13 نوفمبر 2024
العراق يواجه القتل العمد
ثمّة مؤشراتٌ صارخة على أن سيناريو تقسيم العراق أصبح مطروحاً على الطاولة، وأن أطرافاً عراقية وإقليمية ودولية تحضر لهذا الحدث الذي قد يتم على مراحل محسوبة، فقد وضحت النوايا، وتكشف المستور، ولم يعد ثمّة غموض، أو تردّد، لدى أصحاب القرار!
وبلغة أهل القانون، فالعراق المهشّم داخليا، المهمش إقليميا ودوليا، على وشك أن يتلقى رصاصة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد، بعضهم يسميها "رصاصة الرحمة" التي تريح المريض، بعدما تفاقمت أدواؤه واستشرت، وعجز طب السياسيين عن معالجتها، سمعنا من يقول: "لم نعد نعرف كيف نتعايش معاً، ولم يعد بلدنا يقوى على ضمنا جميعاً، لا بد من قدر من الخسائر"، وسمعنا من ينذرنا: "إنها حدود الدم، ما أخذناه بالدم لن نرجع عنه"، وآخر يداور ويراوغ، زاعماً أن الجميع سيكونون آمنين مطمئنين، في ظل "تسويةٍ تاريخيةٍ" قريبة، تمنح الحياة من جديد للعملية السياسية المنهارة على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب". نسمع كل هذا الهذر، ونقرأه صباح مساء. ومع ذلك، نغرق في تفاؤلٍ ضال، يعلمنا كيف نشتري الوهم وكيف نبيعه "إن معركة الموصل وحدتنا جميعا، ولن يكون هناك ما يفرّقنا بعد اليوم"!
وتلاحقنا بالونات الاختبار وسيناريوهات الخراب، مسعود البارزاني الذي لوّح، مراتٍ، باستقلال كردستان، يتصرف كما لو كان الأميركيون قد وضعوا إعلان الاستقلال في جيبه، وقد يكونون قد وضعوه بالفعل، فيما هم يتظاهرون بحرصهم على وحدة البلاد التي اغتصبوها، ينبئنا أنه اتفق مع واشنطن على عدم انسحاب قوات البشمركة من المناطق التي حرّرتها من سيطرة "داعش" باعتبارها جزءاً من كردستان، لكن الأميركيين يردّون بإطلاق نكتةٍ ساذجةٍ، بقصد الضحك على الذقون، مشيرين إلى أن هذا شأن عراقي، قراره ليس في أيديهم، إنما هو في يد رئيس الوزراء، حيدر العبادي، الذي تأخذه الحمية، معلنا أن ذلك أمر لن يكون، وأنه اتفق مع البارزاني نفسه على انسحاب البشمركة، لنسمع البارزاني بعده يلعن على مضض المترجم الذي اقترف خطيئة قلب المعنى الذي كان في خاطره (!).
ينبري مسؤول آخر، كاشفاً عن خطةٍ مكملةٍ بديلةٍ تفرز إقليماً كردياً آخر بعد قضم كركوك وسهل نينوى، تحت لافتة حماية التركمان والأيزيديين، وخطة أخرى تحت عنوان "الأقاليم السبعة" الذي يصلح عنواناً لافتاً لفيلم هوليوودي مثير، وثمّة جهد محموم من أطراف بصرية لفك الارتباط مع بغداد، ومثله من أطراف موصلية، تريد إدارةً ذاتيةً بعد تحرير مدينتهم، وأيضاً مرة أخرى، ثمّة عملٌ قائمٌ لتكريس وضع خاص للأنبار، قد يفضي إلى أقلمتها.
يبقى السيناريو المقترح أميركيا الذي يقسم العراق إلى إقليمين، سني وشيعي، يضاف إليهما إقليم كردستان الحالي الذي "هو دولةٌ، ولكن ينقصها القليل"، بوصف رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، ويبقى أيضا ما تريده إيران من تكريس سيطرة مطلقة لمليشيات "الحشد الشعبي"، التابعة لها على مفاصل القرار، بما يجعل من البلاد شبه ولاية إيرانية في مخطط أوسع، يضمن امتداداً جغرافياً إيرانياً في العالم العربي، وهذا ما تخشاه تركيا، ولها في العراق اليوم أكثر من موطئ قدم.
وفي ظل هذه السيناريوهات السوداء، يشرع المعنيون بعملية اجتراح حدودٍ جديدة، ورسم خرائط لدولٍ تنهض من ركام المدن والأقاليم، ومن ركام البشر المعمّدين بالدم المسفوح. ويجري هذا كله في السر والعلن، يحكمه منطق الصراع والتوافق، وتضمنه مساوماتٌ وتسوياتٌ مكشوفةٌ ومضمرةٌ، ليكرّس أوضاعاً انفصالية تشرذم العراق، وتلقي به في مهاوي التاريخ. وبموت العراق، يتحقق الهدف الأخير الذي سعت إليه أميركا في غزوها له، واحتلاله، ويقضي على احتمال عودته مركزاً إقليمياً مؤثراً وفاعلاً، كما كان قبل 9 أبريل/ نيسان 2003، ويضمن لإسرائيل أمناً كانت تبحث عنه منذ عقود. ولسوف تحصل عليه من دون أن تطلق رصاصة واحدة، ويحقق لإيران ما تريده من شرذمة العالم العربي، وإغراقه بالفوضى، وتقديم مشروعها الإثني- الطائفي على أنه المشروع الأمثل القابل للتحقيق، وخشبة الخلاص لشعوب المنطقة.
