يمر بأزمة كبيرة". وقال عادل لـ "العربي الجديد" إن جميع القطاعات الصناعية متوقفة، وخسائر اقتصاد البلد تجاوزت سنوياً أكثر من 45 مليار دولار، مشيراً إلى أن "في الأشهر المقبلة سيعلن العراق إفلاسه وسيسرح الآلاف من موظفيه"، وبالإضافة إلى النظرة السوداوية التي يحملها عادل، قال إن "الأزمة المالية التي يعيشها البلد أثرت بشكل كبير على المواطنين، فما زالت الشخصيات الفاسدة مستعدة لنهب أموال العراقيين".
وأوضح أن "الشخصيات الاقتصادية الكفؤة حوربت وطردت من البلاد، لذلك فإن الذين يقودون اقتصاد البلد ليست لديهم علاقة بالواقع الاقتصادي وهمهم الوحيد كيفية زيادة أرباحهم على حساب الشعب". ويبدو عادل أكثر تشاؤماً تجاه التدابير الاقتصادية التي يصفها بـ "الترقيعية"، فالكارثة الاقتصادية ستحل بالعراق وجميع ما يطرحه الاقتصاديون حالياً هي حلول مداها قصير، وستنعكس بشكل سلبي على المدى الطويل، وفق عادل.
غياب القطاع الخاص
في الواقع، يفتقر العراق إلى قطاع خاص نظامي، إذ تحاربه الدولة منذ تطوير القطاع النفطي في خمسينيات القرن الماضي، حيث يشكل حالياً نسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي، ويحتضن 25% من القوة العاملة في العراق، التي تقدر بنحو عشرة ملايين شخص، إضافة إلى أنه يتكون من 10399 شركة صغيرة ومتوسطة و412 شركة كبيرة أغلبها شركات عائلية. على العكس من عادل، يبدو الأستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد، إحسان جبر، أكثر تفاؤلاً، وهو يطرح حلولاً لإنقاذ الاقتصاد العراقي، حيث قال" يجب تأسيس رؤية اقتصادية تتجاوز المفهوم الضيق للنخبة السياسية الحاكمة، التي فشلت طيلة السنوات الماضية، في وضع توصيف لنظام اقتصادي ممكن نجاحه، لأنها عكفت بكل ما تمتلك من وسائل خبيثة، وخطط فاشلة لتعظيم مصالحها على حساب تدمير اقتصادنا ونهب ثروتنا وقتل أحلام الأجيال". وأضاف أن "حل معضلة الاقتصاد العراقي يبدأ من الإدارة الرشيدة، من خلال السيطرة على الإنفاق وحماية المنتج المحلي ضمن إطار قانوني ضريبي واقتصادي".
وأردف قائلاً إن "الإصلاحات في اقتصاد البلد تتطلب استخدام عائدات القطاع النفطي للتنمية، وبناء قطاع خاص رصين وفقاً لخطط تنموية حكومية داعمة له، الأمر الذي يجعلنا نضطر إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، كسبيل لتمويل تلك الخطط، لكن يجب ألا يتم ذلك بمعزل عن توفير إرادة، وإدارة نزيهة وكفؤة تتولى أمر تنفيذها، لأن الفشل يعني فقداننا القدرة على تسديد الديون السيادية وتحميل الأجيال أعباء متضاعفة". حتّى الآن، جوبهت قرارات الحكومة العراقية الرامية إلى تقليل العبء على الاقتصاد بالرفض، لا سيما عندما أصرت على تقليل الإنفاق ورواتب الموظفين، والتي ستوفر للدولة نحو 3 مليارات دولار سنوياً، مما أجبر الحكومة على التخلي عنها بعد التظاهرات الكبيرة لموظفيها.
اقرأ أيضاً:التباين العراقي في الأرقام