العراق: نذر خلاف جديد حول الهيئات المستقلة

13 مايو 2020
تعهد الكاظمي بفتح ملف الهيئات المستقلة (الأناضول)
+ الخط -

على نحو مشابه لما حصل خلال فترة حكومتي عادل عبد المهدي وحيدر العبادي السابقتين، يبرز اليوم مجدداً ملف الهيئات المستقلة في العراق، التي يتجاوز عددها الـ25 هيئة مختلفة، يفوق بعضها في المهام والمخصصات المالية المرصودة لها وزارات حكومية، ويسيطر على أغلبها رؤساء يرتبطون بحزب "الدعوة الإسلامية" الذي يترأسه نوري المالكي. وتجد قوى سياسية أنّ تشكيل تلك الهيئات في فترة حكومتي المالكي الأولى والثانية (2006 ـ 2014)، جعلها تحت تصرف وسيطرة ما بات يُعرف في العراق بالدولة العميقة. وعلى الرغم من محاولات رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي فتح الملف، إلا أنه سرعان ما كان يغلق وبقي على حاله مع تغيير طفيف، بسبب التجاذبات السياسية حوله.

ويصل عدد الهيئات المستقلة في العراق إلى أكثر من 25 هيئة، أبرزها: هيئة الحج والعمرة، البنك المركزي، مؤسسة الشهداء، مؤسسة السجناء السياسيين، هيئة الاستثمار، ديوان الرقابة المالية، بيت الحكمة (مؤسسة ثقافية)، هيئة الأقاليم، أمانة بغداد، مجلس الإعمار، هيئة النزاهة، هيئة المساءلة والعدالة، هيئة الإعلام، هيئة الإيرادات الاتحادية، هيئة الأوراق المالية، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، هيئة الاتصالات، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، وآخرها هيئة الحشد الشعبي التي استحدثت في الفترة الأخيرة.

ووفقاً لمصادر سياسية في بغداد، تحدثت مع "العربي الجديد"، فإنّ أغلب تلك الهيئات التي تدار بالوكالة منذ سنوات، وسجّلت في العامين الأخيرين ملفات فساد خطيرة مرتبطة بها، باتت ملفاً غير قابل للتأجيل، خصوصاً أنّ أغلبها محتكرة من قبل جهات سياسية، فيما باتت أخرى زائدة عن الحاجة ويمكن دمجها أو إلحاقها بوزارات أخرى في مجال التخصص أو الاهتمام نفسه، بما يساهم في تقليل الإنفاق والقضاء على الفساد. وأكدت المصادر أنّ بعض تلك الهيئات تحوّل إلى واجهات حزبية لعدد من الجهات السياسية أكثر من كونها مؤسسات رسمية.

من جهتها، قالت النائبة عن تحالف "الفتح" ميثاق الحامدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "كل ملف لم يتم فتحه في ولاية حكومة عادل عبد المهدي، سيقوم رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي بفتحه، وعلى رأس ذلك ملف الهيئات المستقلة"، موضحةً أنّ "فتح هذا الملف سيولّد خلافات سياسية جديدة بشأن توزيع الهيئات المستقلة بين القوى السياسية، لكن في النهاية سيكون هناك اتفاق، كما حصل بشأن تشكيل حكومة الكاظمي، التي كانت الأقرب إلى الفشل".

وفي السياق ذاته، قال النائب عن تحالف "سائرون" علي اللامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ الكاظمي "سيعيد النظر في الهيئات المستقلة كافة في العراق، خصوصاً أنّ هناك شخصيات تدير هذه الهيئات هي ليست أهلاً لذلك، وبعضهم عليه ملفات فساد"، مشيراً إلى أنّ "اختيار شخصيات لرؤساء الهيئات المستقلة يتم عبر تصويت البرلمان العراقي، وأي شخصية ليست نزيهة وكفوءة لن يُصوت لها".

ورأى اللامي أنّ "القوى السياسية حتى الآن لم تترك المحاصصة، وهي لم تترك الحرية للكاظمي لاختيار وزرائه، فبكل تأكيد ستكون لها يد بقضية تسمية رؤساء الهيئات المستقلة"، مضيفاً: "ستكون هناك خلافات بين القوى السياسية على تقاسم وتوزيع الهيئات المستقلة، فكل كتلة وجهة تريد هيئة محددة لها من أجل استغلالها سياسياً، خصوصاً أنّ هناك جهات تعتبر الهيئات المستقلة أفضل من الحقائب الوزارية".

أما النائبة عن تحالف "القوى العراقية" انتصار الجبوري، فلفتت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ الكاظمي "تعهد بفتح ملف الهيئات المستقلة أمام القوى السياسية، ونتوقع أنه سيتم فتح هذا الملف خلال الفترة المقبلة بعد إكمال الكابينة الوزارية، وكذلك وضع معالجات للأزمة الاقتصادية والأمنية، وهذا يتطلب وقتاً". وأكّدت الجبوري أنّ "الهيئات المستقلة سيتم توزيعها على القوى السياسية، كل حسب ثقله البرلماني، مع مراعاة المكونات العراقية، كما حصل مع مسألة توزيع الحقائب الوزارية، فكل جهة سياسية لها استحقاقات انتخابية يجب أن تحصل عليها، وهذا الأمر معمول به بكل دول العالم". وختمت بالقول: "بكل تأكيد توزيع الهيئات المستقلة سيولد خلافات وصراعات بين جهات معينة، لكن في النهاية ستكون هناك حلول وتوافق واتفاق".

من جهته، اعتبر الخبير في الشؤون السياسية، أحمد الحمداني، أنّ موضوع الهيئات المستقلة "مرتبط بالدولة العميقة في العراق، التي أسسها نوري المالكي بين عامي 2006 و2014، إذ يدين أغلب المسؤولين في تلك الهيئات بالولاء لحزب الدعوة وزعيمه المالكي". وأضاف الحمداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "خطوة فتح موضوع الهيئات المستقلة التي تستهلك ما لا يقل عن 6 مليارات دولار سنوياً على أقل تقدير، باتت واجبة، لا سيما أنّ الفساد ينخر أغلبها، لكنّ الأمر بحاجة إلى توافق سياسي قبل كل شيء". وأشار إلى أنّ "هناك إمكانية لدمج هيئات عدة ببعضها البعض أو إلحاق أخرى بوزارات موجودة أو حتى إلغائها"، مؤكداً على "وجوب أن تدار هذه الهيئات من قبل أشخاص مختصين بعيداً عن ترشيحات القوى السياسية".

ولفت إلى أنّ رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي "حاول إنجاز شيء في هذا الملف، لكن كانت هناك ضغوط وتهديدات سياسية تعترض طريقه، وترك الملف أملاً بفتحه في حال فاز بولاية ثانية، وهو ما لم يتحقق".

دلالات