وفي غياب رجالٍ يحمونه من الموت، تشرئب الأعناق إليهم، عندما يدلهم الخطب، يتلقى العراق مستسلماً رصاصة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد، سمّها "رصاصة الرحمة" إن شئت، وعندما تصرع الرصاصة القاتلة جسد العراق، سوف نبكي مثل النساء ملكاً مضاعاً لم نحافظ عليه مثل الرجال.
وبلغة أهل القانون، فالعراق المهشّم داخليا، المهمش إقليميا ودوليا، على وشك أن يتلقى رصاصة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد، بعضهم يسميها "رصاصة الرحمة" التي تريح المريض، بعدما تفاقمت أدواؤه واستشرت، وعجز طب السياسيين عن معالجتها، سمعنا من يقول: "لم نعد نعرف كيف نتعايش معاً، ولم يعد بلدنا يقوى على ضمنا جميعاً، لا بد من قدر من الخسائر"، وسمعنا من ينذرنا: "إنها حدود الدم، ما أخذناه بالدم لن نرجع عنه"، وآخر يداور ويراوغ، زاعماً أن الجميع سيكونون آمنين مطمئنين، في ظل "تسويةٍ تاريخيةٍ" قريبة، تمنح الحياة من جديد للعملية السياسية المنهارة على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب". نسمع كل هذا الهذر، ونقرأه صباح مساء. ومع ذلك، نغرق في تفاؤلٍ ضال، يعلمنا كيف نشتري الوهم وكيف نبيعه "إن معركة الموصل وحدتنا جميعا، ولن يكون هناك ما يفرّقنا بعد اليوم"!
وتلاحقنا بالونات الاختبار وسيناريوهات الخراب، مسعود البارزاني الذي لوّح، مراتٍ، باستقلال كردستان، يتصرف كما لو كان الأميركيون قد وضعوا إعلان الاستقلال في جيبه، وقد يكونون قد وضعوه بالفعل، فيما هم يتظاهرون بحرصهم على وحدة البلاد التي اغتصبوها، ينبئنا أنه اتفق مع واشنطن على عدم انسحاب قوات البشمركة من المناطق التي حرّرتها من سيطرة "داعش" باعتبارها جزءاً من كردستان، لكن الأميركيين يردّون بإطلاق نكتةٍ ساذجةٍ، بقصد الضحك على الذقون، مشيرين إلى أن هذا شأن عراقي، قراره ليس في أيديهم، إنما هو في يد رئيس الوزراء، حيدر العبادي، الذي تأخذه الحمية، معلنا أن ذلك أمر لن يكون، وأنه اتفق مع البارزاني نفسه على انسحاب البشمركة، لنسمع البارزاني بعده يلعن على مضض المترجم الذي اقترف خطيئة قلب المعنى الذي كان في خاطره (!).
ينبري مسؤول آخر، كاشفاً عن خطةٍ مكملةٍ بديلةٍ تفرز إقليماً كردياً آخر بعد قضم كركوك وسهل نينوى، تحت لافتة حماية التركمان والأيزيديين، وخطة أخرى تحت عنوان "الأقاليم السبعة" الذي يصلح عنواناً لافتاً لفيلم هوليوودي مثير، وثمّة جهد محموم من أطراف بصرية لفك الارتباط مع بغداد، ومثله من أطراف موصلية، تريد إدارةً ذاتيةً بعد تحرير مدينتهم، وأيضاً مرة أخرى، ثمّة عملٌ قائمٌ لتكريس وضع خاص للأنبار، قد يفضي إلى أقلمتها.
يبقى السيناريو المقترح أميركيا الذي يقسم العراق إلى إقليمين، سني وشيعي، يضاف إليهما إقليم كردستان الحالي الذي "هو دولةٌ، ولكن ينقصها القليل"، بوصف رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، ويبقى أيضا ما تريده إيران من تكريس سيطرة مطلقة لمليشيات "الحشد الشعبي"، التابعة لها على مفاصل القرار، بما يجعل من البلاد شبه ولاية إيرانية في مخطط أوسع، يضمن امتداداً جغرافياً إيرانياً في العالم العربي، وهذا ما تخشاه تركيا، ولها في العراق اليوم أكثر من موطئ قدم.
وفي ظل هذه السيناريوهات السوداء، يشرع المعنيون بعملية اجتراح حدودٍ جديدة، ورسم خرائط لدولٍ تنهض من ركام المدن والأقاليم، ومن ركام البشر المعمّدين بالدم المسفوح. ويجري هذا كله في السر والعلن، يحكمه منطق الصراع والتوافق، وتضمنه مساوماتٌ وتسوياتٌ مكشوفةٌ ومضمرةٌ، ليكرّس أوضاعاً انفصالية تشرذم العراق، وتلقي به في مهاوي التاريخ. وبموت العراق، يتحقق الهدف الأخير الذي سعت إليه أميركا في غزوها له، واحتلاله، ويقضي على احتمال عودته مركزاً إقليمياً مؤثراً وفاعلاً، كما كان قبل 9 أبريل/ نيسان 2003، ويضمن لإسرائيل أمناً كانت تبحث عنه منذ عقود. ولسوف تحصل عليه من دون أن تطلق رصاصة واحدة، ويحقق لإيران ما تريده من شرذمة العالم العربي، وإغراقه بالفوضى، وتقديم مشروعها الإثني- الطائفي على أنه المشروع الأمثل القابل للتحقيق، وخشبة الخلاص لشعوب المنطقة.
وفي غياب رجالٍ يحمونه من الموت، تشرئب الأعناق إليهم، عندما يدلهم الخطب، يتلقى العراق مستسلماً رصاصة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد، سمّها "رصاصة الرحمة" إن شئت، وعندما تصرع الرصاصة القاتلة جسد العراق، سوف نبكي مثل النساء ملكاً مضاعاً لم نحافظ عليه مثل الرجال.